هبة عبدالغني لـ"العرب": النجومية اللامعة حلم مشروع له حسابات مرعبة

تراكم الفنانة المصرية هبة عبدالغني تجربتها في التمثيل بتنويع أدوارها، وبدقة الاختيار التي وضعتها وجها لوجه أمام نجوم كبار فأثبتت جدارتها وأهمية موهبتها، لكنها لا تزال تحقق نجاحاتها في أدوار ثانية ولم تحظ بعدُ بفرصة الحصول على بطولة مطلقة، ترى فيها حلما مشروعا لكل ممثل لكنه حلم يفرض حسابات خاصة.
محمد شعير
القاهرة - القمة تتسع لكثيرين، هذا ما يقال دوما، لكن ما لا يُذكر كثيرا هو أن القمة لا ترتبط بأدوار البطولة، أو صدارة المشهد، أو أن يكون المرء هو الأول، إذ يكفي أن يؤدي الإنسان عمله في موقعه بأقصى درجات الإجادة ليبلغ عندئذ قمته بذاته وإتقانه. وكم انخدع الناس في أبطال بلغوا قمما وهمية. يسري هذا على الفن، كما يسري على كل مجالات الدنيا. والدور الثاني، أو حتى الثالث والرابع، في الحياة كلها، كثيرا ما يكون هو الأساس المتين، الذي يسهم في بناء قاعدة صلبة، يقوم عليها نجاح العمل ككل، مهما جاء هذا النجاح مغلفا ببريق نجومية النجم الأول.
الفنانة المصرية هبة عبدالغني، نجمة ذات بريق خاص، بلغة الأرقام وحسابات الإنتاج، لم تصل حتى الآن إلى أدوار البطولة المطلقة، مع أن تاريخها الفني يقترب من ربع قرن من الزمان، لكنها بمجرد ظهورها على الشاشة يضمن المشاهد درجة فائقة من الإبداع والإجادة في نقل الشخصية التي تؤديها، مهما تتباين الشخصيات في المسلسلات.
حصلت الفنانة المصرية أخيرا على جائزة أفضل ممثلة دور ثاني في مهرجان “همسة للإبداع والفنون”، عن شخصية الممرضة “سهام” في مسلسل “صلة رحم”، الذي عرض لأول مرة في رمضان الماضي، وفاز بجائزة أفضل مسلسل 15 حلقة في مسابقة “كأس إنرجي للدراما”.
أكدت هبة عبدالغني لـ”العرب” أنها عندما تؤدي أي شخصية فإن أول ما تفكر فيه هو تقديمها بشكل مميز، مختلف عما تم تقديمه بها من قبل، فقناعتها أنه لا توجد في العالم شخصية تشبه شخصية أخرى، مثل بصمات الأصابع التي يصعب أن تتطابق أبدا، كذلك الشخصيات، سواء أكانت امرأة شعبية أم متحررة أم تنتمي إلى مجتمع صعيد مصر المحافظ، وتعتني بأدق التفاصيل في طريقة حديثها وملابسها وشكلها.
وتابعت “مشكلتي مع نفسي في أداء الشخصية بإتقان، ولا أفكر في الجوائز أو أسعى لها أو أتوقعها، لكنها عندما تأتي فلا شك أنها تمثل دعما معنويا رائعا، وجائزة الدور الثاني عموما أحبها وأعتز بها، لأنها تعني أن الفنان استطاع أن يلفت النظر إلى أدائه، رغم أنه ليس البطل الأول في العمل”.
أحلام في السماء
حصلت هبة عبدالغني على جائزة أحسن ممثلة دور ثاني أيضا عن دور سمية في مسلسل “الطاووس” الذي أذيع في رمضان 2021 من مهرجان “همسة”، وفي العام التالي كرمها المركز الكاثوليكي للسينما ضمن نجوم مسلسل “جزيرة غمام” الذي لعبت فيه دور حسنة، وفاز بجائزة أحسن مسلسل عن عام 2022 في مهرجان القاهرة للدراما في دورته الأولى.
وقالت الفنانة المصرية لـ”العرب”، “إنني أكون دائما غيورة على المسلسل الذي أشارك فيه، وما يهمني هو نجاح العمل ككل وليس دوري فقط. أفكر بعقلية فريق الكرة الذي لا بد أن يؤدي بشكل جماعي كي يفوز. وفي صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي لا أقوم بالترويج لدوري فقط، فالنجاح في الفن ليس فرديا”.
