حزب الأمة يواجه مأزق تعدد الولاءات في الحرب السودانية

تباين رؤى قيادات الحزب يعكس واقعا سياسيا فرضته تعقيدات الحرب والانحيازات السياسية لقواعده بالتقارب مع الجيش أو التماهي مع الدعم السريع.
الخميس 2024/05/23
مريم الصادق المهدي تخط طريقا ثالثا

الخرطوم- تصاعدت حدة الخلافات داخل حزب الأمة القومي، وهو من أكبر الأحزاب السودانية وأعرقها، قبل أيام قليلة على انعقاد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في ظل وجود رؤى سياسية متعارضة لقادة الحزب وكوادره تجاه الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقد تعددت الانحيازات إلى طرفيها، ما أدى إلى تبني مواقف سياسية متعارضة، ظهرت من خلال بيانات صدرت عن جهات مختلفة داخل الحزب في الفترة الماضية.

واتهم رئيس الحزب المكلّف فضل الله برمة ناصر عددا من أعضاء مؤسسة رئاسة الحزب بمخالفة لوائحه بعد أن عقدوا السبت اجتماعا، استبق اجتماعا مزمعا للمكتب السياسي للحزب، وقال برمة ناصر إنه يهدف إلى عرقلة مشاركة الحزب في مؤتمر “تقدم” التأسيسي في أديس أبابا قبل نهاية شهر مايو الجاري، مشيرا إلى أن الحزب مستمر في مشاركته داخل التنسيقية، وحريص على استكمال مسيرة القوى المدنية.

ووقّع أعضاء مؤسسة رئاسة الحزب إثر الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحزب المكلّف بالإنابة محمد عبدالله الدومة، على بيان رفضوا فيه المشاركة في مؤتمر “تقدم”، وبرروا ذلك برفض منهج اختيار ممثلي الحزب في المؤتمر، وتم دون علم مؤسسة الرئاسة ومجلس التنسيق ومؤسسات الحزب المنتخبة في الولايات.

الشفيع أديب: استمرار الصراع العسكري ينعكس سلبا على الأحزاب
الشفيع أديب: استمرار الصراع العسكري ينعكس سلبا على الأحزاب

ويعكس تباين رؤى قيادات الحزب واقعا سياسيا فرضته تعقيدات الحرب والانحيازات السياسية لقواعد الحزب بالتقارب مع الجيش أو التماهي مع الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها، خاصة في ولاية الجزيرة.

وأسهمت مشاركة عناصر من حزب الأمة القومي في إدارة أهلية شكلتها قوات الدعم السريع بهذه الولاية في تعزيز الانقسامات التي وصلت حد عدم استبعاد تفكيك الحزب.

وقالت مصادر مطلعة داخل الحزب تحدثت لـ”العرب” إن الانقسامات سببها الموقف من الحرب وكيفية التعاطي معها، وظهر ذلك في اتخاذ نائب رئيس الحزب الفريق أول صديق إسماعيل موقفا سياسيا قريبا من الجيش، ويصعب إغفال مشاركة عبدالرحمن الصادق المهدي في صفوف المؤسسة العسكرية، رغم عدم انتمائه التنظيمي إلى الحزب وتبعيته لهيئة شؤون الأنصار، لكنه يحمل تأثيرا في قواعد الحزب.

وأضافت المصادر ذاتها أن الحزب يضم قيادات لها مواقف مناهضة للحرب وترفض استمرارها، لكنها منقسمة، إذ إن رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة له مواقف قريبة من الدعم السريع وينخرط بشكل إيجابي في تنسيقية “تقدم” التي يرى أنها الوعاء الأفضل لاستيعاب موقف حزب الأمة القومي من الحرب، وهو الموقف نفسه الذي يتبناه الأمين العام للحزب الواثق البرير.

وحسب المصادر، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، هناك جبهة ثالثة تقودها وزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق المهدي ترى أن لدى “تقدم” إشكاليات سياسية وتنظيمية يتوجب على حزب الأمة التوقف عندها وعدم التعاطي معها إلى حين إصلاح التنسيقية، واستطاعت حشد مناصرين لها كطريق ثالث بعد أن تقدمت بمذكرة إصلاحية لـ”تقدم” تضمنت اتهامات بتبني خطاب أقرب للدعم السريع.

