العصفورة

من حسنات المصادفات أن تختار عصفورة جميلة شرفة منزلنا لتجعلها وطنها الأم، وشجرةً صغيرة مركونة في الشرفة لتجعلها منزلَها ومأمنَ أفراخها.
كنا نراقبها صباح كل يوم، ومساءه. تغيب ثم تعود وفي فمها قشة جديدة تكمل بها بناء عشها الأمين.
ثم حدثت الولادة، فخرجت من بيضتين من بيضاتها عصفورتان جميلتان. فأصبحت لا تغيب لتعود بقشة، ولكن بغذاء لطفلتيها العزيزتين.
ولأنها حريصة جدا على أمنها وأمن صغيرتيها فقد كانت، كلما خرج أحدنا مضطرا إلى الشرفة لغرض من الأغراض، تهرب إلى شجرة قريبة في الحديقة الخلفية، وتبقى تراقبنا، ولا تعود إلا بعد خروجنا، ولكن في النهار.
أما عندما يحل الظلام فكان علينا أن نحرم أنفسنا من الخروج إلى الشرفة. ففي الظلام يصعب عليها العثور على الغصن المناسب من الشجرة المقابلة في الحديقة لتراقبنا لكي تعود إلى صغيرتيها بعد مغادرتنا.
تألمنا مرة حين فتحنا باب الشرفة ليلا فهربت ولم تعد حتى صباح اليوم التالي.
والغريب العجيب أن اليوم الذي تمكنت فيه العصفورتان الصغيرتان من الطيران غادرتا شرفتنا، ولم نعد نراهما، ولم نعد نرى والدتهما التي تعبت في تأثيث منزلهما، وإطعامهما، والسهر عليهما، والدفاع عن أمنهما، زمنا ليس بالقصير.
سألت نفسي: إذا كنا، نحن، نخاف إلى هذا الحد، إزعاجَ عصفورة لا نعرفها، ولم نكن من أقاربها أو أصدقائها، فكيف يجد إنسانٌ جرأةً فيحمل سكينا، أو يركب دراجة بخارية ويخفي كاتم صوت في عبه، فيغتال إنسانا آخر قد يكون من أهله، أو من جيرانه أو معارفه الآمنين؟
مؤكد أنه تمكن، بجدارة، من الخروج من صنف بني آدم، وانتمى إلى وحوش الغابة التي تأكل لحم أبنائها، والعياذ بالله.