الحكومة السورية تسعى إلى تحسين صورتها الأمنية لكسب الداخل وكسر العزلة المفروضة من الخارج

أصدرت وزارة الداخلية السورية قرارات تستهدف ضبط الممارسات الأمنية عند اعتقال مشتبه بهم وعند التحقيق، جاء ذلك بعد أوامر بعدم إذاعة البحث عن أشخاص ما لم تتوفر ضدهم أدلة تثبت تورطهم في جرائم، وتندرج الخطوات في سياق توجه للحكومة السورية يستهدف الإيحاء للداخل والخارج بوجود إرادة للتغيير.
دمشق- تعمل الحكومة السورية على التسويق لمرحلة جديدة في البلاد بعد التغييرات الهيكلية التي طالت المؤسسة العسكرية، وأيضا التحويرات التي امتدت إلى حزب البعث الواجهة السياسية للحكم.
وتحاول الحكومة إشاعة أن سوريا جديدة تولد من رحم الأزمة المستمرة منذ العام 2011، وأن التغيير الجاري بسلاسة سيطال جميع القطاعات بما في ذلك القطاع الأمني، الذي تم اتخاذ قرارات بشأنه تستهدف الحد من التجاوزات التي أضرّت بشكل كبير بصورة الأجهزة الأمنية.
ويرى متابعون أن التحويرات على أكثر من صعيد هدفها تحسين صورة النظام أمام المواطنين السوريين وأيضا الترويج للمجتمع الدولي بأن هناك تحولا يمكن البناء عليه.
ويعتقد المتابعون أن التطورات الجارية ليست منفصلة على المباحثات الجارية خلف الكواليس مع القوة الغربية، وأنها قد تكون نتاج دفع من أطراف عربية لدمشق بتبنّي مسار جديد يستهدف ترميم الثقة المنهارة مع الداخل والخارج.
وأصدرت وزارة الداخلية السورية الاثنين تعميمًا لقادة الوحدات الأمنية، يقضي بالتقيد بالقوانين التي تكفل حقوق المشتبه بهم المقبوض عليهم، وإبلاغ ذويهم بمكان وجودهم لدى الجهة التي اعتقلتهم، واحترام الآجال القانونية المتعلقة بالإيقاف والتحقيق.
وتشكل تجاوزات الأجهزة الأمنية أحد الدوافع الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، وتقول منظمات حقوقية ونشطاء إن مثل هذه التجاوزات مستمرة إلى حد الآن ومنها الاعتقال دون أدلة كافية وممارسة التعذيب النفسي والجسدي بحق الموقوفين أو السجناء.
وتعيق تلك التجاوزات جهود دمشق في استعادة ثقة المواطنين السوريين، وأيضا تحول دون محاولات الرئيس بشار الأسد لإعادة تعويم نفسه دوليا.
ويعتقد مراقبون أن خطوة وزارة الداخلية تستهدف إيصال رسالة للداخل وأيضا للمجتمع الدولي بأن هناك توجها جديا من قبل دمشق، للتخفيف من القبضة الأمنية والالتزام أكثر ما نصت عليه المواثيق الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، حيث أن هذا الملف يشكل حجرة عثرة حقيقية للتواصل مع المجتمع الدولي.
ودعت الوزارة في التعميم الذي نشرته الاثنين، الوحدات الأمنية إلى التحلي بحسن استقبال المواطنين الذين يتعرضون إلى جرائم، أو اعتداءات لكونهم ضحايا. وطالبت بضرورة التعاون البناء مع الجهاز القضائي والتقيد بالمدد القانونية للتوقيف والتحقيق، وعدم اللجوء إلى تمديد التحقيق لفترات طويلة إلا في الجرائم الجنائية الخطرة.
وشدد التعميم على وجوب تجنب اللجوء إلى التعذيب الجسدي أو المعنوي (الإهانة والإكراه والتهديد والإساءة بالكلام) في أثناء التحقيق لانتزاع الاعتراف القسري، كونها تنتهك أحكام الدستور والقانون الذي يجرم جميع أشكال التعذيب. وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت في تقرير نشرته الشهر الجاري مقتل ما لا يقل عن 29 شخصًا بسبب التعذيب، واعتقال 534 مدنيًا بينهم 8 أطفال و21 سيدة، خلال الأشهر الستة الماضية.
