هل ينهي الدبيبة أزمة المعبر الحدودي مع تونس

المماطلة في فتح معبر رأس جدير تمس مصالح مئات الآلاف من الليبيين.
الأحد 2024/06/09
مصالح كثيرة لدى الليبيين في الجارة تونس

طرابلس/تونس- تحرك رئيس حكومة الغرب في ليبيا عبدالحميد الدبيبة لاحتواء أزمة المعبر الحدودي مع تونس وأجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس التونسي قيس سعيد ليؤكد على العمل على تذليل العقبات المتسببة بإغلاق المعبر.

ولم تؤثر المماطلة التي لجأ إليها الجانب الليبي بشأن فتح المعبر على مصالح تونس بل استهدفت أول ما استهدفت مصالح مئات الآلاف من الليبيين المقيمين في تونس أو الذين يدخلون ويغادرون للسياحة أو لارتياد المؤسسات الصحية التونسية التي يفضلها الليبيون كمقصد رئيسي لهم.

وتم خلال المكالمة بين الرئيس التونسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تجديد التأكيد على الحرص المشترك على تذليل كل العقبات لإعادة فتح معبر رأس جدير وتوفير أفضل الظروف للمسافرين في الاتجاهين وتسهيل الحركة التجارية بين البلدين.

وماطلت السلطات الليبية في فتح المعبر وقدمت الكثير من الأسباب التي تكمن وراء عرقلة مرور السلع بين البلدين، وهو الأمر الذي عده الكثير من المراقبين التونسيين ابتزازا مفضوحا لبلادهم، خصوصا في مرحلة تجاهد فيها تونس لتعديل ميزانها التجاري وما يتوفر لديها من سيولة، بعد رفضها لشروط صندوق النقد الدولي المتعلقة بتوفير قرض.

وكتب عدد من المحللين التونسيين في الصحافة المحلية وصحف عالمية، وأشاروا في مقابلات تلفزيونية على الفضائيات، بأن حكومة الدبيبة تتعمد نسيان طبيعة العلاقة التاريخية بين البلدين، وأن الضغط على تونس بهذه الطريقة يمكن أن يتسبب بإجراءات مُقابلة ستمس أول من تمس مئات الآلاف من الليبيين المقيمين في تونس أو المتنقلين بين البلدين ضمن برامج تسهيل إقاماتهم وعبورهم.

ومن المفترض أن الدبيبة يدرك أكثر من غيره أن تونس تمر بوضع اقتصادي صعب منذ سنوات، تزايدت حدته مع تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ولم يبادر الدبيبة إلى دعم البلد الذي أصبح رئة ليبيا الاقتصادية والإنسانية، وصار من الواضح أنه يستغل الظروف التمويلية التي تمر بها تونس.

مصطفى عبدالكبير: إشكاليات حقيقية لم يتمّ حلها، والمسألة ليست لوجستية فقط
مصطفى عبدالكبير: إشكاليات حقيقية لم يتمّ حلها، والمسألة ليست لوجستية فقط

ولم يكن التونسيون ينتظرون دعما اقتصاديا من بلد جار يصنف من بين البلدان الغنية في المنطقة نظرا للانقسامات السياسية وتذبذب إنتاج النفط. لكن ما لم يتوقّعوه أن يقوم الليبيون بإقفال المعبر في هذا التوقيت وهم الذين يدركون جيدا أن الجنوب الشرقي وخاصة المدن الحدودية تعيش على المبادلات التجارية البينية.

وأكد مصطفى عبدالكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان أنه “طالما هنالك مكالمة بين أعلى هرمين في السلطة التونسية وحكومة طرابلس، فهذا دليل على وجود تنسيق مشترك، خصوصا مع وزير الداخلية الجديد في تونس”.

وأضاف عبدالكبير في تصريح لـ”العرب” أن “هنالك إشكاليات حقيقية لم يتمّ حلها، والمسألة ليست لوجستية فقط، بل هناك نقاط أخرى متعلقة بمسألة تنظيمية للمعبر وطرق معاملة الليبيين للتونسيين وكيفية معاملة التونسيين لليبيين في التراب التونسي”.

واعتبر أن “حكومة الدبيبة حاولت منذ البداية حلحلة الأزمة من خلال لقاء وزير الداخلية عماد الطرابلسي بوزير الداخلية التونسي السابق كمال الفقي”، لافتا أنه “ليس هناك إلى حدّ الآن موعد محدد لفتح المعبر”.

