الانتخابات المحلية للأكراد في شمال شرق سوريا تقلق تركيا

تتكثف الضغوط على الإدارة الذاتية الكردية للتراجع عن إجراء الانتخابات المحلية، وبعد أن أبدت تركيا معارضتها الشديدة للاستحقاق، أعلنت الولايات المتحدة عن تحفظات لديها مشيرة إلى أنه لا بد من استيفاء جملة من الشروط قبل المضي قدما في العملية.
الحسكة (سوريا) - تثير الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها الشهر الجاري في إقليم شمال شرق سوريا غضب تركيا التي تعتبر أن الخطوة تندرج في سياق مخطط للانفصال عن سوريا وتأسيس “دويلة” على حدودها الجنوبية، رغم تأكيد القائمين على الإدارة الذاتية الكردية أنه لا نوايا لديهم للانفصال، وأن تحركاتهم تستهدف التمهيد لنظام لامركزي في البلاد.
وتستعد الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي، والذي تتهمه أنقرة بأنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، لإجراء انتخابات بلدية في الحادي عشر من يونيو الجاري، وفي موقف لافت أعلنت الولايات المتحدة عن تحفظها على الاستحقاق فيما بدا محاولة من قبلها لاستيعاب الغضب التركي.
وهاجمت وزارة الدفاع التركية الاستحقاق الانتخابي في المنطقة ذات الغالبية الكردية، وقال مستشار وزارة الدفاع التركية زكي أكتورك إن الإدارة الذاتية تحاول إضفاء الشرعية على نفسها بدعم أطراف أخرى.
وشدد أكتورك، خلال مؤتمر صحفي في إزمير، على أن تلك الانتخابات غير مقبولة، وتابع أن “المنظمة الإرهابية تحاول تبرير نفسها بشجاعة ودعم أطراف ثالثة، إن ما يسمى بالانتخابات هو وضع غير مقبول لوحدة الأرض السورية، ومن المحتمل أن يكون لذلك تأثير سلبي على الاستقرار والسلام في المنطقة”.
وقبل ذلك بيوم كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شدد على أن بلاده لن تسمح أبدا “للتنظيم الانفصالي بإنشاء دويلة إرهابية في الجانب الآخر من حدودنا الجنوبية شمالي سوريا والعراق”.
ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن أردوغان قوله “نتابع عن كثب الأعمال العدوانية التي تقوم بها المنظمة الإرهابية ضد سلامة أراضي بلدنا وسوريا بحجة الاستفتاء”.
وأكد أردوغان، خلال مشاركته في مناورات “إفس 2024”، أن تركيا لا تستمع لأحد ولا تخضع لأي تهديد عندما يتعلق الأمر بوحدة أراضيها وأمان شعبها.
ويرى مراقبون أن ردود الفعل التركية لن تؤثر على موقف الإدارة الذاتية وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية في المضي قدما في إجراء الاستحقاق الذي جاء عقب تعديلات هيكلية على المنظومة السياسية والإدارية ترجمها ما يسمى العقد الاجتماعي.
ويشير المراقبون إلى أن النقطة التي قد تثير مخاوف لدى الإدارة الذاتية هي الموقف الأميركي الذي أبدى تحفظات على إجراء الاستحقاق، وربطه بتحقيق جملة من الشروط لم يوضحها، لكن من المرجح أن تكون في ارتباط بإنهاء الانقسام بين القوى السياسية الكردية.
وتكثف واشنطن هذه الأيام تحركاتها لإقناع الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي باستئناف الحوار بينهما الذي جمد منذ العام 2020، على أمل التوصل إلى أرضية تسمح بتقاسم إدارة المنطقة، وتزيل بعض الهواجس التركية.
ويشكك المراقبون في إمكانية نجاح التحركات الأميركية لأسباب مختلفة، وأهمها العامل الأيديولوجي، فضلا عن أن تقارب أحزاب المجلس الوطني مع تركيا يضعف فرص التوصل إلى توافق. وقالت وزارة الخارجية الأميركية الخميس إنه لا توجد بيئة انتخابية نزيهة وحرة وشفافة فيما يتعلق بالانتخابات المحلية.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، في مؤتمر صحفي، أن أي انتخابات ستجرى في سوريا لا يمكن إجراؤها بطريقة صحية إلا بعد استيفاء شروط معينة، وأنه ينبغي تهيئة ظروف الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة في البلاد.
ردود الفعل التركية لن تؤثر على موقف الإدارة الذاتية وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية في المضي قدما في إجراء الاستحقاق الذي جاء عقب تعديلات هيكلية على المنظومة السياسية والإدارية ترجمها ما يسمى العقد الاجتماعي
وشدد باتيل على أن “أي انتخابات ستجرى في سوريا يجب أن تكون شاملة، كما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي 2254”. وأضاف “لا نعتقد أن هذه الشروط متوافرة حاليا فيما يتعلق بالانتخابات المقرر إجراؤها في شمال شرق سوريا، وقد نقلنا هذا الرأي إلى الجهات الفاعلة في هذه المنطقة”.
ويعتقد كثيرون أن الموقف الأميركي المستجد هو محاولة للضغط على الاتحاد الديمقراطي والمظلة السياسية التي ينتمي إليها، أي تحالف الوحدة الوطنية، للعودة إلى طاولة المفاوضات مع المجلس الوطني ومنحه فرصة المشاركة في الاستحقاق.
ويشير المراقبون أيضا إلى أن واشنطن لا تريد أن تظهر في ثوب المبارك لخطوات قد ترى تركيا أنها استفزازية، مع أن الخطوات التي أقدمت عليها الإدارة الذاتية حتى الآن تندرج في سياق مسار قد يكون المدخل الأنسب لإيجاد تسوية نهائية للأزمة السورية المندلعة منذ العام 2011، والتي لم تجد بعد طريقها إلى الحل.
ويقول المراقبون إنه لا يعرف بعد ما يمكن أن يكون موقف الإدارة الذاتية من تصريحات واشنطن، لكن الثابت أن الأكراد سيمضون قدما في الاستحقاق الانتخابي، إلا إذا كانت الولايات المتحدة ستمارس عليهم ضغوطا فعلية تجبرهم على التأجيل.
وأعلن أكثر من خمس وعشرين حزبا وتنظيما نسائيا عن نية المشاركة في الاستحقاق، فيما يقاطعه المجلس الوطني الكردي المنضوي ضمن مظلة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، المدعوم من تركيا.
ووفق المفوضية العليا للانتخابات التابعة للإدارة الذاتية، فإن الانتخابات ستجرى في سبعة كانتونات ومناطق تابعة للإدارة الذاتية، هي الشهباء وعفرين ومنبج والفرات والطبقة والرقة ودير الزور.
وسيجري في الاستحقاق انتخاب رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية على مستوى 121 مركزا، وفي الإدارة الذاتية. ويحق لثلاثة ملايين شخص التصويت، كما يمكن للاجئين الذين عاشوا في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية لأكثر من خمس سنوات أن يشاركوا في الاستحقاق الانتخابي.