صراع متصاعد على منصب محافظ ديالى يهدد تماسك الإطار التنسيقي الداعم للحكومة العراقية

الصراع المتصاعد بين ائتلاف دولة القانون ومنظمة بدر على منصب محافظ ديالى، لا يمثّل بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مجرّد خلاف عابر بين طرفين داعمين لها، لكنه يعتبر تهديدا لوحدة الإطار التنسيقي الذي يمثّل ضمانة لتماسكها واستقرارها، فضلا عما تمثله مثل تلك الصراعات من عرقلة لمحاولتها تحريك التنمية في المحافظات وتحسين واقعها الاجتماعي والخدمي المتردّي.
بغداد- أشاع الخلاف المتصاعد بين ائتلاف دولة القانون بقياة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري بسبب مطالبة كل طرف بمنصب محافظ ديالى، حالة من التوتّر داخل الإطار التنسيقي الشيعي الذي يُعتبر المالكي والعامري من أبرز أقطابه.
ويشكّل الإطار مظلّة سياسية للحكومة العراقية الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني، الأمر الذي يجعل للخلافات بين مكوناته تأثيرا مباشرا على عملها وتهديدا لاستقرارها.
ولم تفلح جهود بذلها السوداني شخصيا لطي ملف محافظ ديالى، حيث لا تزال المحافظة بعد مضي خمسة أشهر على إجراء الانتخابات المحلية في العراق تدار بالوكالة رغم وضعها الحسّاس بسبب موقعها على الحدود مع إيران وكثرة التهديدات الأمنية المتربصة بها، وتعاظم المشاكل المرتبطة بالتغير المناخي وندرة المياه، الأمر الذي أثر على القطاع الزراعي الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصادها.
وشهدت الأيام الأخيرة عودة للتراشق بين دولة القانون وبدر في ظل أنباء عن قطع الطرفين للتواصل والتنسيق بينهما بشأن مختلف الملفات والقضايا باعتبارهما طرفين رئيسيين في الإطار التنسيقي.
واتّهم عباس الموسوي عضو ائتلاف دولة القانون منظمة بدر بعدم الالتزام بقرارات الإطار بشأن منصب محافظ ديالى. وقال خلال استضافة في برنامج على إحدى الفضائيات العراقية إن “استئثار بدر بالمنصب سيؤثر على الاتفاقات المستقبلية”.
وجدّد الموسوي موقف الائتلاف في التشبث بالمنصب وعدم الاستعداد للتنازل عنه قائلا “لن نتفاوض على المناصب في ديالى ولن نغيّر الاتفاقات”، مضيفا “بدر يعدون كثيرا ولا يلتزمون بالوعود”.
وترافق تصاعد الخلاف حول منصب محافظ ديالى مع تسارع الجهود لانتخاب رئيس لمجلس النواب العراقي خلفا لمحمّد الحلبوسي الذي كان قد أزيح من المنصب بحكم قضائي.
ورغم ما يبدو من تباعد وانفصال بين الملفيّن، إلاّ أنّ أوساطا سياسية قالت إنّ نوري المالكي عمل على توظيف مساعي الحلبوسي الذي يتزعّم حزب تقدّم لإيصال مرشّحه إلى رئاسة البرلمان، وعقد معه صفقة قوامها أن يقوم ائتلاف دولة القانون بدعم مرشّح الحلبوسي محمود المشهداني في مقابل دعم حزب تقدمّ لمرشح المالكي لمنصب محافظ ديالى.
لكنّ سعد المطلبي عضو ائتلاف دولة القانون نفى وجود تلك الصفقة قائلا لموقع المعلومة الإخباري المحلّي إنّ إعلان الائتلاف عن دعم مرشح كتلة تقدم مبني على قناعة وليست له أي علاقة بأي صفقة.
وعلى الطرف المقابل لا تقلّ منظمة العامري إصرارا عن ائتلاف المالكي على الحصول على منصب محافظ ديالى، متهمة دولة القانون بعدم الالتزام بما تمّ الاتفاق عليه داخل الإطار التنسيقي بشأن تقاسم مناصب مجالس المحافظات والذي قضى، حسب المنظمة، بتنازل الائتلاف عن منصب محافظ واسط، ومؤكّدة أنّ المطالبة في مقابل ذلك بمنصب محافظ ديالى لم تكن ضمن الاتّفاق وليست سوى اجتهاد شخصي من المالكي.
وقال أبوميثاق المساري القيادي في بدر إنّ المنظمة لن تتنازل عن منصب محافظ ديالى وتعتبره استحقاقا انتخابيا لها. وشرح المساري أنّ اتفاق الإطار منح منصب محافظ عن كل عشرة مقاعد في مجالس المحافظات وأنّ منظمته حصلت إلى جانب حلفائها في تحالف نبني على ثلاثة وأربعين مقعدا في المحافظات التي شاركت فيها.
