تداعيات الحرب تعجّل بموسم حصاد القمح في جنوب لبنان

دفع الخوف من ضياع محصول القمح هذا العام في جنوب لبنان منتجيه إلى التعجيل بحصاده على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي يواجهونها من أجل توفير المعدات، وتكبدهم مشقة التنقل إلى المزارع التي تراجعت رقعتها لكونها عرضة للقصف الإسرائيلي.
مرجعيون (لبنان)- بدأت مكائن الحصاد قبل أيام العمل دون انقطاع في حقول القمح جنوب لبنان، على غير العادة في هذا التوقيت من العام، إذ يبدأ حصاد القمح في تلك المنطقة عادة مطلع يونيو، ويمتد نحو شهر.
لكن المزارعين اختاروا حصد محصولهم مبكرا خوفا من احتراقه جراء القصف الإسرائيلي، وبالرغم من أن ذلك قد يعني إنتاجا أقل من القمح إلا أن “قليلا مضمونا أفضل من كثير قد يكون مصيره الضياع حرقا”، وفق ما يرى هؤلاء.
وسالم جبور من بلدة إبل السقي في قضاء مرجعيون أحد المزارعين الذين بدأوا حصاد المحصول مبكرا. وقال لوكالة الأناضول “استعجلنا الحصاد خوفا من الحرائق جراء القصف الإسرائيلي”. وانهار الوضع الأمني في الجنوب على خلفية الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله عقب اندلاع الحرب في قطاع غزة منذ مطلع أكتوبر الماضي.
ولفت جبور إلى أن 12 دونما (1.2 هكتار) من الأراضي المزروعة بالقمح يملكها في إبل السقي احترقت جراء القصف الإسرائيلي، في وقت سابق هذا الشهر. وقال “الحمد لله تم إطفاء الحريق قبل فوات الأوان”.
وعلى النحو ذاته قال شاهين رزق شاهين إن “المزارعين في قرية دبين بمرجعيون هرعوا إلى حصاد موسمهم من القمح مبكرا خوفا من احتراقه بسبب استمرار القصف الإسرائيلي على الحقول”. وأضاف شاهين، وهو من كبار المزارعين في مرجعيون، “أي شرارة تحصل بقصف أو غير قصف يمكن أن تحرق كامل الموسم”.
ووفق وزارة الزراعة اللبنانية تتجاوز مساحة الأراضي المزروعة بالقمح 300 ألف دونم، يصل حجم إنتاجها إلى 125 ألف طن، فيما تتراوح حاجة البلاد منه بين 450 و550 ألف طن سنويا. وعلى مدى سنوات شكّلت الزراعة عصب الاقتصاد للقرى الحدودية في جنوب البلاد، حيث يعمل بها 70 في المئة من السكان هناك، حسب تقديرات غير رسمية.
ويُعدّ سهلا مرجعيون والوزاني الأكثر شهرة في زراعة القمح، حيث يرفدان السوق المحلية بنحو 30 في المئة من حاجتها. ورغم ما في الحصاد المبكر للقمح من خسائر للمزارعين، فإن من يتمكن منهم من الحصاد يعتبر محظوظا بالفعل.
ومع تصاعد الاشتباكات يجد المزارعون صعوبة في الوصول إلى حقولهم لمباشرة حصاد القمح، حيث تعمد إسرائيل إلى قصف الأراضي بالفوسفور والقنابل الحارقة. ونشر المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان مؤخرا خارطة توثق الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، والخسائر الناجمة عنها، لاسيما في الزراعة.
وتظهر الخارطة، المستندة إلى صور الأقمار الاصطناعية، شن إسرائيل أكثر من 4441 اعتداء بالقنابل العادية والحارقة والفوسفورية المحظورة دوليا على جنوب لبنان، منذ الثامن من أكتوبر 2023 حتى الحادي والعشرين من أبريل الماضي.
وأدى ذلك إلى إحراق 10.6 ألف دونم من الأراضي، بينها 520 دونما من أشجار الزيتون وآلاف الدونمات من أشجار السنديان المعمرة والأشجار المثمرة، بحسب ما تبينه الخارطة.
وإضافة إلى ذلك يواجه الكثير من المزارعين صعوبات في تدبير معدات الحصاد، ويؤكد جبور أن أصحابها “متخوفون من أن يأتوا من منطقة البقاع (شرق) إلى سهل مرجعيون بسبب الوضع الأمني والقصف، وخشية استهدافهم، خاصة أن حجم الحصادات ضخم”. وأضاف “نجد صعوبة أيضا في الحصول على عمال زراعة من أجل الحصاد، فأكثرهم نزحوا ويخافون من الذهاب إلى الحقول بسبب القصف أو الاستهداف الإسرائيلي”.
300
ألف دونم مساحة الأراضي المزروعة بالقمح ويبلغ إنتاجها السنوي 125 ألف طن
وهذه الصعوبات أكدها شاهين قائلا “نواجه في مرجعيون صعوبة في استئجار آلات حصد القمح من البقاع، لأن أصحابها يخشون القدوم إلى الجنوب خوفا من قصف تلك الآلات نظرا لحجمها الكبير”.
وبنظرة تشاؤمية أوضح أن موسم القمح لديه سيذهب كما ذهبت مواسم غيره منذ الثامن من أكتوبر الماضي. وأضاف “قطفنا 10 في المئة من المحصول خلال موسم الزيتون، فيما ذهب موسم الأفوكادو والجوز دون أن نقطف منه شيئا بسبب القصف الإسرائيلي”. ويعتبر القمح من المحاصيل الزراعية الأساسية في لبنان، إذ أن زراعته تتركز بشكل أساسي في الجنوب، وخاصة في سهل مرجعيون.
ويقول مدير مكتب الإرشاد الزراعي في مرجعيون فؤاد ونسة إن القمح كان يُزرع قبل نشوب الحرب الأخيرة على مساحة تبلغ 3500 دونم في مرجعيون، أي ما يُشكل 40 في المئة من المساحة المزروعة في المنطقة. وأضاف “كان ذلك يُنتج سنويا ألف طن من القمح الصلب والطري، حيث يُسوق جزء منه محليا، ويُصدر جزء آخر، بينما يُسلم الجزء المتبقي للدولة”.
لكن ونسة أشار إلى أنه في هذا العام تمت زراعة 2500 دونم تقريبا من القمح في مرجعيون بسبب الأوضاع الأمنية على الحدود. وحذر من أن “هذه الفترة من العام تُعتبر خطرة لأن السنابل قد تحترق جراء الحر، فكيف هو الحال في ظل الوضع الأمني المتوتر؟”.
ورصد المكتب احتراق عدة أراض مزروعة بالقمح وبمزروعات أخرى جراء القصف الإسرائيلي، كما أن المزارعين عانوا صعوبات في الوصول إلى أراضيهم لإجراء عمليات الخدمة من رش وتسميد، ما يُهدد نوعية المحصول.
وقال ونسة “هناك خشية من عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لحصاد المحصول هذا العام”. لكنه ذكر للأناضول أن الجيش اللبناني يحاول مساعدة المزارعين عبر مواكبتهم والنزول معهم إلى حقولهم في بعض الأحيان، مؤكدا أن “فرق الدفاع المدني مستعدة لمكافحة الحرائق بشكل دائم”. وأشار إلى أن وزارة الزراعة تتابع تسجيل الأضرار التي يتعرض لها المزارعون وتقديم الإرشادات الفنية اللازمة لهم.