حرص سعودي على حماية مسار المصالحة مع إيران في مرحلة ما بعد رئيسي

رغبة المملكة العربية السعودية في النأي بعلاقاتها مع إيران عن تغير طاقم الحكم في الجمهورية الإسلامية، مأتاها كون المملكة تنظر إلى تحسين العلاقات مع مختلف الأطراف والنأي عن الصراعات كأساس ضروري لتنفيذ مخططها التنموي بالغ الطموح والذي سيحتاج استكماله إلى قدر كبير من الهدوء لا تزال المنطقة بعيدة جدّا عن بلوغه.
الرياض- أظهرت المملكة العربية السعودية حرصا واضحا على حماية مسار مصالحتها مع إيران في مرحلة ما بعد الرئيس إبراهيم رئيسي الذي قضى مؤخّرا في حادث مروحية إلى جانب وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، وذلك بغض النظر عن طبيعة الفريق الذي سيتسلم زمام الحكم بعد رئيسي الذي شهدت فترته تحوّلا كبيرا في العلاقات بين بلاده والمملكة.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية إرنا إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل دعوة الرئيس الإيراني المؤقت محمد مخبر لزيارة طهران.
وجاء ذلك في غمرة التعاطف الكبير الذي أظهرته الرياض مع طهران إثر مقتل رئيسي، حيث أرسلت إليها وفدا بقيادة مستشار الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمير منصور بن متعب ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لتقديم التعازي والمشاركة في مراسم تشييع الرئيس الراحل.
ويبدو الحفاظ على مسار المصالحة الذي انطلق منذ أكثر من عام برعاية صينية، إلى حدّ الآن مصلحة مشتركة لكل من السعودية وإيران على الرغم من ضآلة نتائجه العملية على الأرض وخصوصا قلّة تأثيره في صراعات المنطقة، لاسيما الصراع في اليمن الذي تعتبر كل من الرياض وطهران طرفا متدخّلا فيه على اختلاف طرق التدخّل ودرجته.
ولا تضمن المملكة صعود فريق أكثر تشدّدا على رأس الجمهورية الإسلامية بعد روحاني، لكنّها تحاول أن تنأى بتقاربها مع إيران عن المتغيّرات، وذلك في إطار تطبيقها لرؤية إستراتيجية تقوم على تبريد الصراعات مع مختلف الأطراف وضمان أكبر قدر ممكن من الهدوء حولها لتهيئة أفضل الظروف لتنفيذ برنامجها التنموي شديد الطموح ضمن رؤية 2030.
وقبل إعادة علاقاتها مع الجارة اللدودة إيران كانت السعودية قد تصالحت مع قطر بعد توتر في العلاقات معها وقامت لاحقا بتجاوز الخلافات مع تركيا.
وبلغت المملكة بسياسة التهدئة الشاملة التي سلكتها حدّ التراجع عن انخراطها في الحلّ العسكري باليمن وقبولها بالجلوس إلى طاولة الحوار المباشر مع جماعة الحوثي المحسوبة كذراع لإيران في البلد، وتحوّلها إلى راعية للسلام بين الأفرقاء اليمنيين.
لكن تلك السياسة التي قطعت السعودية أشواطا في تطبيقها، قد لا تخلو من تأثير على العلاقة مع إيران، وذلك عندما يشمل خيار التهدئة إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل استجابة للجهود الكثيفة التي تبذلها الولايات المتّحدة.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي إن واشنطن والرياض اقتربتا جدا من إبرام مجموعة اتفاقيات في مجالات الطاقة النووية والتعاون الأمني والدفاعي ضمن اتفاق أوسع للتطبيع بين إسرائيل والسعودية.
وسبق لإيران أن عبّرت عن موقفها السلبي من مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في وقت سابق إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل من شأنه أن يلحق ضررا بالسلم والاستقرار في المنطقة.
وأوضح أنّ بلاده تعتبر أي خطوة تتخذ نحو الاعتراف بإسرائيل لا تصب في مصلحة فلسطين ولا في مصلحة السلام والأمن في الإقليم، معتبرا أن الولايات المتحدة تحاول تعزيز موقع إسرائيل في المنطقة منذ سنوات.
