الصحافيون المصريون يرفضون وصاية وزارة الأوقاف على عملهم

اشتد الخلاف بين نقابة الصحافيين ووزارة الأوقاف المصرية بعد قرار الأخيرة بمنع تغطية جنازات المشاهير والنجوم داخل المساجد وفي محيطها، ليعلن مجلس نقابة الصحافيين رفضه للقرار والوصاية غير المقبولة والمخالفة الصريحة للقانون والدستور اللذين سمحا للصحافيين بأداء واجبهم دون رقابة مسبقة.
القاهرة - تصاعدت حدة الصراع بين وزارة الأوقاف ونقابة الصحافيين المصريين، على خلفية قرار الأولى بمنع تصوير جنازات المشاهير داخل المساجد أو في محيطها، ما تسبب في هجوم حاد من النقابة ضد الوزارة، واتهمتها بمخالفة القانون، وفرض وصاية على المصورين، وهو ما يصعب قبوله من أيّ شخص مسؤول.
وأشار خطاب النقابة إلى أنها ماضية في المزيد من التصعيد لتجبر الأوقاف على التراجع عن قرارها، وهو ما ظهر في عقد لجنة الحريات مؤتمرا صحفيا للحديث عما وصف بأنه “انتهاك لحقوق الصحافيين والمصورين”، والإعلان عن ضوابط تغطية الجنازات، وتدريب المصورين على منع ارتكاب أخطاء في المستقبل.
واشتد الخلاف بين الجانبين بعد أن شهدت جنازات عدد من المشاهير ونجوم الفن في مصر تجاوزات، أبرزها جنازة الفنان صلاح السعدني التي أحدثت أزمة بين الصحافيين ونقابة المهن التمثيلية، ما دفع وزارة الأوقاف إلى استصدار قرار بمنع تصوير الجنازات داخل المساجد وخارجها.
وأكدت وزارة الأوقاف أن الهدف هو وقف التجاوزات التي تحدث في التغطية الصحفية للجنازات، والتي لا تليق بقدسية المسجد أو حرمة الميت ومشاعر أهله.
لكنها اصطدمت برفض حاد من مجلس نقابة الصحافيين الذي أعلن رفضه للقرار، ووصفه بـ”الوصاية غير المقبولة والمخالفة الصريحة للقانون والدستور اللذين سمحا للصحافيين بأداء واجبهم دون رقابة مسبقة”.
ويحظى تشييع جنازات المشاهير في الفن والأدب والسياسة والإعلام والرياضة باهتمام كبير من وسائل التواصل الاجتماعي، وتتسابق كاميرات القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية لتغطية الحدث وتوثيقه، بدءا من نقل الجثمان من مكانه إلى المسجد أو الكنيسة مرورا بأداء صلاة الجنازة، وانتهاء بإجراءات نقله إلى مثواه الأخير.
وتدور المعركة الراهنة بين الأوقاف والصحافيين حول الحقوق، إذ ترى الوزارة أن من حقها منع أيّ تواجد للمصورين داخل المساجد باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدارتها، بينما تتمسك النقابة بالحق المطلق للمنتسبين لها في دخول أيّ مكان مدني، ومعرفة كل كبيرة وصغيرة عن حياة الشخصيات العامة التي هي حق للجمهور بمعايير منضبطة.
ويعد الصدام بين وزارة الأوقاف ونقابة الصحافيين أول اختبار حقيقي لمجلس النقابة برئاسة المعارض خالد البلشي في علاقته بالسلطة، حيث اعتاد التعامل بحكمة مع دوائر صناعة القرار والجهات الحكومية المختلفة، لكن هذه المرة بدا الأمر مختلفا، لأن قرار الأوقاف جاء دون تنسيق مع النقابة، ما أثار استفزاز مجلسها وغضبه.
وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين هشام يونس لـ”العرب” إن المجلس لا يسعى للصدام أو افتعال أزمات مع أيّ جهة، لكنه لن يصمت أمام محاولات التغول على اختصاصات النقابة، والتدخل في تحديد ما يمكن فعله وما لا يجوز الاقتراب منه.
وقد يضطر وزير الأوقاف مختار جمعة إلى التراجع عن قرار منع تغطية الجنازات في المساجد والبحث عن ترضية للصحافيين بالتنسيق مع مجلس النقابة حول من لهم الحق في ذلك، بناء على تراخيص مسبقة، لأنه من الوزراء الذين يخشون الإعلام، ويجيد التقارب بدبلوماسية مع الصحافيين.
وتوجد شريحة جماهيرية تدافع عن قرار تغطية الجنازات في المساجد بسبب الرواسب السلبية التي تركها بعض المصورين حول طريقة توثيق وفاة أيّ شخصية عامة، إذ يتدافع البعض لالتقاط الصور، وآخرون يعتلون منابر المساجد وقت الصلاة على المتوفى، وهي مشاهد تتعارض مع قدسية دور العبادة وانتهاك حرمة الموتى.
