غضب في مصر بسبب تأجير المستشفيات الحكومية للخواص

مخاوف من مضاعفة الأعباء على المواطنين.
الأحد 2024/05/19
انسحاب الحكومة من المستشفيات بداية لمشروع الخصخصة

القاهرة- جلبت موافقة لجنة الصحة في مجلس النواب المصري على مشروع قانون يتيح تأجير المستشفيات الحكومية لمستثمرين، ردود فعل غاضبة ضد توجه الحكومة نحو إمكانية خصخصة القطاع الطبي وتنصلها من مسؤولية توفير خدمة صحية جيدة للبسطاء بأسعار تتناسب مع ظروفهم المعيشية.

وسيعرض مشروع القانون الذي وافقت عليه لجنة الصحة على الجلسة العامة لمجلس النواب هذا الأسبوع، لمناقشته ثم المصادقة عليه، وسط رفض من مواطنين ونقابة الأطباء ومؤسسات حقوقية معنية بالشؤون الطبية، لأن القانون يسمح للمستثمرين بإدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية، وهو ما رآه البعض بداية لمشروع الخصخصة.

وتخشى دوائر سياسية أن يتسبّب القانون في غضب شعبي، إذ من الصعب أن يقبل الكثيرون بفكرة انسحاب الحكومة من إدارة المستشفيات التي يفترض أنها ملكية عامة، وبدا ما يتم التسويق له حاليا أشبه بتخدير للمواطنين إلى حين تمرير القانون.

◄ قطاع حيوي مثل قطاع الصحة "خط أحمر" بالنسبة إلى المصريين، لا يجوز الاقتراب منه بالخصخصة ورفع أسعاره

ويبرر الفريق الرافض لتسليم المستشفيات الحكومية إلى القطاع الخاص بأن ذلك مقدمة لمضاعفة الأعباء على المواطنين في قطاع يمس صميم حياتهم، لأن المستثمر لن يخوض تجربة الاستحواذ على صرح طبي إلا وهو يُدرك حجم المكاسب التي سيجنيها منه، وسيكون ذلك من جيوب البسطاء ومتوسطي الدخل.

وبرر وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار مشروع القانون بأن الإمكانيات المتاحة للوزارة غير كافية لتقديم الخدمات الملائمة طبقا للمعايير الموضوعة، ودور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تحسين الخدمة، وهو تصريح تناقض مع ما سبق وأعلنته الحكومة من أن أولوية موازنة الدولة في العام المالي الجديد لقطاعي الصحة والتعليم.

ويرى معارضون أن تسليم المستشفيات إلى القطاع الخاص يوحي بأن الحكومة غير جادة في زيادة الإنفاق على قطاع الصحة، حيث تبرر الخصخصة بضعف الإمكانيات، في تكرار لنفس الوعود التي تقطعها مع الشارع بشأن ملفات بالغة الحساسية.

وقال وزير المالية المصري محمد معيط مؤخرا إن الحكومة قررت التركيز على التنمية البشرية في السنوات الست المقبلة، ويظهر ذلك في زيادة الإنفاق على قطاع الصحة بنحو 25 في المئة، والتعليم بنسية 45 في المئة، معتبرا أن “هذا التزام من الحكومة سيظهر تطبيقه مع السنة المالية الجديدة المقرر أن تبدأ مطلع يوليو المقبل”.

وثمة شواهد أوحت إلى الشارع بأن الحكومة تتعامل مع مستشفياتها باعتبارها عبئا مطلوبا الخلاص منه، وآخرها رفع أسعار العشرات من الخدمات الطبية في المستشفيات وصرف علاج مجاني واحد للمريض، على أن يشتري الأدوية الأخرى من ماله الخاص.

خالد عبدالغفار: الإمكانيات المتاحة للوزارة غير كافية لتقديم الخدمات الملائمة طبقا للمعايير الموضوعة
خالد عبدالغفار: الإمكانيات المتاحة للوزارة غير كافية لتقديم الخدمات الملائمة طبقا للمعايير الموضوعة

ورغم تعهد وزير الصحة بأن أسعار الخدمة الطبية لن تزيد على المرضى في المستشفيات الحكومية، إلا أن الكثير من المواطنين يتشككون، ويرون أنه يريد تهدئة الرأي العام ثم يصدم الناس بواقع مغاير، ليصبحوا فيه مضطرين للتأقلم معه.

وأعلنت نقابة الأطباء رفضها مشروع القانون، بحجة أن الأمر يفتح الباب لخصخصة الخدمة الطبية ورفع أسعارها وضياع حقوق العاملين من أطقم تمريض وأطباء، لأن الحكومة تخطط للسماح للمستثمرين بالاعتماد على أطقم أجنبية على حساب المصريين.