وقالت “هكذا كنت أفكر دوما مع كل مسلسل أشارك فيه، من ‘سجن النسا’ إلى ‘تحت السيطرة’ حتى ‘صلة رحم’، بما في ذلك مسلسل ‘فرصة ثانية’ الذي أعجب فيه المشاهدون بدوري، لكنه نال بعض الهجوم، رغم أنه حصل أيضا على نسبة مشاهدة مرتفعة”. قطعت الفنانة هبة عبدالغني، ابنة مدينة الإسكندرية، رحلة فنية طويلة منذ تخرجها من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، قسم الدراسات المسرحية، وظهورها لأول مرة في مسلسل “زيزينيا” للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بطولة النجم يحيى الفخراني.
أوضحت الفنانة المصرية في حديثها لـ”العرب”، “إني أنتمي إلى أسرة متوسطة في حي شعبي، وأتذكر أحلامي عندما كنت أتطلع إلى السماء من نافذة الغرفة وأنا نائمة في سريري. كنت أشعر بأنني سوف أطير يوما ما لأحقق أحلامي المحلقة هناك”.
وأضافت “كنت أعجز عن التعبير عما بداخلي من تطلعات لصديقاتي وزميلاتي في مدرستي الحكومية، لأنهن سوف يسخرن منها ولا يصدقنها، لكنني صدقتها، ولم يكن لديَّ أي إثبات على إمكانية تحقيقها. كنت مشغولة في داخلي بأفكار وشخصيات كثيرة رأيتها في حياتي وأردت التعبير عنها. ولم أكن أعرف شيئا في صغري سوى قراءة الكتب ومحبة كرة القدم، اللتين أخذتهما عن والدي”.
شاركت هبة عبدالغني في أعمال فنية عديدة في سن مبكرة، وتشربت القيم الفنية الرفيعة من كبار الفنانين، كالنجم الراحل نور الشريف الذي عملت معه في مسلسلي “الرحايا” و”الدالي”، وانعكس ذلك في كل دور تؤديه مهما يكن حجمه، لكنها لم تصل بعد إلى أدوار البطولة المطلقة.
وقالت “كل واحد يتمنى أن يكون الأفضل في تخصصه وما يؤديه من عمل، بالتالي فأدوار البطولة الأولى هي حلم مشروع، فأحد المفاتيح المهمة هي أن يراهن المنتج أو الموزع على فنان، فتكون له عندئذ وجهة نظر في العمل وما يحمله من أفكار، وما يقدم فيه من شخصيات”.
◙ النجومية اللامعة ربما تكون لها حسابات أخرى مرعبة وضاغطة لأنها مسؤولية كبيرة وهي مفيدة ومضرة معا بنفس الدرجة
رحلة هبة الطويلة التي قطعتها في حياتها كفنانة حفزتها على أن تحكي الكثير من الحكايات بالفن، وتعبر عن العديد من الشخصيات، وأدوار البطولة أتاحت ذلك بشكل أكبر، لكن بعد ثورة يناير عام 2011 في مصر حدثت طفرة كبيرة على مستوى الكتابة للدراما والتقنيات المستخدمة بعد اتجاه الكثير من كُتاب ومخرجي السينما إلى المسلسلات، فصار هناك تنوع أكبر في الأعمال الدرامية، واقتنعت هبة بأنه ليس بالضرورة أن تكون بطلة أولى كي تقدم ما ترغب في تقديمه.
وفي شهر أكتوبر الماضي، بعد اندلاع حرب غزة، ظهرت هبة عبدالغني في فيديو على موقع إنستغرام، لتؤكد توقفها عن إعلان أخبارها الفنية، تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومعاناته، ونشرت أرقام حسابات التبرع لأجل أهالي غزة.
وقالت الفنانة المصرية لـ”العرب”، “إننا جميعا كنا ومازلنا في حالة حزن لما يجري، وكان هناك وقتها هلع ولغط كبير، ومعلومات خاطئة يتم تداولها، فشعرت بأن أبسط دور يمكن القيام به هو استغلال وجود محبين ومتابعين على صفحتي للتركيز على معاناة أهلنا في فلسطين، رغم أن مسلسل ‘حدوتة منسية’ كان على وشك العرض، وكان العمل قد بدأ في مسلسل ‘صلة رحم’، لكنني لم أعلن وقتها”.