◄ خطوة وزارة الداخلية تستهدف إيصال رسالة بأن هناك توجها جديا من قبل دمشق للتخفيف من القبضة الأمنية
وذكرت الشبكة أن القوات السورية أفرجت عن 63 شخصا فقط من أولئك المعتقلين، بينما حوّلت 471 منهم إلى حالة اختفاء قسري. أما الـ29 الذين توفوا تحت التعذيب فلم تسلم إلا جثمانا واحدا منهم لذويه.
ولفتت الشبكة إلى أن هذه التجاوزات حصلت رغم القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية قبل نحو ستة أشهر والقاضي بوقف جرائم التعذيب في سوريا. واتخذت المحكمة الدولية في 16 نوفمبر الماضي قرارا يأمر دمشق باتخاذ جميع الإجراءات التي في وسعها لمنع أعمال التعذيب وغيرها من الانتهاكات. ويستجيب ذلك القرار “الملزم قانونا” لطلب كل من هولندا وكندا باتخاذ “تدابير مؤقتة” لوقف انتهاكات دمشق المستمرة لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من المعاملات، أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية.
وأمرت المحكمة السلطات السورية “باتخاذ إجراءات فعالة لمنع إتلاف جميع الأدلة ولضمان حفظها، والمتعلقة بمزاعم ارتكاب أعمال تقع ضمن نطاق الاتفاقية”.
وشمل تعميم وزارة الداخلية السورية المطالبة بتوخي الحذر في التعامل مع المعلومات التي ترد من مخبرين وأصحاب سوابق وأشخاص مقبوض عليهم عند التحقيق معهم، والتحقق من دقتها قبل اتخاذ أيّ إجراء بشأنها، لكي لا يوضع مواطنون أبرياء في دائرة الاتهام.
كما تضمن التعميم الموقّع من وزير الداخلية محمد الرحمون متابعة وضبط شبكات تهريب المهاجرين التي تستغل حاجة المواطنين إلى السفر بشكل غير مشروع خارج القُطر، وتكثيف الدوريات، وتحديدًا في الأماكن المحتملة لعبور شحنات المخدرات في المناطق الحدودية، والمناطق التي يمكن ترويج المواد المخدرة فيها، وتعاطيها داخل سوريا.
اقرأ أيضا
وفي الخامس والعشرين من مايو الجاري، أصدرت وزارة الداخلية قرارًا بعدم إذاعة البحث عن الأشخاص ما لم تتوفر ضدهم أدلة تثبت تورطهم بالجريمة. وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، فإن الرحمون شدد على ضرورة تعزيز الدوريات وتقصي المعلومات والدقة في عمل الوحدات الشرطية، والتحري في الجرائم المرتكبة وعدم إذاعة البحث إلا عن الأشخاص الذين تتوفر ضدهم أدلة تثبت تورطهم بالجريمة، وعدم الاكتفاء بالاعتراف الموجه ضدهم دون وجود أدلة، وتجنب إصدار بلاغات مراجعة بحق أشخاص دون توفر المبررات الكافية لذلك.
وكانت العناصر الأمنية لا تتوانى عن اعتقال أشخاص لمجرد الشبهة وبلا أدلة حقيقية، وهي إحدى التحفظات التي لطالما أثارت استياء السوريين.
وتمكنت دمشق خلال العامين الماضيين من استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع معظم الدول العربية، لكن ذلك لم ينعكس بالشكل المأمول على دمشق، حيث أن الدول العربية لا تزال لديها تحفظات وهواجس تعيق دعم سوريا بشكل فعلي.
وقد أعلن الرئيس السوري مؤخرا عن وجود تواصل مع الإدارة الأميركية وأيضا مع القوى الأوروبية، لكنه اعتبر أن المباحثات الجارية لم تحقق الاختراق المنشود لكنه لم يخف أمله في إمكانية حدوث تغير مستقبلا.