نوري الجراح يجمع حضارات المتوسط في "لا حرب في طروادة"

ما يميز تجربة الشاعر السوري نوري الجراح هو الوعي العميق بالشعر والجغرافيا والتواريخ، لتتحول قصيدته إلى أرض تلاق فيها يعيد الشاعر نحت العالم مستضيئا بما يموج في التاريخ، لا في وجهه المشرق وقوته فحسب بل أيضا في مذابحه وبشاعاته وصراعاته، وهنا يكون الشاعر صوت الإنسان الملحمي سعيا إلى مثل الإنسان العليا. وهذا ما قرأه نقاد وكتاب يونانيون في شعر الجراح مؤخرا.
سالونيك (اليونان) - استضاف “معرض سالونيك الدولي للكتاب” في دورته الأخيرة موفى شهر مايو المنقضي الشاعر نوري الجراح بمناسبة صدور الطبعة اليونانية من ديوانه “لا حرب في طروادة”.
وقدم الشاعر والترجمة، بحضور الناشر ولفيف من الشعراء ومحبي الشعر، إلى جمهور الأمسية مترجمة الكتاب بيرسا كوموتسي والأكاديمي كيرياكوس كينتروتيس. وتلا ذلك حديث عن تجربة الشاعر وقراءات من الكتاب بالعربية واليونانية، وبعد الأمسية وقع الشاعر الكتاب في جناح دار نيكاس للنشر.
حامل الإرث المتوسطي
في كلمة بعنوان “دم من هذا الذي يجري في قصيدتك أيها الشاعر (نوري الجراح شاعر ملحمي بإرث متوسطي)” قدم البروفيسور بجامعة مقدونيا كيرياكوس كينتروتيس كتاب الجراح قائلا “قدمت منشورات ‘نيكاس’ (NIkas) لقرائها في اليونان مختارات شعرية للشاعر السوري نوري الجراح تحت عنوان ‘لا حرب في طروادة’ من ترجمة وتقديم الكاتبة والمترجمة بيرسا كوموتسي في إطار سلسلة ‘الشعر العربي المعاصر’. ما قدمته الترجمة إلى اليونانية يبدو اقترابا من عالم مألوف جدا، ولكنه في الوقت نفسه غير معروف. قريب جدا، مع ذلك بعيد جدا”.
وبيّن أن اختيار الشاعر السوري نوري الجراح لتمثيل هذا العالم هو اختيار ممتاز. فأشعاره التي يضمها “لا حرب في طروادة” لا تحمل تاريخ وحكمة العالم العربي فحسب، بل تعتبر سليلة الإرث الهلنستي العريق على ضفاف البحر المتوسط. بعد كل شيء، بالنسبة إلى جميع من يقومون بتدريس العلاقات بين الدول والثقافات، من المعروف أنه من أجل التحدث بشكل فعال عن الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل عام، يجب على المرء أن يعرف أن هذا العالم هو في المقام الأول قصص حيوات وعلاقات لها جذور عميقة في الزمن. وهذا هو عالم نوري الجراح ومسرح شعره.
وأضاف كينتروتيس “تتيح لنا هذه الطبعة الخاصة، بفضل العمل البارع للمترجمة البرونزية بيرسا كوموتسي، الفرصة للتعرف على هذا العالم بشكل أفضل، خصوصا في ما يتعلق بعالمنا المتحدر من إرثنا الإغريقي، والموصول به، ولكن أيضا وعلى نطاق أوسع، بعالم البحر الأبيض المتوسط وما يمور به من تفاعل ثقافي خلاق. هناك مداران أو قسمان. الأول منهما يقدم سوريا بوجوه وموضوعات إغريقية، بديعة ومأساوية معا، مثل هيلين وإيفيجينيا وهكتور وأوديسيوس وبنلوبي وتلماخوس، ووجوه أخرى. وفي الثاني تتجول سوريا في المنافي حاملة وقد تفاعل التراث الأوروبي واليوناني بتاريخها ودياناتها”.
وبيّن أن مساقط الرأس والأوطان في حالة حرب مستمرة مع الأجنبي/ البربري في شعر الجراح كما في قصيدته “وصول البرابرة”، ونجد حالة حرب طاحنة مع الطغيان في المجتمع الأهلي، كما في قصيدته “الغزاة يولدون في المدينة”، وكما هو الحال في المآسي اليونانية التي تواصل مسارها التاريخي منذ العصور القديمة. وبما أننا نتحدث عن صراعات أهلية أبدية في بيوتنا، في عائلاتنا، في أوطاننا، في تاريخنا، فإن سؤال الشاعر لنفسه هنا، دائما ذو صلة “دم من هذا الذي يجري في قصيدتك أيها الشاعر؟”.
