مجلس عسكري في السويداء: مقدمة لعسكرة انتفاضة الدروز أم أجندة تستهدف الحراك

تنشغل الفعاليات الأهلية والسياسية في السويداء هذه الأيام بخبر تشكيل مجلس عسكري في المحافظة، وسط شكوك كبيرة تحاط به لاسيما مع عدم إعلان أي فصيل وازن في المنطقة عن انضمامه إليه، كما أنه لم يصدر أي موقف رسمي من شيخ الطائفة الدرزية حكمت الهجري بشأنه.
السويداء (سوريا) - أثار الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري في السويداء عدة تساؤلات حول الهدف من الخطوة: هل هي مقدمة لعسكرة انتفاضة الطائفة الدرزية، أم أن فكرة إنشاء مثل هذا الهيكل تستهدف ضرب الحراك الشعبي الذي تشهده المحافظة الواقعة جنوب سوريا منذ أشهر، والذي لطالما شدد القائمون عليه والمشاركون فيه على طابعه السلمي. وأُعلن قبل أيام عن تشكيل “مجلس القوى العسكرية في السويداء”، لتوحيد الفصائل المسلحة المحلية، وزعم ممثلو المجلس أنه يحظى بمباركة من الزعيم الروحي للدروز في السويداء الشيخ حكمت الهجري، وأنه أمر شخصيا بتشكيله.
وجاء في بيان للمجلس تداولته مواقع سورية أنه “نظرا لضرورات المرحلة الدقيقة التي تمر بها السويداء والطائفة المعروفية بشكل خاص والتهديدات والأخطار الأمنية والعسكرية والوجودية فإن بناء أسس التنظيم العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي حاجة لا تحتمل التأخير في ظل التداعيات والتحديات الحالية ولأجل صون أمن أهلنا وحفظ مستقبل شبابنا ودرء خطر التهجير وغيره الكثير”.
وقال البيان “نطلق النواة الأولى على طريق تنظيم جهودنا العسكرية بتجميع الجهود بين مجموعة من الفصائل الأهلية والمحلية المدافعة عن كرامة الطائفة المعروفية والمكونات السورية الممتدة على جغرافيا الأرض السورية ضمن نطاق السيطرة والنفوذ التي نستطيع”.
وقال البيان إن التشكيل يضم مجموعات من القرى والبلدات والمدن في المحافظة: وهي حزم، والحقف، والبثينة، والجنينة، والكسيب، وبوسان، وسالة، والحريسة، والهويا، وملح، وصلخد، وعرمان مفتاح الحرايب، والمشقوق القريا، وأم الرمان، والمجيمر، والمزرعة، والدور، وسميع، والثعلة امتان، والسويداء. وأوضح أن مجلس القوى العسكرية في السويداء جزء من نسيج وطني سيكون المدافع عن قيم الحرية والكرامة والوطنية ضد سلطة الاستبداد والانفتاح على كل القوى الأهلية والمحلية للتشبيك وتوحيد الجهود في المحافظة والدفاع عنها ضد أي خطر يهدد سلامة وأمن أهاليها.
وتقول أوساط سياسية إن الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري أمر يدعو إلى الريبة، خاصة أنه لم يعلن أي فصيل مسلح عن انضمامه إليه، كما أنه لم يصدر أي موقف رسمي حتى الآن من الزعيم الروحي للطائفة بتبني التشكيل، مشيرة إلى أن مصادر مقربة من الشيخ الهجري نفت أن تكون له صلة به من قريب أو من بعيد.
وكان الشيخ حكمت الهجري جدد في آخر إطلالة له الاثنين الماضي تمسكه بالطابع السلمي للحراك، وأثنى على تمسك المحتجين بوحدة سوريا وإصرارهم على التماهي مع باقي المكونات السورية، مشبهاً السوريين بالجسد الواحد، وبأنهم ملتحمون في السراء والضراء لما فيه خير البلاد.
◙ لم يصدر أي موقف رسمي حتى الآن من الزعيم الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري بتبني تشكيل المجلس العسكري
وأشار شيخ الطائفة الدرزية، أمام جمع من النشطاء، إلى أنه لا تراجع عن موقف السويداء، الذي وصفه بـ”العظيم”، لافتاً إلى أن على إدارة الدولة الحالية أن تفهم أنها “غير شرعية على الأراضي السورية”، كما أكد موقف المحافظة الرافض لكلَّ أشكال الانفصال، والممتد منذ سنوات وعقود كثيرة، ورفضها الانجرار إلى أي شيء يقوض سلمية الحراك، مشيرا إلى أن رواد ساحة الكرامة ملتزمون به منذ اللحظة الأولى لانطلاقته حتى الآن.
ولم يتطرق الشيخ الهجري إلى التشكيل المزعوم، فيما توالت بيانات من المجموعات الأهلية في البلدات الواقعة في المحافظة السورية، نافية أن يكون لها أي ارتباط بالمجلس. وأعلنت الفعاليات الأهلية في قرية الجنينة، في بيان نشره موقع “السويداء 24”، عدم وجود أي صلة لها بالمجلس، كما نفى فهد البلعوس، الابن الأكبر للشيخ الراحل وحيد البلعوس، والذي يقطن بلدة المزرعة، أي ارتباط بالتنظيم المزعوم.
وقال البلعوس لموقع “عنب بلدي” إن “مضافة الكرامة (يقودها ليث البلعوس شقيق فهد) مع توحيد الجهود والتنظيم، لكن شرط أن يكون هذا التنظيم مدروسًا ولا يملك خلفيات ونوايا سيئة، ولا يضم أيضًا شخصيات تضر بمصلحة أبناء المحافظة تنعكس عليهم سلبًا وتصب في مصلحة النظام”. وأضاف “التمسنا نوايا سيئة من إنشاء المجلس العسكري، إذ أعلن عنه عبر فيسبوك، وخرجت صفحة باسم مجلس القوى العسكرية في السويداء بشكل مفاجئ، دون معلومات عن الجهات التي تقف خلفها”.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون النظام السوري وراء الترويج لتشكيل المجلس العسكري، في محاولة لتشويه الحراك، والتمهيد لاستخدام الأيدي الخشنة في التعاطي مع المتظاهرين. وربط الباحث السوري جمال الشوفي “المجلس العسكري” بإعادة نشاط ما يعرف باسم “المقاومة الشعبية في السويداء”، وهي مجموعة عسكرية صغيرة موالية للنظام السوري.
وقال الشوفي في تصريحات صحفية إن الظهور المتزامن للتشكيلين العسكريين يدلل على محاولة توجيه حراك السويداء نحو العسكرة، ويترك ظهور المجلس العسكري أمام شبهة لم تتمكن الجهات الفاعلة في المحافظة من التحقق منها.
في المقابل لا يستبعد البعض فرضية أن يكون الإعلان عن المجلس خطوة فردية من بعض النشطاء المندفعين خصوصا وأن الحراك الجاري لم يحقق الأهداف المنشودة منه. وتشهد محافظة السويداء معقل الأقلية الدرزية احتجاجات منذ نحو تسعة أشهر، تطالب بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وتدعو إلى انتقال سياسي للسلطة وفق القرار الأممي رقم 2254. وتجد دمشق صعوبة حتى الآن في اختراق الحراك، وقد دفعت مؤخرا بتعزيزات عسكرية ضخمة صوب المحافظة، على خلفية احتجاز عدد من الضباط السوريين من قبل مجموعات أهلية.