ملامح حلّ عراقي لقضية حزب العمال الكردستاني على طريقة حل مشكلة مجاهدي خلق

إنهاء الوجود المسلّح لحزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية التي يتّخذ منها مقاتلوه ميدان مواجهة عسكرية ضدّ القوات التركية، لم يعد أمرا مستحيلا بعد التقارب الكبير بين تركيا والعراق والمدعوم بمصالح اقتصادية للبلدين يمر تحقيقها حتما عبر عمل مواز وتنسيق مشترك بينهما لضمان الأمن والاستقرار لكليهما.
بغداد- بدأت تتضح ملامح تقارب كبير في منظور كل من تركيا والعراق لقضية حزب العمّال الكردستاني الذي يتخّذ من مناطق بالشمال العراقي ملاذا لمقاتليه وموطنا رئيسيا لحربه المستمرّة ضد الجيش التركي منذ أربعة عقود.
ولم تعد بغداد تبدي ممانعة في الاشتراك بحسم ملف الحزب، لكن على طريقتها التي تقوم على نزع سلاحه سلميا ودفع عناصره لإخلاء مواقعهم وتشجيعهم على الهجرة الطوعية، مستعيدة بذلك تجربتين سابقتين لها في معالجة ملف المقاتلين الأكراد المعارضين للنظام الإيراني.
ويكتسي التنسيق بين العراق وتركيا بشأن حزب العمّال قدرا من الجدية نظرا لكونه مستندا هذه المرّة على مصالح كبيرة بين البلدين يعتزمان دعمها وتطويرها.
وأصبح مشروع طريق التنمية المشترك بين العراق وتركيا والإمارات وقطر أحد أعمدة التعاون المتنامي بين أنقرة وبغداد والتي تأمل الأخيرة توسيعه ليشمل ملف المياه الآخذ في التحوّل إلى معضلة بسبب التغيرات المناخية ولجوء جارتي العراق تركيا وإيران إلى إنشاء عدد متزايد من السدود على الروافد المتّجهة من أراضيهما صوب الأراضي العراقية.
وسعت تركيا من البداية إلى الربط بين فكرة مشروع الطريق وملف حزب العمال على أساس منطقي مؤدّاه أنّ تنفيذ المشروع على الأرض واستغلاله لاحقا يتطلّبان ضمان قدر كبير من الأمن والاستقرار لاسيما في المناطق التي ستمرّ بها سكة الحديد والطريق السيارة المشكّلتين للمشروع، خصوصا وأنّ بعض تلك المناطق يمثّل مقرا لعناصر الحزب ومسرحا لعملياته.
ولم يعد الجانب العراقي بعيدا عن تبنّي ذلك الربط وهو ما تعكسه تصريحات مسؤولين كبار في حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.
وقال هشام العلوي وكيل وزارة الخارجية العراقية لشؤون التخطيط السياسي إن المباحثات بين أنقرة وبغداد متواصلة بشأن حل مشكلة حزب العمال الكردستاني. وجاء ذلك في تصريحات أدلى بها لوكالة الأناضول التركية تطرق خلالها أيضا إلى مشروع طريق التنمية الذي سيربط العراق بأوروبا عبر تركيا.
ويلفت متابعون للشأن العراقي إلى أنّ انخراط العراق إلى جانب تركيا في حسم ملف حزب العمّال لن يخلو من عراقيل على رأسها التحالف القائم بين الحزب وبعض القوى العراقية ذات النفوذ الكبير في الدولة.
ويذكّر هؤلاء بأنّ ميليشيات شيعية كانت قد منعت تنفيذ اتّفاق سابق يقضي بإخراج مقاتلي الحزب من منطقة سنجار بشمال غرب العراق وتسليم الملف الأمني هناك بالكامل للقوات النظامية.
لكنّهم لا ينفون في المقابل إمكانية توصّل حكومة السوداني إلى حلّ بالاستناد إلى كون بعض الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة المتحالفة مع حزب العمّال ممثلة ضمن الحكومة ومعنية بإنجاحها لما لها من مصالح سياسية ومادية في ذلك.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد زار العراق في أبريل الماضي حيث رعى مع السوداني توقيع بلاده والعراق وقطر والإمارات مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع طريق التنمية.
وتحدث رئيس وزراء العراق مؤخرا عن أهمية المشروع معتبرا أنّه يمثّل استعادة لدور بلاده على مرّ العصور كممر تجاري مناسب وسهل.
وقال في تصريحات صحفية أدلى بها الأسبوع الماضي إن المشروع يعني وفقا لمعادلات السوق الحالية وحركة التجارة الدولية، ربطا بين الشرق وأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية، موضحا أن “المنطقة تشهد صراعات وتوترات تتراجع حينا وتتأجج حينا آخر، وهذا يدفعنا إلى ضرورة تركيز الجهود على مشاريع التشابك في المصالح والتداخل في المنفعة”.
