حل البرلمان الكويتي يفتح الباب لإصلاح اقتصادي طال انتظاره

الكويت – قاد قرار أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح بحل مجلس الأمة وتعليق عدد من المواد الدستورية إلى تفاؤل واسع بين الكويتيين ببدء إصلاحات فعلية لإنقاذ اقتصاد بلادهم والقدرة على مواكبة التطور في دول الجوار الخليجي.
لكن التفاؤل سيظل في حاجة إلى معرفة مدى قدرة الإصلاحات المالية والاقتصادية على المساس بالثوابت الكويتية، وخاصة مراجعة كتلة الأجور ومنظومة الرفاه التي تعوّد عليها الكويتيون منذ الطفرة النفطية، وستكون بمثابة اختبار لحجم ومدى الإصلاحات التي ينوي الشيخ مشعل إجراءها.
وتقول وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني إن حل مجلس الأمة الكويتي وتعليق العمل ببعض مواد الدستور من المرجح أن يؤديا إلى تمرير وتسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تشتد الحاجة إليها، بما في ذلك زيادة الإيرادات المالية للحكومة وخفض الإنفاق الحكومي وتحسين خيارات تمويل الميزانية على الرغم من أنهما قد يؤثران على الضوابط والتوازنات طويلة الأمد على صعيد المؤسسات.
على الشيخ مشعل أن يوازن بين الحفاظ على الاستقرار وتنفيذ تدابير تقشفية موجعة بهدف جذب المستثمرين
ويتهم الكويتيون مجلس الأمة (البرلمان) بعرقلة مصالح البلاد المالية والاقتصادية من خلال تعطيل المصادقة على مشاريع القوانين المقدمة من الحكومات المتعاقبة، والتي تهدف إلى تنفيذ إصلاحات عاجلة تضع الكويت على درب تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد فقط على عائدات النفط.
وأعاقت المواجهة بين السلطة التنفيذية والبرلمان تقدم الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى الوصول إلى أسواق الديْن الدولية وإعادة هيكلة الدعم العام السخي في البلاد لمواطنيها. ودفع هذا الأمير إلى اتخاذ تدابير أكثر حزما.
وأوقف مجلس الأمة تمرير تشريع رئيسي للإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك مشروع قانون كان سيمكّن الكويت من الوصول إلى أسواق الدين الدولية. كما تعطل تشريع لإصلاح الدعم للحد من مستويات الإنفاق العام المرتفعة.
ولم تتمكن الكويت من إصدار سندات ديون منذ 2017، لأنها لم تصدر قانونا محدثا للديون العامة. ويبقى توسيع نطاق الوصول إلى أسواق الدين الدولية أساسيا لتنويع مصادر تمويل الإنفاق العام المرتفع في الكويت، الذي تدعمه عائدات النفط وتكمله عمليات سحب من صناديق الاحتياطي.
واتخذ البرلمان هذه الخطوة خشية أن تمنح البلاد المستثمرين الأجانب نفوذا للمطالبة بإصلاحات هيكلية في ميزانية البلاد وممارسات الإنفاق، ما قد يستهدف منظومة الرفاه.
وأشار تقرير صدر في التاسع من مايو، إثر زيارة خبراء صندوق النقد الدولي، إلى أن الجمود السياسي في الكويت أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي والتنويع. وذكر أن تأخير الإصلاح المستمر قد يقوض ثقة المستثمرين.
ولا يُعرف مدى استعداد الشيخ مشعل والحكومة لاتخاذ خطوات إصلاحية قوية تستجيب لانتظارات الكويتيين وتطمئن الجهات المالية الدولية والمستثمرين الأجانب حتى تتحول الكويت إلى عنصر جذب للشركات الكبرى وتواكب التنافس الإقليمي.
وقال الشيخ مشعل، ضمْن الخطاب الذي أعلن فيه حل مجلس الأمة، إن الكويت مرت بظروف صعبة خلال الفترة الأخيرة، مضيفا أن “البعض سعى جاهدا إلى غلق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير مما لا يترك لنا مجالا للتردد أو التمهل لاتخاذ القرار الصعب إنقاذا لهذا البلد، وتأمينا لمصالحه العليا، والمحافظة على مقدرات الشعب”.
وتبقى مشكلة خفض فاتورة الأجور العامة هي المحدد لمدى الإصلاحات، ما قد يعيق قدرات الكويت التنافسية مقارنة بدول مجلس التعاون الأخرى في جذب الاستثمار. وتظل التخفيضات أقل احتمالا لأنها قد تثير استياء واسع النطاق وموجة من الإضرابات.
وهناك تخوفات من حدوث ردة فعل بين الكويتيين مثلما جرى في أبريل 2016 حين أضرب الآلاف بعد تخفيضات في رواتب القطاع العام، ما دفع شركة البترول الوطنية الكويتية وشركة نفط الكويت إلى تقليص العمليات التجارية.
وحتى لو شهد الدعم تخفيضات، فمن غير المرجح أن يلغيه الأمير تماما، حيث اعتاد المواطنون الكويتيون منذ فترة طويلة على دولة الرفاه ويعتبرون الدعم وسيلة لجني فوائد ثروة البلاد.
وبينما يمكن أن تبطئ الكويت زيادة معدل الأجور وتسمح لموظفي القطاع العام بالتقاعد دون استبدالهم، إلا أن هذه التدابير تمثل إستراتيجيات طويلة الأمد. وتبقى الكويت على المدى القصير إلى المتوسط أمام خيارات محدودة لتنفيذ تخفيضات كبيرة دون المخاطرة بإثارة رد فعل شعبي كبير.
وفي حين تسعى الكويت لجلب المستثمرين الغربيين، إلا أنهم سيرغبون في أن تظهر البلاد تدفقا لإيرادات موثوقة غير نفطية، ربما بزيادة الضرائب. ولن يلقى ذلك شعبية بين نخبة رجال الأعمال في الكويت. وقد تسعى الكويت إلى رفع بعض الضرائب، إلا أن ذلك سيكون محدودا.
وستسهم الإصلاحات في وضع الكويت على طريق التنويع الاقتصادي والاستقرار، لكن سيتعين على الشيخ مشعل أن يوازن بين الحفاظ على الاستقرار والرغبة في تنفيذ تدابير التقشف التي ستفرض إصلاحات اقتصادية أكثر حدة للبلاد بهدف جذب المستثمرين الأجانب.
ويستبعد تقرير أعدّه مركز ستراتفور أن يبادر الشيخ مشعل إلى تنفيذ إجراء تخفيضات كبيرة في أجور القطاع العام، مما يعني تقييد المدى الذي يمكن أن تصل إليه الإصلاحات المطلوبة.