وذكر أن في صفحات هذه الطبعة، تنبض الحياة بالعديد من القصص الآسرة للبحر الأبيض المتوسط، بأسماء كبيرة وصغيرة، مع آلهته، ووقائعه اليومية، وعواطفه، وحروبه. يتجلى في شعر الشاعر هنا عطاء خالد للحياة والبقاء بمجد وشرف، وجمال وبطولة، ولكن أيضا بالألم والمذابح والنفي والموت في وطننا القديم الكبير، أمنا جميعا، البحر الأبيض المتوسط.
الشاعر، وفق كينتروتيس، يعيش القصص بنفسه. إنها مفعمة بما تمدها به جذورها وأحلامها، ولكنها تمور وتضطرب وتتفجر أيضا بالانتفاضات والحروب الأهلية، والحرب بما هي واقع مأساوي عام، يقيم الشاعر في قصائده عالما ملحميا موازيا لملاحم هوميروس، والإلياذة/ الأوديسة، وقصص الكتاب المقدس، وقصص من الإسلام والمسيحية. إنه يعجب بقصائده ويمجدها، وينازع ويتألم داخل عالمه الخاص، ولكن أيضا داخل العالم الهيلينيستي وعالم البحر الأبيض المتوسط وأوروبا المعاصرة التي يقيم في إحدى مدنها منذ أواسط الثمانينات.
وتابع “منذ البداية الشاعر يطرد أرواح الحرب، نحن المتحدرين من أب لنا جميعا يصبح لدى الشاعر زحل لأبنائه. سنتعرف على صوت الشاعر في صوت أوديسيوس في صراع الأنفس والمنفى. يرى في بينيلوب موطنه سوريا، وداعا حلوا ومرا من سنوات شبابه. لكنه لا يرى مستقبلا لطفلهما تيليماخوس في مدينة/ وطن ظالم. إنه يستعين بسقراط وإيسوب للتنديد بسياسة القسوة، حيث لا يهم إلا من يفوز ويقرر متى يحيا الناس ومتى يموتون”.
في الأساس، لا يقوم الشاعر بحفريات بسيطة أو يسيرة في طبقات التاريخ والذاكرة والتربة والأجساد. إنه يكشف النقاب عن نسب وظلال في الميثولوجيا والتاريخ لهذه الحرب الشرسة التي تحيط بنا في كل مكان، في منطقتنا. ولا يكتفي بالوقائع عن حروب القبائل والشعوب والدول. ولكنه يغوص في دواخل الناس وأعماق أرواحهم.
يعيد الشاعر بناء عالمه الداخلي وذكرياته مع العالم الخارجي المتمثل في القوة والدم، ولكن أيضا الجمال والتضحية. ولا يتردد في عبور الـVia Recta (الطريق المستقيم) الذي عبره بولس الرسول من شرق دمشق إلى غربها، ومنه خرجت المسيحية إلى العالم، ومنه دخل الإسلام على دمشق. إنها دمشق حبيبة الشاعر، حيث ينتصر اليوم مهرجان وحشي على طول الطريق المستقيم الذي يعبر أسواق العالم، وكان يمكن لهذا الطريق، لو الطغيان، أن يكون طريق الخلاص.
وواصل كينتروتيس “لذلك يتراءى لي أن الشاعر يحلم بأن يصبح نحاتا، ينحت تمثالا لعالم جديد من ‘كلمات هوميروس الأخيرة’ مع النور الأبدي لعوالم البحر الأبيض المتوسط العديدة. ففي نهاية المطاف، يصر على الاحتفاظ بهذا الحلم في القصيدة كطلسم لاستعادة وطنه الأم، واللقاء بأسرته، على الرغم من أنه يشعر بالحزن كلما شحب الحلم أو تلاشى في قسوة الواقع المحيط، في وطنه وفي العالم”.
في هذا الشعر، يرسل الشاعر المزيد من الضوء في مواجهة الظلام. فنراه يطوف في حطام الأرض باحثا عن أفضل الرخام حتى لا ينطفئ النور في حجري عينيه. بحيث لا تكون الحياة سجنا أو منزلا للمجانين أو مقبرة للأحياء الأموات. ومن سوريا، ومن أجساد وألوان أوروبا الشابة، إلى البحر الأبيض المتوسط والعالم أجمع، يحافظ الشاعر نوري الجراح على حلم الحياة هذا مشرقا للجميع.