وغير بعيد عن هذا المنظور العراقي الذي يعلّق آمالا كبيرة على مشروع طريق التنمية، قال العلوي إنّ المشروع ستكون له إسهامات ليس في اقتصاد العراق فقط بل في بلدان المنطقة.
ووصف المشروع بالعملاق، مبينا أنه يمكن للشركات والمؤسسات التركية الاستفادة منه، قائلا إنّه من أجل الاستفادة الكاملة من مشروع طريق التنمية، وخاصة بالنسبة إلى العراق وتركيا “نحتاج إلى العمل معا ليس فقط لإنشاء البنية التحتية، ولكن أيضا لخلق البيئة المناسبة على المستوى الإقليمي”.
وفي ربط واضح بين الاقتصاد والأمن أكّد العلوي اهتمام بلاده بالعمل مع جيرانها من أجل الاستقرار الإقليمي، قائلا “هذه هي خلفية رؤيتنا للعمل معا لإنهاء الصراعات والحروب في المنطقة، إذ أنه دون السلام لا يمكننا تحقيق التكامل الاقتصادي”.
وكشف عن الخطوط العريضة لخطّة العراق في التعاطي مع ملف حزب العمال الكردستاني. وعلّق على تصريحات سابقة لمتحدث الحكومة العراقية باسم العوادي بشأن “منح صفة لاجئ تحت رقابة الأمم المتحدة” لعناصر الحزب الذي أصبح مصنّفا كتنظيم محظور من قبل مجلس الأمن القومي العراقي.
وذكّر بأنّ سلطات العراق سبق أن عملت مع إيران والأمم المتحدة من أجل إخراج مقاتلي تنظيم مجاهدي خلق الذين ظلوا لاجئين منذ عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، إلى أنّ تمّ بدءا من مطلع سنة 2012 إخلاء معسكر أشرف الذي كانوا يتخذونه مقرّا لهم ولعوائلهم في محافظة ديالى شرقي بغداد.
وتمّ منذ ذلك الحين تسهيل سفر عناصر التنظيم إلى عدد من البلدان الأوروبية حيث استقرّوا هناك.
وقال العلوي “انظروا كيف تعاملنا مع تواجد مجاهدي خلق في البلاد”، ووصف ذلك التعامل بأنّه “كان نموذجا جيدا وقصة نجاح”.
وأضاف موضّحا “عملنا مع إيران والأمم المتحدة وقمنا في نهاية المطاف بتقييد أنشطة مجاهدي خلق، واختار العديد من عناصره الذهاب إلى أوروبا كلاجئين”.
وتطرق أيضا للتفاهمات الأخيرة التي عقدتها بغداد مع طهران مؤخّرا بشأن نزع سلاح الجماعات المناهضة لإيران والمنتشرة في إقليم كردستان العراق، لكنه استدرك معترفا بأن نزع سلاح تلك الجماعات أسهل من نزع سلاح حزب العمّال.
وجدّد العلوي اعتبار وجود الحزب على أرض العراق غيرَ قانوني وأنشطه هناك غير مشروعة، لكنّه أكّد على عدم وجود نموذج ثابت في العاطي معه، مستبعدا إمكانية حل المشكلة بإجراءات أحادية.
انخراط العراق إلى جانب تركيا في حسم ملف حزب العمّال لن يخلو من عراقيل على رأسها التحالف القائم بين الحزب وبعض القوى العراقية ذات النفوذ الكبير في الدولة
وشدد على ضرورة تطوير العراق وتركيا لإستراتيجية مشتركة بخصوص حزب العمال الكردستاني، مبديا تفهّم الحكومة العراقية لقلق تركيا من موضوع الحزب واستعداد بلاده للتعاون معها لحل المشكلة. واستدرك بالقول “في الوقت نفسه لا نريد من تركيا أن تتحرك من جانب واحد، ومن المهم أن تتفهم الحكومتان العراقية والتركية مخاوف كل منهما وأن تعملا معا بدلا من التصرف بشكل أحادي.
وكشف عن تواصل المباحثات حاليا بشأن حل مشكلة حزب العمال الكردستاني معتبرا ذلك “مهمّا ليس فقط للأمن القومي للبلدين، ولكن أيضا لمشاريع مثل طريق التنمية”.
وأظهرت تركيا خلال السنوات الأخيرة إصرارا استثنائيا على حسم المعركة ضدّ حزب العمال وصعّدت من حربها ضدّه داخل الأراضي العراقية حيث أقامت عددا كبيرا من القواعد العسكرية الثابتة هناك.
وحددّ الرئيس أردوغان الصيف الجاري موعدا لاستكمال المهمّة، ولا يُستبعد أن يكون مستندا في ذلك إلى ما لمسه من استعداد عراقي للتعاون مع بلاده في حسم الملف.