خطط مغربية لزيادة تحفيز تدفق الاستثمارات الأجنبية

كشفت الحكومة المغربية عن إصرار كبير لزيادة تحفيز الاستثمارات الأجنبية خلال المرحلة المقبلة، لتدارك التراجع اللافت في تدفق رؤوس الأموال المباشرة إلى السوق المحلية خلال العام الماضي، بما يخدم تطلعاتها في تعزيز جاذبية مناخ الأعمال، ويدفع عجلات التنمية الاقتصادية.
الرباط - تمضي السلطات المغربية قدما في تنفيذ إجراءات الإصلاح التي تقوم بها، في إطار تحسين سياسة الاستثمار، وبرامج تحسين مناخ الأعمال، والمشاركة النوعية في المنتديات الاقتصادية العالمية، وجولات الترويج للمشاريع المزمع تطويرها.
وأكد محسن الجزولي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة أنه تم إطلاق 22 برنامجا رقميا بهدف تبسيط الإجراءات الإدارية، مع تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتنمية الاستثمارات الخاصة جهويا وقطاعيا، مما سيساهم في استمرار جاذبية رؤوس الأموال الأجنبية.
وتأتي هذه الخطوة في سياق معالجة أسباب انحسار الاستثمارات الخارجية في العام الماضي، التي أشارت إليها الإحصائيات الرسمية.
وبعد انتعاش قوي في أعقاب الأزمة الصحية، تعرض الاقتصاد المغربي لضغوط متزايدة بسبب تداخل صدمات سلاسل الإمداد وموجة جفاف شديدة وزيادة هائلة في أسعار السلع ما أدّى إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم.
وأرجع الوزير المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، حجم التراجع في نسبة الاستثمارات الخارجية بالمغرب سنة 2023 إلى توالي الأزمات العالمية، "التي نعرفها جميعا"، منها تبعات جائحة كوفيد - 19، وكذلك الحرب الروسية - الأوكرانية.
وعلاوة على ذلك، نجد الضغوط المتعلقة بالقروض، وارتفاع نسبة التضخم، وخفض جزء مهم من الاستثمارات الأجنبية المبرمجة ما بين 2020 و2021، بسبب إغلاق الحدود.
لكن ورغم التراجع الذي شمل العالم ككل بنسبة 12 في المئة، والقارة الأفريقية بنسبة 44 في المئة منها المغرب، فوضعية هذه الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحسنت مع بداية 2024.
ويقول الوزير إن الاستثمارات المتدفقة إلى السوق المحلية بلغت 9.7 مليار درهم (950 مليون دولار) في نهاية مارس الماضي، بزيادة قدرها 24 في المئة على أساس سنوي، مما يجعل الربع الأول من 2024 الأفضل في التاريخ الاقتصادي للمغرب.
وحسب معطيات مكتب الصرف، فإن سنة 2023 لم تتجاوز خلالَها قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب 10.5 مليار درهم (نحو مليار دولار) بنسبة انخفاض واضحة بلغت 53.3 في المئة على أساس سنوي.
وكان المغرب قد سجل تدفق 2.1 مليار دولار كاستثمارات بنهاية 2022، ارتفاعا من ملياري دولار تم تسجيلها في العام السابق.
وفي رصده لهذه الحالة لفت الخبير رشيد ساري إلى عدم انتظام في وتيرة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اتجاه المغرب طيلة السنوات الخمس الأخيرة، فثمة “أعوام عرفت انخفاضا حادا مقابل سنوات أخرى شهدت تدفقا متميزا وأرقاماً قياسية إيجابية".
وقال ساري لـ"العرب" إن “مناخ الأعمال من المؤشرات الحسابية، التي تكشف عن مناخ إيجابي جاذب للاستثمارات في الغالب، إلا أن المشكلة الرئيسية تتعلق بالتمويلات وتسهيلاتها، التي قد تعترض طريق المستثمر الأجنبي حينما يرغب في دخول السوق المغربية".
وتهدف رقمنة الخدمات التي تم الكشف عنها تبسيط الإجراءات المتعلقة بالاستثمار، حيث ستدرس الطلبات اللجان الموحدة للاستثمار، ما يتيح، بحسب ساري رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة من تقليص الوثائق المطلوبة بنسبة 44 في المئة.