وما أثار استنكار بعض المعارضين أن الهيئة العامة للاستثمار التابعة للحكومة أعلنت طرح ستة مستشفيات عامة أمام القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها، كـ”فرصة استثمارية في القطاع الطبي الحكومي”، قبل مصادقة البرلمان على القانون، ما يعني أن هناك نية للاستمرار في المخطط وتمرير القانون بالصيغة نفسها.

وتظل معضلة الحكومة أنها لا تفصح عن التفاصيل الخاصة بالخطط المستهدفة، ولا تفتح بابا للنقاش مع الناس أو الجهات المعارضة، لتشرح الأسباب والدوافع والمزايا التي سوف تعود بالنفع على المواطنين، ما يترك الباب مفتوحا أمام تيارات مناهضة لتأليب الرأي العام على الحكومة.

وتُدرك بعض الدوائر الرسمية أن قطاعا حيويا مثل الصحة “خط أحمر” بالنسبة إلى المصريين، لا يجوز الاقتراب منه بالخصخصة ورفع أسعاره، لكنها تتعامل مع ردود الفعل بطريقة تفتقد إلى الحنكة، حتى لو كانت لديها مبررات مقنعة، وأدلة على عدم تحمل الناس لأعباء مالية جديدة.

وقال المحامي الحقوقي والمدير التنفيذي لجمعية الحق في الدواء محمود فؤاد إن انسحاب الحكومة من مسؤولياتها تجاه المستشفيات العمومية “مغامرة سياسية”، واصفا التصريحات التي تتحدث عن عدم رفع أسعار الخدمة الطبية على المواطنين بعد التأجير بأنها “وهمية”، فالمستثمر لن يخوض التجربة إلا وهو يُدرك حجم المكاسب.

وأضاف لـ”العرب” أن ما يحدث في قطاع الصحة جزء من تطبيق بنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بخفض الإنفاق على القطاع الطبي وتخارج الحكومة لحساب المستثمرين، لكن من الخطر أن تتحول الخدمة الطبية إلى سلعة، وما تفعله الحكومة ضد الدستور الذي يؤكد أن الخدمة الصحية “حق للجميع تكفله الدولة دون تمييز”.

وأشار محمود فؤاد، الذي شارك كممثل عن المجتمعي المدني في مناقشات مشروع القانون بمجلس النواب، إلى أنه لا مانع من وجود استثمارات في قطاع الصحة بحوافز تقدم للمستثمرين نظير التوسع في المنشآت الطبية، أو يتم تخصيص قسم معين داخل مستشفى حكومي أمام القطاع الخاص لتطويره وتحديد تسعيرة للخدمة، لكن لا يكون الصرح الطبي كاملا تحت يد المستثمر.

◄ تسليم المستشفيات إلى القطاع الخاص يوحي بأن الحكومة غير جادة في زيادة الإنفاق على قطاع الصحة، حيث تبرر الخصخصة بضعف الإمكانيات

ويدعم فريق آخر قيام الحكومة بإدخال القطاع الخاص طرفا في إدارة المستشفيات العمومية بسبب سوء الإدارة، شريطة أن يكون التعاقد مع المستثمرين لا يحمّل المواطن أعباء مالية مضاعفة، ويحصل المستثمر على مستحقاته المالية من موازنة الدولة المخصصة للقطاع الطبي.

ويعتقد أنصار هذا الفريق أن دخول المستثمرين المخضرمين في قطاع خدمي حيوي مثل الصحة أمر ضروري، لأن القطاع الخاص يمتلك إدارة رشيدة وقادر على تقديم خدمة متميزة بمقابل معقول، وهي مزايا تفتقدها الحكومة أمام شبهات الفساد المالي والإداري، والبيروقراطية المتجذرة في قطاعات ترتبط بصميم حياة الناس.

ويتحفظ متابعون على توقيت طرح المشروع وسط صعوبات تواجه الدولة، وهو ما كان يستدعي تأجيل المقترحات المثيرة للجدل شعبيا، فالأولوية تجييش الرأي العام خلف النظام ومساعداته على تجاوز التحديات، وعقّب الحقوقي محمود فؤاد بأنه “تمت مخاطبة مؤسسات الدولة بذلك فعلا، وأن التوقيت خطأ”.

ويعوّل أنصار النظام على الرئيس عبدالفتاح السيسي لتفويت الفرصة على خصوم الدولة وعدم منحهم فرصة لتأليب الشارع في توقيت حساس، لأن هناك دوائر حكومية لا تجيد التعامل مع الرأي العام وقت الأزمات، ولديها مشكلة في تقدير الموقف سياسيا.

1