الشاعر ابن العالم
من ناحيتها بينت مترجمة الكتاب الكاتبة بيرسا كوموتسي أن ديوان نوري الجراح الشعري “لا حرب في طروادة”، الذي نشره بالعربية عام 2019، نوع نادر من الشعر، فعلى الرغم من طبيعته الرثائية، إلا أن الارتباطات التي يخلقها، في ما يتعلق بالحروب والعواطف الإنسانية عبر الزمن، نادرة جدا، فهي ترنيمة لاثنتين من أهم ثقافات البحر الأبيض المتوسط، واللتين تتفاعلان وتتواصلان حضاريا عبر قرون كثيرة.
إنه، وفق رأيها، جسر للزمن والتاريخ، يعج بالرمزية الخالدة التي تبدأ وتنتهي في التاريخ الإنساني. وهي رمزية تحتفظ بهويتها العربية، إلا أنها، في الوقت نفسه، تتناغم مع هويات أخرى كاليونانية، ومعها الهوية المتوسطية أيضا. هكذا يصبح القارئ، في مجموعة شعرية واحدة، متلقيا لثقافة متعددة الأوجه والمعاني، الظاهر منها والباطن.
وقالت كوموتسي “ضمن هذا الإطار، ندرك أن شعر الجراح عالمي، بمعنى أنه يتعامل مع قضايا عالمية مثل الحرب، والخيانة، وتمجيد الحب، والخوف، والموت، والانحلال وغيرها الكثير، كما أنه يتطرق إلى الكثير من نقاط الضعف البشرية، التي حكمت سلوك الإنسان على مر العصور، وكثيرا ما قادته إلى الدمار وإلى النصر أيضا”.
ما قدمته الترجمة إلى اليونانية اقتراب من عالم مألوف جدا ولكنه في الوقت نفسه غير معروف، قريب كما هو بعيد
وتابعت “لما كان الجراح عاشقا للأدب اليوناني القديم والتقليد الشعري، فقد أضفى عبر قصائد مجموعته الشعرية كاملة مثالية عالية على هذا التقليد الملحمي اليوناني وعلى أبطال هوميروس، إذ إنه كتب بإعجاب وأشاد بأبطال ملحمة طروادة. وإذ به، أحيانا، يشيد بتألقهم وشجاعتهم وبسالتهم، فإنه، في أحيان أخرى، يؤكد على مشاعرهم وعلى نقاط ضعفهم الإنسانية، موازيا في ذلك بين ظروف الحرب آنذاك، وبين حروب اليوم، سواء في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا، أو في أماكن أخرى”.
تضفي هذه الروابط وأوجه التشابه، والمراسلات الممتازة والمتناقضة في الكثير من الأحيان – والتي تولد بسهولة وبشكل عضوي في أبياته الشعرية من خلال هذه “الشراكة الثقافية” – طابعا فريدا على لغة القصائد وأسلوبها وخصوصية موضوعها الذي يستحق الدراسة. وليس من قبيل الصدفة أن يطلق على الجراح لقب شاعر البحر الأبيض المتوسط الذي يكتب باللغة العربية، إذ لطالما كان المتوسط بالنسبة إليه مجالا نادرا للإلهام والإبداع.
التقليد الملحمي
شعر الجراح عطاء خالد للحياة والبقاء بمجد وشرف وجمال وبطولة ولكن أيضا بالألم والمذابح والنفي على ضفاف المتوسط
قالت كوموتسي “في الواقع، في إحدى مقابلاته معي، حين سألته: لماذا كل هذا الشغف باليونان وتاريخها؟ كان جوابه: دائما أعتبر نفسي مواطنا متوسطيا يكتب باللغة العربية، ليس بدافع وعي بأنني سوري أنتمي إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط فحسب، ولكن منذ نشأتي قرأت وانبهرت بالتاريخ والثقافة والأدب الذي تطور على شواطئ المتوسط. إن الحضارات التي انطلقت من أعماق القرون تفاعلت على مدى قرون، وأثر بعضها ببعض بشكل كبير”.
هكذا كان العصر الهلنستي، بشكل أساسي، العصر الذي أبهره أكثر، فأراد التعمق فيه. لذلك بدأ دراسته منذ سن مبكرة جدا. وفي الثمانينات بدأ رحلة بحث في اليونان وقبرص، بشكل رئيسي. ففي اليونان، اكتشف قدموس وهوميروس وأوديسيوس. وهنا يقول “في الواقع، كان هوميروس أول من أشار إلى السوريين الذين جاؤوا في ذلك الوقت، مرة أخرى كلاجئين ومهاجرين إلى اليونان، ووصفهم بالحرفيين الجديرين”.