كما تم تقليص 60 في المئة من الوثائق تتعلق بقبول المشاريع، و50 في المئة تتعلق بتعبئة العقارات، و33 في المئة تخص رخص البناء، و45 في المئة من الوثائق المطلوبة لتراخيص الاستغلال.
◙ 950 ألف دولار حجم التدفقات في الربع الأول من 2023 بتراجع 24 في المئة بمقارنة سنوية
ويعد المغرب وجهة مفضلة بالنسبة إلى الاستثمارات الخارجية، مع تركيزه على القطاعات التي تقدم فيها الدولة تحفيزات مهمة كالطاقات المتجددة، إذ تهدف الحكومة إلى زيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاد بتوفير فرص العمل وخفض عجز الحساب الجاري الخارجي.
وتعكف الحكومة على إعداد برامح ذات أولوية للنهوض بالاستثمار، ومن أهمها، تفعيل إستراتيجية لتنمية الاستثمارات الخاصة جهويا وقطاعيا، بالشراكة مع القطاعين العام والخاص، وعلى المستوى المركزي والجهوي.
وترمي السلطات من هذه الخطوة إلى تعبئة كافة الأطراف حول أهداف مشتركة تمكن من استغلال المؤهلات، التي تزخر بها مناطق البلاد، لتستفيد من تحفيزات ميثاق الاستثمار الجديد، وجعله أكثر مرونة.
واعتمدت وزارة الاستثمار مقاربة جديدة لتسهيل الأعمال، تتمثل في مسار المستثمر، لضمان كفاءة أفضل سواء تعلق الأمر بطلب الحصول على المعلومات، أو على التراخيص حسب كل قطاع، أو الحاجة إلى المواكبة المالية أو التقنية أو التحكيم أو الوساطة.
وتهدف هذه المقاربة حسب الجزولي إلى إحداث تغيير حقيقي، يحفز المستثمرين المغاربة والأجانب، من خلال الاعتماد على التجربة الحقيقية، التي يعيشها المستثمر في كل المراحل، وذلك بتنسيق مع القطاعات المعنية، وفي مقدمتها المراكز الجهوية للاستثمار.
وفي هذا الإطار، أعلنت شركة إبيردورلا الإسبانية، الرائدة عالميا في مجال الطاقة، التزامها بتعزيز انتقال الطاقة وتشجيع المشاريع الخضراء بالمغرب، ضمن شراكة مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي.
وذكرت الشركة الإسبانية، في بيان لها، أنها "تناقش مع مؤسسة التمويل الدولية للحصول على قرض لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في عدد من الدول من بينها المغرب".
واعتبر ساري أن النظام الضريبي عامل وعائق ثان، والذي نبه إلى سلبية التغيّر الدوري لمقتضيات الإجراءات الجبائية، وهو ما قد ينفّر المستثمرين.
وشدد على ضرورة إعادة النظر في ظروف مناخ الأعمال بالمغرب، خاصة في ما يتعلق بالتمويلات، وتسهيل وتبسيط أكثر للإجراءات الضريبية والجبائية، مع منح امتيازات لجذب التدفقات الاستثمارية.
وتتمثل خطة الحكومة لتحفيز الاستثمار، في إخراج وتفعيل ميثاق جديد وشفاف، محفز للأعمال، موجه لكل المستثمرين، وفي وقت قياسي، يشمل أنظمة غير مسبوقة للدعم، والتزامات واضحة لتعزيز الثقة بالبيئة الاستثمارية مع تعزيز الحوكمة والشفافية.
ويتعلق الهدف الأساسي من وراء ذلك بتعبئة 550 مليار درهم (53.7 مليار دولار) من الاستثمارات الخاصة، وتوفير نصف مليون فرصة عمل خلال الفترة الممتدة ما بين 2022 و2026.
كما ترتكز الخطة على إيجاد توافق حول أهداف الاستثمار الخاص بين القطاعين العام والخاص على المستوى الجهوي، لضمان التشاركية في تدخلاتهم، وتسريع تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، ووضع تصور جديد لنشاطه، مع زيادة الاستثمار العمومي.
وتوقع البنك الدولي، في تقرير أصدره حديثا، أن يتعافى الاقتصاد المغربي في المدى المتوسط، وأن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 3.1 في المئة هذا العام، و3.3 في المئة في العام المقبل، و3.5 في المئة في 2026.