قوات سوريا الديمقراطية توجه رسائل مصالحة للداخل والإقليم

تدرك الإدارة الذاتية الكردية أن نجاح مشروعها في شمال شرق سوريا يبقى رهين قدرتها على تضييق جبهة الخصوم وتوسيع حلقة الحلفاء وهو ما يفسر حرصها على مد الأيدي لجميع الأطراف المعادية لوقف التصعيد، مع العمل على تحسين علاقاتها مع المكونات التي تتعايش معها في المنطقة.
الحسكة (سوريا) - وجهت قوات سوريا الديمقراطية وهي القوة العسكرية للإدارة الذاتية الكردية في إقليم شمال شرق سوريا رسائل مصالحة للداخل والإقليم، مفندة الاتهامات التي يروجها خصومها بتبني مشروع انفصالي في المنطقة. وجاءت المواقف التي عبر عنها قائد قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ"قسد"، خلال الملتقى الثاني للعشائر السورية في الحسكة، وفي وقت تستعد فيه الإدارة الذاتية لتنظيم انتخابات بلدية هي الأولى بعد الإصلاحات التي أدخلتها على المنظومة السياسية والإدارية.
وخلال السنوات الماضية، نجحت الإدارة الذاتية في فرض سيطرتها الإدارية والعسكرية على أجزاء واسعة من شمال وشرق سوريا، وسرعت في الأشهر الأخيرة من جهودها نحو تركيز مؤسسات مستقلة عن المركز (دمشق).
ويقول مراقبون إن تحديات كبيرة تنتظر الإدارة الذاتية، ومنها موقف دمشق الرافض لأي خطوات تقوم بها، وأيضا الاستهداف التركي المتواصل حيث تعتبر أنقرة أن الإدارة الذاتية تشكل تهديدا وجوديا، ليس فقط لكونه يمهد لما تعتقده انفصال بجانبها قد يشجع أكرادها، وإنما أيضا ترى في تلك الإدارة الحاضنة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تنظيما إرهابيا.
وقال قائد "قسد" مظلوم عبدي إن "التدخلات الإقليمية هي السبب الأساسي لتعميق الأزمة السورية"، مضيفا في تصريحات نقلها موقع "نورث برس"، "يجب أن يعود أهالي سري كانيه وتل أبيض وعفرين لمدنهم مكرمين ولابد للاحتلال التركي أن ينتهي". واستدرك عبدي قائلا "نحن مع وقف التصعيد مع جميع الأطراف بمن فيهم تركيا". ودعا إلى تكاتف السوريين حيث “لا يمكن أن تعود سوريا إلى سابق عهدها ولابد من التكاتف لبناء سوريا الجديدة". وأشار إلى أنه “لا حل في سوريا دون الاعتراف بالمؤسسات التي بناها أبناء شمال شرقي سوريا سواء العسكرية أو الإدارية”.
وأجرت الإدارة الذاتية مع مطلع العام الجاري سلسلة من الإصلاحات الهيكلية، تضمنت توحيد كل مناطق سيطرتها تحت اسم “إقليم شمال شرق سوريا” وإقرار دستور له تحت عنوان “العقد الاجتماعي”. وتزامنت تلك الخطوات مع تشكيل “مفوضية عُليا للانتخابات” و”محكمة دستورية”. وكانت سبقت تلك الخطوة بناء قوة عسكرية في العام 2015، بدعم من الولايات المتحدة تقودها وحدات حماية الشعب الكردي، وتضم فصائل أصغر من المكونين العشائري والمسيحي في سوريا.
وقد شٌكلت هذه القوة وهي قسد في بادئ الأمر لمساعدة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر أنذاك على مساحات واسعة في سوريا والعراق، لكن بعد دحر التنظيم الجهادي في العام 2017، باتت قسد التي وسعت نطاق سيطرتها في الشرق السوري تمثل الذراع العسكرية لحماية الإدارة الذاتية.
وتعرضت الإدارة الذاتية العام الماضي لهزة أمنية على خلفية انتفاضة قادها عشائر المنطقة ولاسيما في دير الزور، الذين اتهموا الأكراد بالتمييز سواء كان داخل قوات سوريا الدمقراطية أو أيضا من الناحية الاجتماعية والخدمية، فضلا عن التضييق على النشطاء.
وقال عبدي خلال الملتقى إنهم “ملتزمون بالوعود التي قدموها لشيوخ ووجهاء العشائر وحالياً يتم بحثها مع المؤسسات المعنية”. وأوضح حكمت حبيب، عضو اللجنة التحضيرية للملتقى، في وقت سابق أن الهدف من الملتقى بحث مطالب للشيوخ والوجهاء والخلوج بتوصيات حيال ملفات خدمية وإدارية. ونظمت الإدارة الذاتية ملتقى لشيوخ ووجهاء قبائل وعشائر سوريا تحت شعار “حوار، أمان، بناء، من أجل سوريا موحدة لا مركزية”.
وأكد الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” محمود المسلط، في كلمة له خلال الملتقى، على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا عبر الحوار وتكاتف السوريين. وقال المسلط، إن المشروع الوطني الذي يطرحه المجلس هو المشروع الوحيد الذي يعتبر بارقة أمل لجميع السوريين، وهو مشروع يؤمن بوحدة سوريا ويلبي طموحات كافة المكونات من خلال الحوار السوري- السوري.
كما دعا إلى الانتقال الديمقراطي السلمي وبناء سوريا الجديدة الديمقراطية اللامركزية، معتبرًا العشائر صمام أمان سوريا. وفي الخامس من مايو الجاري أعلنت “قسد”، عن سلسلة لقاءات عقدها قائدها، عبدي، مع شيوخ في دير الزور، ووجهاء من قبائل عربية، ومن خلال اللقاء جرى الإعلان عن إقامة ملتقى العشائر. واعترف عبدي حينها، بارتكاب قواته لأخطاء خلال ملاحقة عناصر لتنظيم داعش.
ويرى مراقبون أن الإدارة الذاتية حريصة على تجاوز المنغصات مع أبناء العشائر في المنطقة، لأن استمرارها سيعني ترك ثغرات للخصوم في الداخل والخارج للنفاذ منها. ويشير المراقبون إلى أنه لا يمكن أن تنجح الإدارة الذاتية في تحقيق أهدافها بإقامة إقليم شبيه بكردستان العراق، وهو ما يبدو أنها تسعى إليه، ما لم تعمل على كسب ثقة باقي المكونات في المنطقة وعلى رأسهم العشائر.
ويعتقد المراقبون أن الخطوات التي اتخذتها الإدارة الذاتية خلال الأشهر الأخيرة لاسيما لجهة تركيز مؤسسات رسمية، ودستور خاص بالمنطقة هو في سياق فرض إقليم شمال شرق سوريا كأمر واقع، وقد يكون ذلك بداية لبلورة حل نهائي للأزمة السورية من خلال إنشاء نظام لا مركزي، وهي فكرة قد يتبناها المجتمع الدولي. وكشفت الإدارة الذاتية السبت أن عدد المرشحين للانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في الحادي عشر من يونيو بلغ 5336. وأعلنت الإدارة الذاتية في وقت سابق من الشهر الجاري، بدء الحملة الانتخابية لجميع المرشحين المستقلين والأحزاب والكتل السياسية، وفقاً لشروط حددتها المفوضية العليا للانتخابات.