لهذا السبب، يعتبر نوري الجراح الثقافة اليونانية القديمة جزءا أساسيا من تراثه الثقافي. ليس هذا فحسب، بل إنها ثقافة تحظى بإعجابه الذي لا نهاية له. ولذلك، فإن الشاعر المتوسطي ذا الوعي “الهيلينيستي”، أو بالأخرى العالمي، يكتب، بعيدا عن أي شوفينية جغرافية، عن الإنسان، بغض النظر عن أصله أو هويته، لأن كل ما يهمه هو الإنسان، حيث يعيش ويحلم ويتمنى.
قصائد من الكتاب والأمسية اليونانية
كَلِمَاتُ هُومِيرُوسْ الْأَخِيرَة
I
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة، لَا بَحْرَ وَلَا مَرَاكِبَ وَلَا سَلَالِمَ عَلَى الْأَسْوَارْ، لَا حِصَانَ خَشَبِيّا، وَلَا جُنُودا يَخْتَبِئُون فِي خَشَبِ الْحُصَانْ. سَأَعْتَذِرُ لَكُم يَا أَبْطَالِيَ الصَّرْعَى: “آخِيلْ” بِكَعْبِهِ الْمُجَنَّحِ؛ “هِكْتُورْ” بِصَدْرِهِ الطُّرْوَادِيِّ الْعَرِيضْ؛ وَأَنْتَ يَا “أَغَامِمْنُونْ” بِلِحْيَتِكَ الْبَيضَاء وَسَيْفِكَ الْمُسَلَّطِ عَلَى رِقاب الْبًحَّارَةِ الهَارِبِينَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ.
II
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة، لَا دَمَ وَلَا دُمُوعَ، لَا أَقْوَاسَ نَصْرٍ وَلَا أَطْوَاقَ غَارٍ فِي الرُّؤوسْ. لَا جُرُوحَ فِي جَثَامِينِ الْرِّجَالِ، لَا قَتْلَى وَلَا قبور، لَا آسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَا بَاكِيَاتٍ فِي شُرُفَاتِ الْبُكَاءْ.
III
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة. المُرَاهِقُ لَمْ يَقْطِفْ تُفَّاحَةً لِامْرَأَةٍ فِي شُرْفَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِيْنَة زَوْجٌ اسْمُهُ “مِينَلَاوسْ” “هِيِلنْ”، وَحْدَهَا، كَانَتْ تَتَشَمَّسُ فِي حَدِيقَةِ “هُومِيرُوسْ”. وَلِأَجْلِ وِشَاحِهَا الْقُرْمُزِيِّ وَخَدِّهَا الْأَسِيلِ، أَسْلَمَ خَيَالَهُ لِلرِّيْحِ، وَأَصَابِعَهُ لِلْأَوْتَارْ.
IV
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة، لَا مَرَاكِبَ عَلَى السَّوَاحِلِ، وَلَا جُنُودَ فِي الْمَرَاكِبْ. الْقَمَرُ يَلْهُو فِي الْحُقُولِ، والشَّجَرَةُ تُؤْنِسُ الْحِصَانْ. لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة الْمُنْشِدُ أَسْلَمَ قِيْثَارَتَهُ لِلرِّيْحِ، وَاسْتَرَدَّ أَصَابِعَهُ مِنَ الْأَوْتَارْ. عُوْدُوا إِلى بُيُوتِكِمْ، عَانِقُوا الزَّوْجَاتِ الصَّغِيْرَاتِ، وَقَبِّلُوا الْأَطْفَالَ، وَتَلَهُّوا بِخَمْرةِ الْعِيدْ. لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.
