الإمارات قوة استثمارية ودبلوماسية صاعدة في أفريقيا

لندن - بدأ الدور الاقتصادي الإماراتي المتزايد في أفريقيا يلفت الأنظار، خاصة عقب تراجع بعض الدول عن زيادة استثماراتها مثل الصين وانسحاب أخرى تحت وقع التطورات الأمنية والتغيرات السياسية مثلما حصل مع فرنسا في منطقة الساحل والصحراء وأفريقيا الوسطى، وانكفاء الدور الأميركي في النيجر وتشاد.
وتحظى الإمارات باهتمام كبير في أفريقيا لعدة اعتبارات، لعلّ أبرزها أنها تستثمر أرقاما كبيرة في المشاريع المشتركة، وهو ما يكسبها مصداقية ليس فقط لدى الحكومات وإنما أيضا لدى شعوب القارة التي ملّت العلاقة مع بعض دول الغرب التي تبدي اهتماما أمنيا وعسكريا وتهمش البعد الاقتصادي والاستثماري الذي يخدم الناس ويحسّن مستوى عيشهم.
ويعبّد الوجودُ الاستثماري والتجاري القوي الطريقَ أمام الإمارات للعب دور دبلوماسي يكمن أساسا في المساعدة على وقف التوترات، مثل المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا التي منحت منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الإستراتيجية فرصة الحد من النزاعات الحدودية.
وفتحت العلاقات الوثيقة بين الإمارات وبعض الدول الأفريقية الباب أمامها لحضور القمة الاستثنائية الثانية والأربعين لقادة دول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) لبحث التوتر بين الصومال وإثيوبيا وكذلك جهود حل الصراع في السودان.
وكشف تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز نشاطا إماراتيا متزايدا في القارة الأفريقية، مشيرا إلى أن النفوذ الصيني تراجع إلى المرتبة الثانية في القارة السمراء لصالح الإمارات. ونقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي قوله إن “إجمالي الاستثمارات في أفريقيا يصل إلى 110 مليارات دولار”، وهو ما يعكس “التزام الدولة بتعزيز التنمية المستدامة والنمو في جميع أنحاء القارة”.
◙ الوجود الاستثماري القوي يعبّد الطريق أمام الإمارات للعب دور دبلوماسي يكمن أساسا في المساعدة على وقف التوترات
ويكمن سر الاهتمام الأفريقي بالإمارات والسعي لاستقطاب استثماراتها في السمعة الجيدة التي اكتسبتها في تجربة استثمارها الأولى بإثيوبيا، وجدية الوعود التي تعلن عنها، وضخها الأموال اللازمة لتنفيذ المشاريع، وهو ما لا يحصل عادة مع دول أخرى تعلن عن توقيع الاتفاقيات ثم تتراجع عند التنفيذ، أو تضخ جزءا ضئيلا من التكاليف المتفق عليها. كما تقوم الشراكة مع أفريقيا وفق المنظور الإماراتي على تبادل المنافع والمصالح.
ويقول المسؤول الإماراتي لفايننشال تايمز إن انخراط بلاده في أفريقيا، بدءًا من التجارة ووصولا إلى الأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب، كان سعيًا إلى "تعزيز مستقبل مزدهر قائم على المنفعة المتبادلة”. وجلبت الفاعلية والسرعة في الإيفاء بالتعهدات تحمّس دول أخرى للتعامل مع الإمارات في مجالات مختلفة. ووقعت أبوظبي العشرات من اتفاقيات الاستثمار منذ عام 2019 مع دول مثل زامبيا وزيمبابوي والكونغو الديمقراطية وكينيا وإثيوبيا.
وتعهدت الإمارات بضخ 52.8 مليار دولار من الاستثمارات في 2022، عندما تصدرت لأول مرة تصنيفات رؤوس الأموال المباشرة، وهو ما يتجاوز مساهمات بكين بمقدار عشرين مرة ومساهمات الولايات المتحدة بسبع مرات، وفقا لبيانات أف.دي.آي ماركتس.
وانخفض هذا الرقم إلى 44.5 مليار دولار في عام 2023، أي ما يقرب من ضعف نظيره في الصين، التي جاءت في المرتبة الثانية. وتتركز هذه الاستثمارات بشكل رئيسي في الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والعقارات والزراعة.
ويقول كين أوبالو، الأستاذ المشارك في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالدور الإماراتي في أفريقيا، إن الإمارات العربية المتحدة الآن “تقترب من بكين”. ويضيف أن الإمارات كانت دائمًا من بين أكبر أربعة مستثمرين في القارة خلال العقد الماضي.
◙ الشراكة مع أفريقيا وفق المنظور الإماراتي تقوم على تبادل المصالح وهو ما يؤكد تحمّس دول أخرى للتعامل معها
وكشفت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أديس أبابا في أغسطس الماضي عن إستراتيجية شاملة للعلاقة بين الإمارات وإثيوبيا، وهو ما عبّرت عنه الاتفاقيات التي تم التوصل إليها وشملت مختلف المجالات.
تأتي الزيارة إلى إثيوبيا ضمن مقاربة إماراتية تراهن على بناء علاقات إستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الكبرى عالميا، والتي لها تأثيرها على أمن الشرق الأوسط وخاصة أمن الخليج.
وقال الشيخ محمد بن زايد خلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن إثيوبيا تحظى بأهمية خاصة لدى دولة الإمارات في إطار توجهها الإستراتيجي لتعزيز العلاقات مع أفريقيا، لاسيما في المجالات التنموية، خاصة أنها تستضيف مقر منظمة الوحدة الأفريقية، ولها ثقل كبير في القارة. كما أن لها دورا مهما وأساسيا في معادلة الأمن الإقليمي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
وكانت إثيوبيا قد أعلنت في 2018 عن التزام الإمارات بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، من بينها مليار دولار كوديعة في البنك المركزي، ومليارا دولار كاستثمارات مباشرة تتركز في مجال الزراعة.
وتبنت شركات إماراتية مشاريع في أفريقيا تجنبها المزيد من المستثمرين الذين لا يريدون المخاطرة. ويقول حمد بوعميم، رئيس مركز دبي للسلع المتعددة، إن “أفريقيا لديها الكثير لتقدمه فيما يتعلق بالسلع والمعادن”، على الرغم من “التحديات عندما يتعلق الأمر بالسياسات والسياسة”.
وتقول آنا جاكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية، “إن ما يدفع هذا الأمر بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالطبع بالنسبة إلى دول الخليج الأخرى أيضًا، هو التحول في مجال الطاقة والدفع القوي نحو التنويع الاقتصادي؛ إن أفريقيا هي في الواقع سوق ضخمة غير مستغلة للمعادن والزراعة”.