حجم الخراب يصدم الغزيّين العائدين إلى جباليا

التدمير طال المئات من المنازل والمباني في المخيم بما في ذلك مراكز الإيواء والمراكز الطبية والتموينية التابعة للأونروا.
الأحد 2024/06/02
لم يبق شيء غير الذكريات

جباليا (الأراضي الفلسطينية) - في شوارع جباليا التي أصبح من الصعب معرفتها، يعود سكان نزحوا بسبب الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس إلى وسط أنقاض هذا المخيم الواقع في شمال قطاع غزة، "مصدومين" لرؤية مكان "أزيل من الخريطة".

ويقول محمد النجار (33 عاما) من مخيم جباليا “فوجئت بحجم الدمار الحاصل بالعدوان الأخير على مخيم جباليا. لا معالم للدور. كلها متداخلة وعبارة عن ركام. لا يوجد شوارع (..) كأن زلزالا حصل، كله انتقام من الناس". ويضيف "لا مقومات حياة في جباليا، لا مياه ولا طرق ولا خدمات، حتى المستشفيات تم تخريبها وتدمير مولداتها التي تعمل عليها في كمال عدوان".

وفي الأسابيع الأخيرة، نفّذ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف كثيفة على هذه المنطقة من قطاع غزة. وفي الأيام الأخيرة تدفق عدد كبير من الفلسطينيين إلى هذا المخيم الواقع في شمال القطاع الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا مطبقا، في محاولة للعثور على منازلهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكان رجال ونساء وأطفال يسيرون وسط شارع تنتشر فيه أنقاض مبان مدمرة. بعض العائلات وضعت فُرشا وألواحا من الكرتون على عربات تجرها حمير، فيما حمل آخرون لوازمهم على أكتافهم.

لكن رغم الدمار واسع النطاق، يقول محمد النجار إن السكان "مصرّون" على العودة إلى ديارهم. ويوضح "لدى الناس إصرار على العودة إلى دورهم وإقامة خيام وعرائش فوق الركام وإعادة الحياة إلى جباليا. هناك خوف من عودة الاحتلال مرة ثانية وثالثة، لكن سنبقى في أرضنا ولن نغادرها". والشهر الماضي، قال الجيش الإسرائيلي إن القتال في جباليا "ربما هو الأعنف" منذ بدء الحرب.

وعثر على جثث سبعة رهائن في المنطقة في مايو. وتجدد القتال عندما سيطر الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر. والجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي أن جنوده “أنهوا مهمتهم” في شرق جباليا. من جهته، يؤكّد محمد النجار أنه ما زال يسمع أصوات طلقات نارية ونيران المدفعية في الشرق قائلا “نسمع في كل وقت قصفا مدفعيا ورصاصا يطلق من شرق جباليا، الناس سيظلون في المخيم".

بدوره، يقول محمود عسلية (50 عاما) من جباليا “لم أر حجم الدمار الموجود في جباليا من قبل، فهو دمار ونسف منازل بالكامل في مربعات سكنية. في منطقة جباليا، كل بيت إما أحرق وإما قصف بالمدفعية والدبابات وصواريخ الطائرات أو نسف. ليس هناك بيت إلا وتعرض لقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي". ويضيف "عدنا إلى البيت فرأيناه هيكلا من أعمدة إسمنت مهشمة ومدمرة (..) رغم كل هذا سنبقى في جباليا". ويتابع "المعارك بين المقاومة والجيش كانت عنيفة والجيش تعرض للأذى وهذا ما دفعه للانتقام من البيوت والناس العزّل. لن نغادر جباليا مهما فعل الاحتلال الإسرائيلي".

◙ السكان لديهم إصرار على العودة إلى دورهم وإقامة خيام فوق الركام وإعادة الحياة إلى جباليا رغم الخوف من عودة الاحتلال

من جهتها، تقول سعاد أبوصلاح (47 عاما) من مخيم جباليا “تعبنا من نزوح إلى نزوح. الحرب دمرت حياتنا وحياة أطفالنا. يكفي قصفا وضربا وموتا (…) جباليا تم محوها من الخريطة". وتضيف "نريد أن نعيش مثل الناس في العالم. نحتاج إلى حل ووقف الحرب والعيش بسلام”.

ومخيم جباليا من أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في غزة، يقع شمالي القطاع بالقرب من بلدة تحمل ذات الاسم. وفي أعقاب حرب 1948، استقر اللاجئون في المخيم، ومعظمهم فروا من القرى الواقعة جنوبي فلسطين، التي احتلتها العصابات الصهيونية آنذاك. وقبل العملية الإسرائيلية على المخيم، كان عدد سكانه يُقدر بأكثر من 116 ألف لاجئ مسجل، حيث عاشوا على مساحة تبلغ فقط 1.4 كيلومتر مربع، وفق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

كما كان يوجد في المخيم، قبل العملية، العديد من المنشآت التابعة للأونروا، منها 16 مبنى مدرسيا، ومركز لتوزيع الأغذية، و3 مراكز صحية، ومكاتب للإغاثة والتنمية، وآبار مياه. لكن كل ذلك بات “أثرا بعد عين”، جراء العملية العسكرية الإسرائيلية. فحجم الدمار الهائل الذي ضرب مخيم جباليا رصدته منظمات دولية إغاثية وحقوقية ومؤسسات محلية، في بيانات منفصلة الجمعة.

إذ قالت الأونروا إنها تلقت تقارير “مروعة” عن تدمير وجرف قوات إسرائيلية لمكاتبها في مخيم جباليا. وأضافت أن “نازحين، بينهم أطفال كانوا يحتمون بمدارسنا في جباليا، قتلوا وجرحوا على يد الجيش الإسرائيلي”. ولفتت الأونروا إلى أن “الجيش الإسرائيلي أضرم النار في خيام أشخاص لجؤوا إلى مدارسنا”. وأوضحت أن “أكثر من 170 مبنى للأونروا في جميع أنحاء غزة تعرض لأضرار أو للتدمير” منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023.

ودعت الوكالة إلى “وقف الهجمات ضد مكاتبها، وحثت العالم على “التحرك لمحاسبة الجناة”. وقال “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” إن “الجيش الإسرائيلي تعمد على مدار 3 أسابيع من عمليته العسكرية في جباليا الإمعان في جريمة التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين عبر تدمير شامل لمقومات الحياة والسكن والنجاة المتبقية في المخيم”.

وأضاف المرصد “إلى جانب جرائم استهداف المدنيين والقتل العمد والاعتقالات التعسفية، خلفت العملية العسكرية الإسرائيلية تدميرا هائلا تسبب في محو مربعات سكنية بأكملها". ولفت إلى أن التدمير “طال المئات من المنازل والمباني في المخيم، بما في ذلك مراكز الإيواء والمراكز الطبية والتموينية التابعة للأونروا، وآبار المياه التي كانت الأونروا تشرف على تشغيلها لتزويد السكان بالمياه". أما المكتب الإعلامي الحكومي بغزة فقال إن الجيش الإسرائيلي استخدم خلال اجتياحه لمخيم جباليا والمناطق المحيطة به سياسة “الأرض المحروقة”، و”دمر مربعات سكنية كاملة؛ ما تسبب في تهجير 200 ألف فلسطيني”.

3