أُنْشُوْدَةُ قَدْمُوس
أَقِفُ فِي المِرآةِ وأُوَدِّعُ نَفْسي وقَبْلَ أَنْ أَتَوارى، قَبْلَ أَنْ أَرَى نَفْسي وهي تَتَلَفَّتُ وتَسْأَل: هل أَنْتَ أَنَا؟ مَنْ مِنَّا ذَهَبَ أَبْعَدَ، مَنْ مِنَّا تَكَسَّرَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَب أَبْعَدَ؟ هَوَى وتَكَسَّرَ وصَارَ شُعَاعاً مَنْ مِنَّا رأَى صُوْرَتَهُ ومَرْقَدَهُ فِي جِنَائنَ مُعَلَّقَة؟ *** قَطْرَةٌ نافِرَةٌ على سَطْحٍ زائِغٍ، كَانَ قاربي، لَكِنَّ الضَّوْءَ فَضَحَني وها أَنَا فِي عَيْنِ العَاصِفَةِ. ونَسْليَ الَّذي نَجَوْتُ بِهِ مِنْ إِرَم المُحْتَرِقَة، نسليَ الَّذي ضَرَبْتُ بِهِ الآفَاقَ، حُطُامُ مَرَاكِبَ فِي لُجَجٍ عَمْيَاء، فِتْيَانٌ طَافُوا على زَبَدٍ وفَتَيَاتٌ صِرْنَ عَرَائِسَ لِلْأَمْواجْ.
أُنْشُودَةُ أَبُولُودُور الدِّمَشْقِي
تَكُونِينَ فِي دِمَشْقَ، اللُّؤْلُؤَةَ … الطَّريقُ إِلَى بَيْتِكِ فِي جِوارِ القَلْعَةِ صَاعِدةً، وخَطِرةً عبَّدهَا عُمَّاليَ لِقَدَمِيْكِ الطَّائِشَتَيْنِ. الطَّريقُ، ضَرْبُ صُنُوجٍ، وخُطُواتُكِ فِي نَعْلِكِ نَشِيدٌ يَانِعٌ. لَسْتُ هُنَا، لأَرَى أَطْواقَ الغَارِ ذَابِلَةً، وَصَمْتَ الطَّريقِ حُزْنَ أَزْهَارٍ عِنْدَ دَرْفَاتِ النَّوافِذِ. البهجةُ أَثَرٌ مِنْ صِبْيةٍ فرَّقَهُمْ لَهْوٌ، أَسْمَعُ أنْفَاسَهُم نُتَفا مِنْ كَلامٍ خَائِفٍ، أَخْطُو وفِي ذِراعي الصَّدْعُ المُتَحَدِّرُ مِنْ قَاسيُونَ. صَرخَاتُ المُصَارِعِينَ تَرُجُّ البَوَّابَاتِ عُيُونُهُمُ النَّازِفَةُ تَلْمَعُ فِي صَفَائِحِ الدُّرُوعْ.. الأَوْهَامُ تَتَقَاطَرُ، الأَوْهَامُ تَجُوبُ الأَرْضَ والسَّمَواتِ، وتُؤْنِسُ قَلْبَكِ. مِشْيَتُكِ فِي الطَّريقِ مِنَ البَيْتِ إِلَى الحَمَّامِ، نُورٌ قَدِيْمٌ عَلَى خُطُواتٍ خَضْرَاءْ. تَكُونِيْنَ لُؤْلُؤَةً فِي دِمِشْقَ، وفِي رُومَا الصَّحْراء خُطْوَتِي تَهْلَكُ.
أُنْشُودَةُ آمُورِي
لَوْ عَرَفْتُ أَنَا آمُورِي أَنَّ مَصِيْري أَنْ أقِفَ عَلَى صَخْرَةٍ وأَنْظُرَ الخَلِيقَةَ التَّائِهَةَ هَذِهِ، لَرَبَطَتُ نُوْحاً إلى الصَّاري وحَشَوْتُ أُذُنَيْهِ بِالْخَشَبْ. العَاصِفَةُ تَأْكُلُ السَّفِينَ، والبَحْرُ يَلْتَهِمُ السَّمَاءْ.. ولَوْ عَرَفْتُ أَنَّنِي سَأَقِفُ، أَنَا المَلَّاحُ العَرِيقُ وأَنْظُرُ أَلْسِنَةَ القَاعِ تَلْتَهِمُ العُلَا لَمَا رَجُوتُ اللهَ أَنْ يُرْسِلَ ذَلِكَ الطَّائِرَ.
***
ولأَنَّنِي، أَنَا آمُوري، نَزِيْلُ قِطْعَةِ لَيْلٍ وأَسِيْرُ قَلْعَةٍ فِي جَزِيْرةٍ سَأَرْمِي بِجَسَدِي وَرَائِي مِثْلَ مَلَابِسَ خَلِقَةٍ وأخْرُجُ، أَنَا صُورَتُهُ المُمَزَّقَةُ، وهُوَ المَنْدُوبُ السَّامِعُ، رَجُلُ مَا قَبْلَ الطُّوفَانِ والقَبْضَةُ الَّتِي وَجَّهَتِ السَّفِينَ إِلى جَبَلِ قَاسْيُونْ.