فرنسا تحاكم غيابيا 3 من رموز النظام السوري في جرائم ضد الانسانية

المحاكمة التي تجري لأول مرة في فرنسا تتعلق بتورط مسؤولين أمنيين كبار في نظام الأسد في اعتقال وتعذيب فرنسيين من أصل سوري أفضى إلى موتهما.
الثلاثاء 2024/05/21
القضاء الفرنسي يفتح ملف جرائم ضد الانسانية ارتكبت في سوريا بعد ثورة 2011

باريس – بدأت فرنسا الثلاثاء وللمرة الأولى في محاكمة ثلاثة مسؤولين أمنيين سابقين رفيعي المستوى في النظام السوري أمام محكمة الجنايات في باريس بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب على خلفية مقتل فرنسيَين سوريَين اعتُقلا في 2013.

وبحسب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، تهدف الإجراءات إلى "محاكمة أعلى المسؤولين في النظام منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011" ضد الرئيس بشار الأسد وتشمل كل من علي مملوك المدير السابق لمكتب الأمن الوطني وجميل حسن المدير السابق للمخابرات الجوية وعبدالسلام محمود المدير السابق لفرع التحقيق في المخابرات الجوية.

وستضمّ هيئة المحكمة ثلاثة قضاة من دون محلّفين وسيتمّ تصوير جلسات الاستماع المقرّرة على مدى أربعة أيام لحفظها ضمن أرشيف القضاء وسيتم توفير الترجمة العربية للجمهور لأول مرة في محكمة الجنايات في باريس.

وترتبط القضية بالضحيتين باتريك الدباغ ووالده مازن وكان باتريك طالبا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في دمشق، بينما كان والده مستشارا تربويا رئيسيا في المدرسة الفرنسية بالعاصمة السورية وتم اعتقالهما في نوفمبر 2013 على يد عناصر قالوا إنهم من جهاز المخابرات الجوية السورية.

وبحسب صهر مازن الذي اعتُقل في ذات الوقت وأطلق سراحه بعد يومين، نقل الرجلان اللذان يحملان الجنسيتين الفرنسية والسورية إلى مطار المزّة قرب دمشق والذي يوصف بأنّه أحد أسوأ مراكز التعذيب التابعة للنظام، وغابت أي مؤشرات على أنهما على قيد الحياة، إلى أن تمّ الإعلان عن وفاتهما في أغسطس 2018.

ووفق شهادات الوفاة المرسلة إلى العائلة، فقد توفي باتريك في 21 يناير 2014، ومازن في 25 نوفمبر 2017، واعتبر قضاة التحقيق أنّه "من الثابت بما فيه الكفاية" أنّ الرجلين "عانيا، مثل آلاف المعتقلين لدى المخابرات الجوية، من تعذيب قاس لدرجة أنّهما ماتا بسببه".

وفي السياق ذاته قدّم عشرات الشهود من بينهم العديد من الفارّين من الجيش السوري ومحتجزين سابقين في المزّة، تفاصيل للمحقّقين الفرنسيين واللجنة الدولية للعدالة والمساءلة، وهي منظمة غير حكومية، بشأن التعذيب في هذا السجن، لافتين إلى باتريك ووالده تعرضا إلى الضرب بقضبان من الحديد على أخمص القدمين وصدمات كهربائية وعنف جنسي وغيرها.

ونصّ الاتهام على أنّ هذه الوقائع "من المرجّح أن تشكّل جرائم حرب وابتزاز وتمويه ابتزاز"، إضافة إلى "الحجز على ممتلكات سوريين اختفوا أو وُضعوا في معتقلات أو مهجّرين قسرا أو لاجئين، كان ممارسة منتشرة للنظام السوري".

وقالت المحامية كليمانس بيكتارت التي تمثّل عددا من الأطراف المدنية إنّ "كثيرين قد يعتبرون هذه المحاكمة رمزية، لكنّها جزء من عملية طويلة ويجب قراءتها في ضوء المحاكمات"، مضيفة أن "كلّ هذا يصبّ في جهد لمكافحة الإفلات من العقاب على جرائم النظام السوري وهو الأمر الأكثر أهمية لأنّ هذا الكفاح من أجل العدالة هو أيضا كفاح من أجل الحقيقة".

وأشارت إلى أنّ جرائم النظام لا تزال تُرتكب حتى اليوم"، وأنّ هذه المحاكمة بمثابة تذكير بأنّه "يجب ألا نقوم بأيّ حال من الأحوال بتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد"، حسب قولها.

وأفاد محامي الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان باتريك بودوان، في مستهلّ جلسة الثلاثاء، بأن الملفّ تكوّن على مرّ السنوات خلال سبع سنوات من التحقيق ومكّن من جمع أدلة إدانة كبيرة وكشف النظام بكامله الذي كان موضوعًا والذي كان نظام تعذيب وسوء معاملة ومعاملة لا إنسانية وإخفاء.

واستمعت محكمة الجنايات بعد قراءة التقرير الذي يلخّص أبرز نقاط ملف التحقيق، إلى الباحث زياد ماجد حول النظام السياسي الذي أكد أن السجون السورية "عمود فقري حقيقي للنظام".
 

وحذر ماجد من محاولات تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع بشار الأسد، مشيرا إلى أن ذلك يعني التشجيع "على الإفلات من العقاب" ويساهم في استمرار الجرائم في هذه المنطقة وغيرها.

وفي مارس الماضي، اتهمت لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا التابعة لمنظمة الأمم المتحدة النظام السوري بمواصلة القضاء على المعتقلين وتعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة.

وقدر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان أعداد المعتقلين لدى النظام السوري بـ136192 شخصا من إجمالي عدد المعتقلين في سوريا البالغ 156757 شخصا.

وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا تسبّب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، فيما لا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين لدى أطراف النزاع كافة وخصوصا في سجون ومعتقلات النظام السوري، مجهولا.