الخلاف بين الجانبين اشتد بعد أن شهدت جنازات عدد من المشاهير ونجوم الفن في مصر تجاوزات، أبرزها جنازة الفنان صلاح السعدني
وأضاف هشام يونس لـ”العرب” أن الجماعة الصحفية لا تقبل انتهاك حرمة الموتى، والأخطاء التي ترتكب من الدخلاء على المهنة تسببت في المشهد الراهن، وليس من حق أيّ جهة تنظيم عمل المنتمين للنقابة وفقا للقانون ومواثيق الشرف الصحفي.
ويعتقد متابعون للأزمة أن المشكلة ليست في المصورين المحترفين الذين يُدركون أصول المهنة، بل في بعض المؤسسات الصحفية التي تستعين بمتدربين شباب قد لا يحصلون على رواتب جيدة أو مكافآت شهرية منتظمة، ويتم الزج بهم لتغطية الجنازات بلا تدريب أو تأهيل، ومطالبتهم بالحصول على لقطات مثيرة.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن المشكلة الرئيسية لا ترتبط بمصوري الصحف والمواقع الإخبارية، بقدر ما تتعلق بالحضور الطاغي لناشري المحتوى على المنصات الرقمية، ولا علاقة لهم بأيّ مؤسسة صحفية أو قناة تلفزيونية، ويرغبون في توثيق صور وتسجيل فيديوهات لتحقيق معدلات مشاهدة مرتفعة على صفحاتهم الشخصية.
وأوضح سكرتير عام نقابة الصحافيين جمال عبدالرحيم أن نسبة كبيرة من مصوري الجنازات في مصر وتغطيتها بشكل غير لائق “ليسوا صحافيين، وهدفهم الأول تحقيق نسب مشاهدات من وراء بعض اللقطات والفيديوهات، لكن هذا لا يبرر لأيّ جهة اتخاذ قرار بالمنع المطلق لتغطية الجنازات بسبب أخطاء فردية”.
ودافع هشام يونس في حديثه لـ”العرب” عن أن النقابة لم تقصّر في تنظيم تغطية الجنازات، ووضعت نقاطا يجب الالتزام بها، ومن يخرجون عن سلطة النقابة هم من يعملون خارجها، خاصة من يسعون للربح ولو بانتهاك الخصوصية.
نقابة الصحافيين بدت شبه عاجزة عن مواجهة سيل المواقع الإخبارية غير المرخصة التي أساءت للمهنة ويعمل بها مئات من الهواة دون فهم أو وعي لمتطلبات الوظيفة
واقترح بعض الصحافيين استصدار قرار من النقابة يُلزم المنتسبين إليها بارتداء شعار الصحافة بشكل واضح، للتعريف بأنفسهم في تغطيات الأحداث الهامة، وتسهيل الفصل بين المصور الحقيقي والدخلاء على المهنة، لأن الأزمة الراهنة سببها ارتكاب مواطنين عاديين أخطاء فادحة أثناء التصوير ويتم لصقها بالصحافيين.
ووضع مجلسا نقابتي الصحافيين والمهن التمثيلية ضوابط لتغطية الجنازات، وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام، الأول: صلاة الجنازة في المساجد، والثاني: مراسم الدفن، والثالث: العزاء في قاعة المناسبات، إسلامية ومسيحية، وإلزام الصحافيين والمصورين باحترام خصوصية أقارب المتوفى وعدم الحصول على تصريحات دون موافقتهم.
وجرى الاتفاق على الامتناع عن التصوير فورا إذا بدا الضيق على أحد المتواجدين، أو رفضه لتضمينه في أيّ صورة، مع عدم الإلحاح في السؤال أو مطاردته والتأكيد على استخدام الصورة الواسعة وليست القريبة، كتوثيق وتأريخ لا بد منه، مع إمكانية وجود منطقة عالية كاشفة للمشهد بحيث يقف المصورون بعيدا عن الحدث مع استخدام عدسات طويلة البعد البؤري.
ويُحسب على مسؤولي بعض الصحف في مصر أنهم يُجبرون المصورين أحيانا على ارتكاب أخطاء مهنية في تغطية الجنازات من خلال إلزامهم بتصوير لقطات غير تقليدية للحدث، كنوع من التميز، وقد يُحاسب المصور على أن زميلا له في صحيفة أو موقع إلكتروني أو صفحة شخصية على مواقع التواصل انفرد بلقطة مميزة.
وأمام الضغوط الواقعة على المصور، قد لا يتردد عن ارتكاب تجاوز ما بانتهاك حرمة الموتى كي يكون في المقدمة ويتحصل على صور وفيديوهات تجذب مشاهدات للصحيفة التي يعمل بها، أي أن المشكلة مركبة ومتشعبة الأسباب، تتراوح بين الدخلاء على المهنة وبين شغف بعض المؤسسات لاستغلال الجنازات كحدث جذاب.
وبدت نقابة الصحافيين شبه عاجزة عن مواجهة سيل المواقع الإخبارية غير المرخصة التي أساءت للمهنة ويعمل بها مئات من الهواة دون فهم أو وعي لمتطلبات الوظيفة، ما أوجد حساسية مفرطة بين الجمهور وكل من يحمل كاميرا، وقد يتم اتهامه بأنه ينتهك خصوصية أو يبحث عن فضيحة.