واتّهم المساري ائتلاف دولة القانون بمحاولة الالتفاف على الاتفاق بعد أن تنازل الائتلاف طوعا عن منصب محافظ واسط الذي كان من استحقاقه، مؤكّدا أن “بدر غير مضطرة إلى تعويض دولة القانون”.
وإلى جانب محافظة ديالى لا تزال محافظة كركوك بشمال العراق تواجه حالة تعطيل مشابهة نظرا لتكافؤ القوى الفائزة في الانتخابات المحلية ما جعلها جميعا تطالب بمنصب المحافظ.
واتّخذ الصراع على منصب محافظ كركوك مظهرا قوميا إلى جانب مظهره الحزبي، حيث يطالب كل من الأكراد والعرب والتركمان بالمنصب.
وأبرزت عملية تشكيل الحكومات المحلية للمحافظات العراقية في ضوء النتائج المتحقّقة في الانتخابات التي أجريت في الثامن عشر من شهر ديسمبر الماضي، مجدّدا مساوئ نظام المحاصصة المتّبع في العملية السياسية بالعراق والذي يهدف في ظاهره إلى تحقيق قدر من العدالة بين القوى السياسية والمكوّنات الطائفية والعرقية بالبلاد، لكنّه أفضى عمليا إلى حياة سياسية مشوّهة كثيرا ما تنتهي إلى انسدادات وتعطيل لمؤسسات الدولة ومصالح المواطنين.
وأصبح تعطّل تشكيل البرلمانات والحكومات واختيار قياداتها ظاهرة مألوفة يشهدها العراق بعد كل انتخابات يجري تنظيمها، وذلك بسبب التنافس الشديد بين الأحزاب على المناصب، الأمر الذي يحوّل العملية إلى مزاد للمساومات وعقد الصفقات دون اعتبار لما أفرزته صناديق الاقتراع وأملته إدارة الناخبين.
وينطبق ذلك على الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث شهدت عملية تشكيل مجالس المحافظات واختيار المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات كما هو معتاد إبرام تفاهمات وعقد صفقات للفوز بتلك المناصب، الأمر الذي سهّل تشكيل حكومات محلّية لغالبية المحافظات مستجيبة لشروط المحاصصة، وليس لرغبة السكّان وإرادتهم المعبّر عنها في نتائج الاقتراع.
لكنّ التعطيل والانسداد لم يلبثا أن ظهرا عندما تعطّلت ماكنة المحاصصة وعجزت عن تحقيق مصالح مختلف القوى والأحزاب المتنافسة على المناصب والتوفيق بينها.
وغالبا ما يقود اعتماد مبدأ المحاصصة في تقاسم مناصب الحكومات المحلية للمحافظات العراقية إلى التغاضي عن معايير الكفاءة والنزاهة في اختيار المسؤولين بتلك الحكومات، الأمر الذي يشكّل عاملا إضافيا لتكريس الفساد ويفتح الباب لتحويل الأموال المخصصة للخدمات والتنموية الجهوية لمصلحة الأحزاب والميليشيات المتنفّذة.
وبالنسبة لحكومة السوداني التي أظهرت إلى حدّ الآن طموحا لإعادة تحريك عجلة التنمية شبه المتوقّفة في البلد، فإن سيطرة القوى المتنفذة على المحافظات وصراعاتها البينية على مقدّراتها تمثّلان عقبة أمام المضي في إنجاز المشاريع التنموية وتحسين مستوى الخدمات.
محافظة ديالى لا تزال بعد مضي خمسة أشهر على إجراء الانتخابات المحلية في العراق تدار بالوكالة رغم وضعها الحسّاس بسبب موقعها على الحدود مع إيران
وتواجه محافظة ديالى وضعا هشّا ومصاعب في تجاوز مخلّفات الحرب ضدّ تنظيم داعش التي شاركت فيها الميليشيات الشيعية التي لا تزال تحتفظ بسيطرتها على عدد من مناطقها التي كانت دخلتها أثناء تلك الحرب.
وتساهم تلك الميليشيات في تأمين حضور قوي لإيران في ديالى التي يعتبرها الإيرانيون جدارا أمنيا متقدّما لبلادهم وممرا مفتوحا أمام البضائع والمواد المهرّبة في الاتجاهين من سلع مقلّدة ومواد مخدّرة وأسلحة ومشتقات نفطية يتم تسريبها من العراق باتجاه الداخل الإيراني.
وتجد الأحزاب والميليشيات الشيعية مصلحة مادية مباشرة في السيطرة على مجلس محافظة ديالى كون تلك الأحزاب والفصائل المسلّحة هي من تدير بشكل رئيسي حركة التجارة والتهريب بين المحافظة وإيران المجاورة.