وتحرص طهران على الحفاظ على منسوب عال من العداء مع إسرائيل كونها تستفيد من ذلك في تزعم ما يعرف بمحور المقاومة والذي يضمّ بين مكوّناته عددا كبيرا من الفصائل المسلّحة الناشطة في كل من اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وهي فصائل تستخدمها طهران لتأمين نفوذها وحماية مصالحها وتنفيذ سياساتها في تلك البلدان.
وكثيرا ما كانت تدخلات إيران في عدد من بلدان الإقليم سببا رئيسيا في توتّر العلاقة بين طهران والرياض، على مدى سنوات سابقة.
ويرى متابعون لشؤون الشرق الأوسط أنّ قيام السعودية بالتطبيع مع إسرائيل جنبا إلى جنب الحفاظ على علاقات ودية مع إيران سيكون بمثابة محاولة للإمساك بطرفي معادلة صعبة، لكنّهم يقولون إنّ ذلك يتوقّف على نجاح دبلوماسية المملكة في إدارة الملفين بشكل مستقل.
وبالتوازي مع التحرّك المتأنّي على طريق تطبيع العلاقة مع تل أبيب، تتحرّك الرياض بشكل مواز على طريق الحفاظ على ما تحقّق من مصالحة مع طهران.
وإثر وفاة رئيسي وعبداللهيان أجرى الأمير محمّد بن سلمان مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني المؤقت محمد مخبر لتقديم التعازي. وقالت وكالة الأنباء السعودية إنّ الجانبين أشادا خلال المكالمة بـ”ما وصلت إليه العلاقات الثنائية بين البلدين من تطور على عدد من الأصعدة، مؤكدين أهمية مواصلة تعزيز التعاون في مختلف المجالات”.
وذكرت وكالة إرنا من جانبها أنّ مخبر جدّد خلال الاتّصال الهاتفي الدعوة لولي العهد السعودي لزيارة إيران، مشيرة إلى قبول الأمير محمّد للدعوة وتوجيهه دعوة لمخبر لزيارة السعودية.
وبشكل لافت تحوّلت وفاة رئيسي إلى مناسبة لتبادل المجاملات بين الرياض وطهران، وهو ما اتّضح من خلال طريقة استقبال كبار المسؤولين الإيرانيين للوفد السعودي الذي زار طهران لتقديم التعازي.
وعلّق أحد النشطاء على منصّة إكس على حرارة استقبال وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني لنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بالقول “كني بادر الأمير بحرارة الترحيب وهذا يشير إلى الامتنان وإلى العلاقة الجيدة بين البلدين”.
◄ تحسن العلاقات بين الرياض وطهران لا يزال قليل الأثر في أرض الواقع بسبب استمرار السياسات الإيرانية في المنطقة
وتجد إيران من جهتها مصلحة كبيرة في التهدئة مع السعودية في نطاق محاولتها تضييق دائرة أعدائها في المنطقة والعالم والتخلّص من العزلة التي تعانيها وما سببته لها العقوبات الأميركية والدولية من مصاعب مالية واقتصادية كبيرة.
ومع ذلك لا تزال مصالحتها مع السعودية شكلية إلى حدّ بعيد بسبب افتقارها إلى ترجمة فعلية على أرض الواقع وإلى تعاون فعّال ومنافع متبادلة.
وكثيرا ما يحمّل المراقبون الجانب الإيراني مسؤولية ذلك بسبب عدم استعداد طهران لتغيير سلوكها في المنطقة والقائم على التدخّل في شؤون بلدانها وعلى إيقاد الحروب وإذكاء الصراعات.
ويعتبر الملف اليمني نموذجا لتلك السلوكات، ففيما تأمل السعودية أن يكون تحسّن علاقاتها مع إيران عاملا مساعدا على إنهاء الصراع في البلد وتأمين خروج آمن للمملكة منه، لا تزال طهران تقدّم دعمها للحوثيين وتشجّعهم على مواصلة الحرب بل توسيعها من صراع ضدّ الخصوم الداخليين إلى مواجهة مع المجتمع الدولي، لاسيما مع الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة، من خلال التعرّض لخطوط الملاحة في البحر الأحمر بذريعة التضامن مع قطاع غزة ودعم حركة حماس الفلسطينية في الحرب مع إسرائيل.