رسائل قضائية كويتية صارمة: مقام الأمير خط أحمر

ظاهرة التدخل في صلاحيات الأمير لصيقة بحالة التساهل التي طبعت الحياة السياسية الكويتية خلال سنوات ماضية.
الخميس 2024/05/23
القضاء هو الفيصل

الكويت - قضت محكمة الجنايات في الكويت بالسجن أربع سنوات مع الشغل والنفاذ بحق مرشح سابق للانتخابات البرلمانية الكويتية بتهمة “التطاول على مسند الإمارة”، وذلك في أول حكم قضائي من نوعه منذ قرار أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد حل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدستور.

وجاء الحكم بينما واصل القضاء النظر في قضيتين أخريين مشابهتين وذلك في مظهر على الصرامة في التعامل مع مثل تلك القضايا التي يعتبرها متابعون للشأن الكويتي لصيقة بحالة من التساهل طبعت الحياة السياسية خلال السنوات الماضية وقادت عددا من الأصوات المعارضة، بما في ذلك تلك الحاضرة تحت قبة مجلس الأمّة إلى التجاوز على القوانين التي تمنع التدخل في صلاحيات الأمير ومناقشة قراراته.

وكان الأمير قد تطرّق إلى الظاهرة في كلمته التي أعلن فيها مؤخّرا عن إجراءاته التي عدّت منعطفا نحو ضبط الفوضى السياسية في البلاد وفك الاشتباك الدائم بين الحكومة والبرلمان قصد التفرّغ لتدارك التأخر في تطوير البلد وإنجاز الإصلاحات التي بات يفرضها الواقع الجديد بقوّة.

وقال الشيخ مشعل في كلمته إنّ "التمادي  وصل إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديمقراطية”، مضيفا قوله “نجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير". كما تضمنت الكلمة عزما واضحا على انتهاج الصرامة في تطبيق القانون من خلال قول الأمير “يجب أن يعلم الجميع أن لا أحد فوق القانون.. ولن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة".

وكانت ملامح الصرامة في حفظ مقام الأمير باعتباره أعلى سلطة في الدولة ورمزا لوحدتها وتماسكها قد تجلت من قبل في حلّ مجلس الأمّة الأسبق بسبب مداخلة أدلى بها أحد النواب وتضمنت إبداء ملاحظات بلهجة غير معهودة على مضامين خطاب سابق للأمير كان قد وجه فيه انتقادات لاذعة لأداء السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وقالت وسائل إعلام محلية كويتية إنّ المرشح السابق لانتخابات مجلس الأمة مساعد القريفة حوكم في قضية  أمن دولة وواجه تهمة التطاول على مسند الإمارة وإذاعة أخبار كاذبة. وأوقف القريفة في الثالث والعشرين من أبريل الماضي وحاول مناصرون له تنظيم وقفة تضامنية للمطالبة بالإفراج عنه. وأعلنت النيابة العامة آنذاك أنها أمرت "بحبس مواطن احتياطيا لاتهامه بالتطاول على مسند الإمارة في ندوة أقامها بمقره الانتخابي حين ترشحه لانتخابات مجلس الأمة لعام 2024".

◙ ملامح الصرامة في حفظ مقام الأمير كانت قد تجلت في حلّ مجلس الأمّة الأسبق بسبب مداخلة لأحد النواب تضمنت ملاحظات على مضامين خطاب سابق للأمير

وخلال تجمع انتخابي ضمّ حشدا من الكويتيين في الثلاثين من مارس الماضي، توجّه القريفة إلى رئيس الحكومة المقبل (آنذاك) والذي كان يتوقع أن يكون أحد أفراد الأسرة الحاكمة بالقول "قد تكون هذه فرصتك الأخيرة، وقد تكون آخر فرصة لأسرة الصباح في إدارة الدولة وشؤون الحكم، بسبب سوء إدارتكم ونهجكم الذي رأيناه في الفترات السابقة".

وأضاف "اليوم البلد فيها من الأكفاء وفيها من الشباب القادرين على إدارة البلد. والبلد ليست لكم وحدكم، البلد لنا كلنا.. اليوم يجب أن نشاركم في إدارة الدولة، كاف السنوات التي ضاعت وكاف الأموال التي أهدرت وكاف الوضع المتردي". وكتب أحد أعضاء هيئة الدفاع عن القريفة المحامي محمد منور على منصّة إكس أن الحكم الصادر الأربعاء “هو اجتهاد من المحكمة وفق ما انتهت إليه من تفسير لأقوال المتهم محل الاتهام".

وفي قضية مشابهة لقضية القريفة، تجري حاليا في الكويت محاكمة النائب السابق وليد الطبطبائي، حيث عقدت محكمة الجنايات مطلع الأسبوع الجاري أولى جلسات محاكمته وقررت الاستمرار في حبسه بعد أن رفضت طلب محاميه إخلاء سبيله. وحددت المحكمة يوم الثالث من يونيو القادم موعدا لجلسة جديدة تخصص لمرافعة الدفاع عن الطبطبائي المنتمي للتيار السلفي والذي يحاكم أيضا في قضية أمن دولة بتهمة الطعن في حقوق وسلطات أمير البلاد.

وإثر قرارات الأمير الأخيرة بحل البرلمان وتعليق العمل بمواد في الدستور نشر الطبطبائي تعليقين عبر منصة إكس كتب في أحدهما “سندافع عن حريات الشعب وحقوقه ومكتسباته الدستورية والتي لا نقبل المساس بها”، وكتب في الثاني "غير مقبول تدخل بعض الدول في الشأن الداخلي الكويتي والذي سيتم حله بطريقة التفاهم وروح الأسرة الواحدة".

وقالت وسائل إعلام محلية إن النائب السابق أنكر تهمة التطاول على صلاحيات الأمير وادّعى أمام المحكمة بوجود تعليقين جرى تداولهما له عبر مواقع التواصل الاجتماعي أحدهما هو الذي أُحيل للقضاء بسببه وصدر قرار بحبسه على أثره، مُشيرا إلى أنّ ذلك التعليق غير صحيح  وأن خصومه قاموا بتزويره.

وحضر جلسة محاكمة الطبطبائي المعارض السياسي مسلّم البراك الذي سبقت محاكمته بتهم شبيهة بتهمتي الطبطبائي والقريفة، على خلفية مخاطبه الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بالقول في ندوة سياسية “باسم الأمة باسم الشعب لن نسمح لك يا سمو الأمير بممارسة حكم استبدادي".

وكانت النيابة العامة الكويتية قد أعلنت بعد يوم واحد من صدور الأمر الأميري بحلّ البرلمان والتعليق الجزئي للدستور عن حبس مواطن احتياطيا وحجز وضبط آخرين  بتهمة "نشر عبارات عبر حساباتهم بموقع إكس تضمّنت طعنا في حقوق وسلطات ومقام الأمير، والعيب في ذاته والتعرض لشخصه بالنقد".

وتبين أنّ الطبطبائي أحد هؤلاء إلى جانب النائب في المجلس المنحلّ أنور الفكر الذي قررت النيابة العامة حبسه لمدة واحد وعشرين يوما وإحالته إلى السجن المركزي على خلفية اتهامه بالتعدّي على صلاحيات الأمير.

3