ويجد الليبيون في تونس ملاذا، خاصة بالنسبة إلى السياحة العلاجية، حيث يستقبل القطاع الصحي التونسي عشرات الآلاف من الليبيين بالرغم من الخلافات بشأن الديون. كما أن تونس وجهة سياحية تقليدية خاصة بالنسبة إلى العائلات والفئات متوسطة الدخل. ويخلق تدفق الليبيين على تونس حركة اقتصادية كبيرة لمختلف القطاعات.

ولا شك أن استمرار غلق المعبر يسبب أضرارا لهذه الفئات، ويخلق مناخا من الغضب والضغط على حكومة الدبيبة ما يدفع إلى مراجعة قرارها.

وبرّرت حكومة الدبيبة إقفال المعبر في البداية بخلافات داخلية بين وزير الداخلية عماد الطرابلسي والأمازيغ الذين يسيطرون على المعبر ويتحكمون في مسار تهريب الوقود، لكن سرعان ما تبدّد الحديث عن تلك الخلافات ليحل محلها الحديث عن مشاورات تتعلق بالصيانة مع تونس لإعادة فتحه.

لاحقا تحدثت تسريبات عن ابتزاز ليبي للحكومة التونسية، حيث اشترط الدبيبة فك التجميد عن الحسابات الليبية التي جمدها المصرف المركزي التونسي في 2016، بالإضافة إلى حسابات أخرى تم تجميدها مباشرة بعد سقوط نظام معمر القذافي، بالإضافة إلى موضوع تشابه الأسماء الليبية الذي تتمسك تونس بتوضيحه لحل مشكلة الداخلين إلى أراضيها.

وكان الدبيبة وضع ملف الأموال الليبية المجمدة في تونس في صدارة اهتماماته منذ توليه رسميا منصب رئيس الوزراء في مارس 2021، منتقدا قيام عدد كبير من الليبيين بتهريب أموالهم إلى تونس. وأصدر الدبيبة قرارا حمل رقم 110 لسنة 2021 بتشكيل لجنة لمتابعة إجراءات رفع القيود عن أموال وممتلكات الليبيين المصادرة في تونس.

وتؤكد أوساط ليبية أن الأمر لا يتعلق بالأموال المجمدة منذ عام 2011 تنفيذا لقرارات مجلس الأمن، وإنما بالأموال التي احتجزتها السلطات التونسية الأمنية والجمركية من ليبيين أدخلوها إلى الأراضي التونسية عن طريق التهريب، أو بسبب عدم معرفتهم بقانون الصرف في تونس.

في المقابل رأت دراسة أعدتها لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي سنة 2016 أن تلك الأموال دخلت البلاد عبر عمليات مالية وتجارية معقدة بهدف المضاربة وتبييض الأموال، وتم اتخاذ قرارات بتجميدها طبقا لأحكام قضائية، وبإذن من البنك المركزي التونسي بعد إدراج تونس ضمن قائمة الدول المتهمة بتبييض الأموال.

◄ استمرار غلق المعبر يسبب أضرارا لهذه الفئات، ويخلق مناخا من الغضب والضغط على حكومة الدبيبة ما يدفع إلى مراجعة قرارها

وكان محافظ البنك المركزي التونسي السابق مروان العباسي أعلن أن الأموال التي تم تجميدها منذ 2011 تمثل الرقم الأكبر، إضافة إلى أموال محجوزة لمواطنين ليبيين من قبل الجمارك بسبب جهلهم بالقوانين الديوانية وتراتيب الصرف في تونس، مشيرا إلى أن قيمة الأموال الليبية المجمدة تتراوح بين 140 و150 مليون دولار.

ولا يمكن فصل ملف الأموال المحتجزة عن ملف تشابه الأسماء، والذي يتعلق بقوائم أسماء الليبيين الممنوعين من دخول تونس بسبب شبهة تورطهم في الإرهاب، وهو ما ترد عليه سلطات طرابلس بأنه لا يعدو كونه تشابها في الأسماء.

وبحسب مصادر ليبية، فإن هناك بعض الأسماء التي لم يتم الحسم فيها، وهي مرتبطة بتيار الإسلام السياسي، ويمكن أن تكون لها علاقات مع جماعات إرهابية متشددة كانت تنشط على التراب الليبي، بينما يمارس الإخوان في ليبيا ضغوطا على الدبيبة للتدخل من أجل رفع قرارات منع دخولها إلى الأراضي التونسية.

وتقول المصادر الليبية إن لدى السلطات التونسية معطيات كاملة عن شخصيات ليبية متطرفة تنشط في المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية وكانت لها مواقف معادية لتونس وخاصة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021.

 

اقرأ أيضا:

        • جدل ليبي حول اجتماع مصراتة ومخرجاته

1