ولم يكن لدى هبة وغالبية العرب تقدير بأن تستمر الحرب كل هذا الوقت، وتصل إسرائيل فيما تفعله إلى دخول رفح الفلسطينية، وارتكاب حادثة محرقة الخيام، ووجدت مؤخرا في مهرجان “كان” السينمائي أنه يمكن التعبير عن القضية من خلال الإشارة بالأزياء، على سبيل الدعم والتذكير.
ولفتت الفنانة الأنظار قبل أيام بظهورها في حفل توزيع جوائز “كأس إنرجي للدراما” مرتدية زيا بألوان “الكوفية” الفلسطينية التي ارتداها بالفعل الفنانان طه دسوقي وأحمد غزي خلال الحفل، فنالوا جميعا ردود أفعال إيجابية، لكن ليس كل المشاهير من فنانين ولاعبي كرة القدم قادرين دوما على التعبير بحرية عن آرائهم أو اتجاهاتهم.
اعتبرت الفنانة في حديثها لـ”العرب” أن النجومية اللامعة ربما تكون لها حسابات أخرى مرعبة وضاغطة، لأنها مسؤولية كبيرة وهي مفيدة ومضرة معا بنفس الدرجة، فهي تفيد النجم الكبير لأنها تفتح له الأبواب بتيسير خدمة الناس مثلا إن كان خدوما، ولقاء البشر من مختلف الأجناس والثقافات إن كان محبا للسفر، لكنها أيضا تحرمه من رفاهية أن يكون إنسانا عاديا يستطيع أن يبدي رأيه ببساطة في أي حدث.
أن تكون إنسانا عاديا
وأشارت إلى أن هناك درجة من النجومية تكون حقلا للألغام، فأن تكون نجما لامعا هذا يعني أنك تؤثر في الملايين من البشر، وبالتالي لا بد أن يكون النجم واثقا من كل كلمة يتفوه بها، وقادرا على تحمل تبعاتها، لأنه ليس بالضرورة أن يفهم كل إنسان أو فنان في كل الموضوعات بما في ذلك السياسة، لكن الصحافة تسأل النجوم في كل شيء، وعليهم أن يجيبوا، رغم أن جهل الإنسان ببعض الموضوعات يكون أحيانا رحمة من الله.
وثار جدل كبير في الفترة الماضية بسبب تغطية المواقع الإخبارية جنازات الفنانين أو أقاربهم، ووصل الأمر إلى دعوة بعض الفنانين صراحة إلى عدم حضور الصحافيين. ولفتت عبدالغني إلى أن وجود الهواتف المحمولة في أيدي الجميع حاليا يضع ضغطا كبيرا على النجوم، بسبب إمكانية تصويرهم في أي مكان والتقاط نظرة أو إشارة أو كلمة صدرت عن النجم بشكل عابر لتتحول إلى قضية كبرى على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى في مناسبات العزاء والجنازات.
وانتقدت ظاهرة البث المباشر التي تقوم بها بعض المواقع الإخبارية بحثا عن لحظة انهيار هذا الفنان أو ذاك، مما قاد بعض الفنانين مؤخرا إلى أن يفقدوا أعصابهم. وتابعت "أفهم أن بعض صغار الصحافيين مضطرون إلى أن يركضوا وراء الخبر الساخن المثير، لكن لا بد من وجود جهة تحاسب المخطئين".
وأثارت هبة عبدالغني الجدل منذ ثلاثة أعوام عندما صرحت عقب مشاركتها في مسلسل “موسى” بطولة الفنان محمد رمضان، بأنه يذكرها بالفنان الكبير الراحل نور الشريف، الذي كان منضبطا جادا، وليس أنانيا، وهو ما وجدته في تعاملها مع رمضان.
وقالت لـ”العرب” إن حديثها عن محمد رمضان “يتعلق بالعمل فقط، لأنه كان بالفعل منضبطا في مواعيده، ويحترم مختلف العناصر المشاركة في المسلسل، لكن ذلك ليست له علاقة بالصورة التي يقدمها عن نفسه أو يتعامل بها من خلال صفحاته على وسائل التواصل، فهذه مسألة أخرى”.