قانون العطل الرسمية في العراق حضرت فيه الطائفية وغابت عنه الوطنية

بغداد - أقر مجلس النواب العراقي، مساء الأربعاء، مشروع قانون العطلات الرسمية والتي تضمنت عطلة "عيد الغدير" وهي مناسبة دينية يحتفل بها الشيعة، أثارت مؤخرا جدلا واسعا في البلاد بين من يعتبرها رمزية دينية مهمة، ومن يرى فيها فرضا لسردية طائفية تثير حساسية المكونات الأخرى، وسط اعتراضات ومشادات كلامية رُفعت على إثرها الجلسة.
ورفعت رئاسة مجلس النواب، الجلسة بعد مشادة كلامية إثر اعتراض النواب المسيحيين على عدم إضافة يوم ميلاد المسيح عطلة رسمية في عموم البلاد وليس عطلة للمسيحيين فقط.
واعتبر النائب المسيحي أسوان الكلداني، اعتراض الكتل السياسية على اعتبار يوم ميلاد المسيح، عطلة رسمية في العراق، يحمل "نفسا طائفيا"، مؤكداً أن هذا الاعتراض فيه موقف سلبي على الكتل الشيعية.
وقال الكلداني، خلال مؤتمر صحافي عقده الأربعاء بمبنى البرلمان بمشاركة عدد من النواب، إن "مجلس النواب صوت اليوم على اعتبار عيد الغدير وحلبجة عطلة رسمية وللأسف لم يتم التصويت على اعتبار ميلاد سيد المسيح المصادق 25/12 عطلة رسمية بالعراق.
ولفت الكلداني، إلى أن "هناك بعض رؤساء الكتل السياسية اعترضوا على اعتبار ميلاد المسيح عطلة رسمية بالعراق من ضمنهم فالح المساري رئيس كتلة 'تيار الحكمة' في البرلمان التي يزعمها عمار الحكيم".
وأوضح أن "هناك نفسا طائفيا ضد هذا القرار، للأسف أن هناك أعياد عامة وخاصة في العراق لكن للأسف لم يعتبروا ميلاد السيد المسيح صاحب المعجزات عطلة رسمية في العراق، وسيكون هذا موقف سلبي يسجل على الكتل الشيعية"، موضحاً أن "نواب من الأحزاب الكردية وقفوا معنا لكن للأسف تم رفض ذلك".
بالرغم من أن رئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي، وصف قانون العطلات الرسمية بعد تشريعه في البرلمان الاربعاء بأنه "يهدف إلى ابراز المناسبات المرتبطة بحياة ومشاعر العراقيين"، إلا أن الكثير من المناسبات المرتبطة بمشاعر العراقيين عمومًا، والمناسبات الوطنية او مناسبات الاقليات، تم اهمالها نسبيًا في القانون الجديد.
ويشمل قانون العطل الرسمية نحو 11 يوما في السنة، فضلا عن العطل الرسمية العامة وهي يومي الجمعة والسبت مع إعطاء صلاحية لمجلس الوزراء بإلغاء عطلة يوم السبت عند الضرورة.
وجاء قانون العطلات الرسمية الذي صوت عليه البرلمان يتضمن، الجمعة والسبت كعطل رسمية في عموم العراق، بالإضافة إلى اعياد الفطر والإضحى، وعيد العمال، وعيد الغدير، والـ10 من محرم، والأول من محرم، والمولد النبوي 12 ربيع الأول، ورأس السنة الميلادية، وعيد الجيش 6 من يناير، وعيد نوروز 21 مارس، كما تمت اضافة 16 مارس في اللحظات الاخيرة وهو يوم أو ذكرى فاجعة حلبجة.
كما منح القانون بعض العطلات الرسمية "المخصصة" أي ليست عمومية، للأقليات، من المسيح والصابئة والايزيدية.
وتضمن القانون ايضًا حذف مناسبات مهمة ومفصيلة في تاريخ العراق والعراقيين، من بينها 14 يوليو وهو ذكرى سقوط الملكية وتأسيس الجمهورية، ويبدو أنه يتعارض مع التوجه العام للنظام الحالي الذي حاول الابتعاد عن الاصطفاف بين خلافات وجدلية "الملكية والجمهورية".
الا أن مناسبتين مهمتين لم يتم تضمينهما في القانون وتم حذفهما، وهو 10 ديسمبر ذكرى النصر على داعش، وكذلك العيد الوطني العراقي في الثالث من أكتوبر، وهو ذكرى انضمام العراق الى عصبة الامم والاعتراف به دولة رسميًا.
وركز القانون عموما على المناسبات الدينية، دون أن يتضمن أي مناسبات وطنية حقيقية، وهو اعتبره البعض أنه يعكس إشارة سلبية عن فحوى النظام القائم على "الطوائف"، ويرسّخ غياب أي مناسبات تتعلق بهويات جامعة، كما وصف آخرون قانون العطل الذي شرعه البرلمان انه اعتراف رسمي بعدم وجود ما يجمع الطوائف والمكونات في العراق، لغياب أي مناسبة وطنية جامعة فيه.