وأصدر حزب الأمة القومي في مارس الماضي بيانا انتقد فيه “تقدم”، ملمحا إلى إعادة النظر في استمراره داخل التحالف، وقدم رؤية طالب فيها بإعادة تمثيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، مع تخصيص التنسيقية نسبة 30 في المئة للأحزاب السياسية والحركات المسلحة و70 في المئة لقوى المجتمع المدني.

كما انتقد البيان توقيع الإعلان السياسي بين “تقدم” وقوات الدعم السريع، رغم أن الاتفاق على الإعلان جرى في حضور رئيس الحزب فضل الله برمة ولم يبد اعتراضا، وزادت الخلافات مع صدور خطابات لمجموعات أطلقت على نفسها “كوادر حزب الأمة”.

ويواجه الحزب مشكلة أخرى تتعلق بعدم قدرته على التعامل مع استقطاب كوادر الحزب لهذا الطرف أو ذاك، مع حالة السيولة السياسية والأمنية في البلاد وخروج العديد من المناطق عن سيطرة أعضاء الحزب.

نورالدين صلاح الدين: الانقسامات داخل حزب الأمة متوقعة ونتيجة طبيعية للحرب
نورالدين صلاح الدين: الانقسامات داخل حزب الأمة متوقعة ونتيجة طبيعية للحرب

وقال عضو التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين إن الانقسامات داخل حزب الأمة أمر متوقع ونتيجة طبيعية للحرب التي تأثرت بها الحركة السياسية للأحزاب في ظل تعقيدات الصراع وتقاطعاته على مستويات سياسية واجتماعية عدة، وما حدث في حزب الأمة تعرضت له غالبية الأحزاب السودانية، وتسليط الضوء عليه يرجع إلى حجم الحزب وثقله السياسي في البلاد.

وأضاف صلاح الدين في تصريح لـ”العرب” أن قيادة الحزب لم تتحدث بشكل صريح عن دعم هذا الطرف أو ذاك، لكن هناك مشكلات كبيرة على مستوى القواعد مع صعود الدعم السريع كفاعل سياسي، الأمر الذي ترتب عليه وجود مجموعات كبيرة من الكوادر التي يطلق عليها “الحواضن الاجتماعية للحزب” تنظر إلى قوات الدعم باعتبارها الأقرب لتحقيق مصالحها والانخراط معها بشكل ميداني وسياسي، وفي المقابل توجد حواضن أخرى تذهب باتجاه التقارب مع الجيش، ولا تمانع في الانضمام إليه.

ويكمن احتواء الأزمة الراهنة داخل حزب الأمة القومي في ضرورة الانحناء للعاصفة، وهو أمر صعب مع تمسك كل طرف برؤيته وعدم القدرة على إدارة الصراع الحزبي بشكل مؤسسي، فكل طرف يحاول توظيف اللوائح بما يخدم مواقفه.

وأكد المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب أن الانقسامات سمة أساسية داخل حزب الأمة والأحزاب السودانية بوجه عام منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير، الذي سعى نظامه لتفتيت حزب الأمة، وترتب على ذلك وجود أربعة أحزاب تحمل الاسم ذاته، وهو تفكيك لقوة الحزب الأصلية، والتأكيد على أن هذا الحزب – الفرع أو ذاك يوالي سياساته، كما أن الحرب الراهنة لم تمنح فرصة لتقديم مبادرة للتوافق حولها.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن استمرار الصراع العسكري ينعكس سلبا على الأحزاب، لأن القادة السياسيين يسعون لتحقيق مصالحهم ويطمحون للقيام بأدوار سياسية عقب الحرب وفقا لرؤيتهم إلى الطرف الأكثر قدرة على حسمها لصالحه.

ويصف سودانيون مواقف حزب الأمة القومي بأنها “رمادية”، ما ينعكس على تباين قراراته، خاصة أن الحزب تأثر كثيرا عقب وفاة زعيمه الصادق المهدي.

ويعدّ حزب الأمة، قبل انقساماته، من أكبر الأحزاب السياسية، وفاز في آخر انتخابات برلمانية عام 1985 بأعلى الأصوات، وشكّل آخر حكومة ديمقراطية ترأسها الراحل الصادق المهدي، ثم أسقطت حكومة المهدي بانقلاب الثلاثين من يونيو 1989 الذي نفذته الجبهة الإسلامية بقيادة الراحل حسن الترابي (صهر المهدي) والبشير.

 

اقرأ أيضا:

         • انزلاق السودان إلى الفوضى يمهد الطريق أمام عودة تنظيم القاعدة إلى معقله التاريخي

2