وقال بيان صادر عن الدائرة الإعلامية لمجلس النواب العراقي إن البرلمان "صوت على مشروع قانون العطلات الرسمية."
وذكر رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي في بيان أن القانون "يهدف إلى إبراز المناسبات المرتبطة بحياة ومشاعر الشعب العراقي، وتنظيم العطلات الرسمية في البلاد.. وهو شامل لجميع العطل والمناسبات والأعياد".
وأضاف المندلاوي أن "رئاسة مجلس النواب منحت اهتماما خاصا لمشروع قانون العطلات الرسمية، وحرصت على جعل يوم 18 ذي الحجة عطلة عامة، وذلك لرمزية يوم الغدير لدى غالبية العراقيين".
وأشاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالإجراء وقدم شكره لأعضاء مجلس النواب لتصويتهم على عطلة يوم الغدير، ودعا أتباعه إلى التوجه إلى المساجد لأداء "صلاة الشكر".
واعتبرت البرلمانية نهال الشمري عضو لجنة الخدمات والاوقاف النيابية أن التصويت على مشروع قانون العطلات الرسمية الذي يتضمن عطلة عيد الغدير، جاء بسبب ضغط الشارع العراقي بقيادة مقتدى الصدر لتشريعه، أكثر مما هو رغبة من النواب الشيعة داخل البرلمان العراقي".
وأضافت الشمري في تصريح إعلامي أن تشريع قانون في هذه المرحلة أمر غير صحيح، خاصة مع وجود أصوات طائفية ومشاكل وخلافات تحول دون مرور مثل هذه القوانين بصورة صحيحة، بالإضافة إلى أن المكون السني يفتقد حالياً لاستحقاقه في رئاسة البرلمان، ومن المفترض عدم تمرير تشريعات من هذا النوع إلا بوجود رئيس للبرلمان وفق الاستحقاق السياسي.
وتابعت "مناسبة عيد الغدير عليها الكثير من الاختلافات الفقهية أولاً، فضلاً عن وجود شركاء في العملية السياسية من السُنة وبقية المكونات الأخرى كان يجب احترام توجههم الديني والعقائدي وعدم فرض إرادة مكون معين عليهم، والأمر الأخر أن قانون عطلة عيد الغدير سيفتح الباب أمام بقية القوميات والأديان في العراق للمطالبة بعطل خاصة بها".
ورأت الشمري أن إثارة موضوع عطلة "عيد الغدير" من قبل التيار الصدري، يأتي بمثابة دعاية انتخابية مبكرة باعتبار أن التيار مقبل على العودة إلى العملية السياسية والانتخابات البرلمانية.
ومنذ مطلع مايو، يبحث البرلمان العراقي مشروع قانون "عيد الغدير" الذي ينص على اعتماد المناسبة عطلة رسمية في البلاد، وهو ما يثير خلافات داخل الأوساط السياسية العراقية سواء "الشيعية الشيعية" أو "الشيعية السنية" في بلد يضم طوائف متعددة وشهد في السنوات الماضية حربا طائفية تسببت بمقتل الآلاف.
وفي الـ19 من أبريل الماضي، كان الصدر قد كرر مطالبته البرلمان بتشريع قانون يجعل من "عيد الغدير" عطلة رسمية في العراق، معتبراً في كلمة متلفزة له أن "العيد درء الطائفية وتفعيل للتعايش السلمي".
وصدرت انتقادات عديدة من قوى سنية لمساعي تشريع قانون عطلة "عيد الغدير" لاعتقادها أنه قد يثير "الحساسيات" والمشاكل، ومخاوف من تحول النظام في العراق إلى "ثيوقراطي".
ووصل الرفض السني بمشروع قانون إلى حدّ تلويح جهات دينية سنية بالمطالبة بإقرار ذكرى يوم السقيفة، الذي آلت فيه الخلافة بعد وفاة النبي محمّد سنة 11 للهجرة إلى الصحابي أبي بكر الصدّيق، عطلة رسمية في العراق.
واقترح البعض أن تتولى مجلس المحافظات تشريع قوانين يتلائم مع توجهات ساكنيها، ويمنح القانون العراقي بالفعل الحكومات المحلية السلطة لإعلان يوم عطلة تقتصر على ساكني المدينة دون غيرها لأسباب مختلفة.
وخلال السنوات الماضية عقد البرلمان العراقي جلسات عديدة لمناقشة قانون العطل الرسمية في العراق. لكن، تلك الجلسات لم تتمكن من حل مشكلة كثرة العطل الرسمية بل فاقمتها، فكل ديانة وطائفة وقومية كانت تقترح عطلا جديدة، وتحاول تعويضها عبر إلغاء أيام عطل أخرى.
ويحتفل أفراد الطائفة الشيعة في عيد الغدير وتقول الروايات الشيعية إنه اليوم الذي خطب فيه النبي محمد "خطبة الوداع" وعين فيها ابن عمه علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين من بعده.