مصر ترفض التنسيق مع إسرائيل لإعادة فتح معبر رفح

القاهرة - قال مصدران أمنيان مصريان إن مصر رفضت اقتراحا إسرائيليا يقضي بالتنسيق بين البلدين لإعادة فتح معبر رفح بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة وإدارة عملياته المستقبلية، وذلك في مؤشر جديد على تفاقم الأزمة بين البلدين.
وعرض مسؤولون من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) الخطة خلال زيارة للقاهرة الأربعاء وسط تصاعد التوتر بين البلدين في أعقاب التقدم العسكري الإسرائيلي الأسبوع الماضي في رفح حيث يحتمي مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين شردتهم الحرب.
ويشكل معبر رفح ممرا رئيسيا لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ونقطة خروج للأشخاص الذين يجري إجلاؤهم طبيا من القطاع حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية ويلوح شبح المجاعة.
وسيطرت إسرائيل على عمليات المعبر وقالت إنها لن تسمح لحماس بتولي أي دور هناك في المستقبل.
وقال المصدران الأمنيان إن الاقتراح الإسرائيلي يتضمن آلية لكيفية إدارة المعبر بعد الانسحاب الإسرائيلي. وأضافا أن مصر تصر على أن المعبر يجب أن تديره سلطات فلسطينية فقط.
وقال مسؤول إسرائيلي طلب عدم الكشف عن هويته إن الوفد سافر إلى مصر "بشكل رئيسي لمناقشة الأمور حول رفح في ضوء التطورات الأخيرة"، لكنه رفض الخوض في التفاصيل.
ولم يرد المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية المصرية بعد على طلب للتعليق.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تصاعد التوتر بين القاهرة وتل أبيب في أعقاب دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح ما تسبب في إحراج مصر التي كانت تجهد، إلى جانب قطر والولايات المتحدة، من أجل التوصل الى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحركة حماس في الحرب المتواصلة بينهما منذ أكثر من سبعة أشهر.
وفي تصعيد مصري أعلنت القاهرة الأحد عزمها الانضمام رسميا للدعوى القضائية المرفوعة من جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية للنظر في ارتكاب اسرائيل جرائم "إبادة" في قطاع غزة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد لوكالة فرانس برس "هذه نقلة كبيرة.. لا أبالغ في أهميتها ولكن الدبلوماسية المصرية لم تعتد ذلك في عهد الرئيس (عبدالفتاح) السيسي"، مشيرا إلى أن النظام الحالي كان حريصا على الإبقاء على "شعرة معاوية" مع إسرائيل.
وأوضح أن انضمام مصر لدعوى جنوب أفريقيا يمثّل "انتقالا من مرحلة انتقاد سياسات إسرائيلية إلى المشاركة في فعل يهدف إلى تثبيت تهمة الإبادة على إسرائيل".
ومنذ أكثر من سبعة أشهر، يشهد قطاع غزة حرباً مدمّرة اندلعت بعد هجوم غير مسبوق شنّته الحركة الإسلامية الفلسطينية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر وأسفر عن مقتل أكثر من 1170 شخصا، وفقاً لأرقام رسمية إسرائيلية.
وردّاً على الهجوم، تعهّدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس، وتنفّذ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة وعمليات برية في قطاع غزة تسبّبت بسقوط 35272 قتيلا، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
ومنذ بدء الحرب، تلعب القاهرة دورا متوازنا بين جميع الأطراف المعنية تسعى من خلاله إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، والتوصل إلى اتفاق هدنة.
ولكن بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح حيث يتكدّس 1.4 مليون شخص - على الرغم من التحذيرات المصرية والدولية - والسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر الذي يعدّ نقطة العبور الرئيسية للمساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، دفع مصر إلى استخدام نبرة أكثر حدّة مع الدولة العبرية.
وزاد من تعقيد الأمور فشل مفاوضات الهدنة التي كانت تستضيفها القاهرة خلال الأسابيع الماضية.
ويقول المحلّل السياسي المصري عماد جاد إن "بدء إسرائيل عملية عسكرية في رفح سبّب إحراجا لكل من مصر وقطر كوسطاء، خصوصا بعدما أبدت حماس موافقتها على مقترح الهدنة الأخير".
وأضاف أن "مصر تتخذ خطوات تصعيدية محسوبة لإيصال رسائل إلى الجانب الإسرائيلي تفيد بـانزعاجها".
ويرى السيد أن دخول القوات الإسرائيلية "إلى رفح والمنطقة الملاصقة للحدود المصرية بالدبابات والمدرعات يشكّل انتهاكاً صارخاً لمعاهدة السلام الموقّعة بين البلدين".
وكانت مصر أول بلد يوقّع معاهدة سلام مع إسرائيل في العام 1979. ونصّت ملاحق الاتفاقية على تفاصيل دقيقة للتواجد العسكري للدولتين في المناطق الحدودية.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال مؤتمر صحافي الأحد بالقاهرة مع نظيرته السلوفينية أن "اتفاق السلام المصري الإسرائيلي يعدّ الركيزة الرئيسية في المنطقة لتحقيق السلام والأمن".
وأشار إلى وجود "آليات بالاتفاق لتناول أي مخالفات قد تكون تمّت والتعامل معها إذا وجدت"، من دون أن يصل الى حدّ اتهام إسرائيل بخرق المعاهدة.
وكتب الباحث في مركز "تشاتام هاوس" للأبحاث أحمد أبودوح في مقال نشر الإثنين على موقع المعهد البريطاني أن إعلان القاهرة في شأن الانضمام الى الدعوى أمام محكمة العدل الدولية "رمزي بشكل كبير"، مضيفا أن مصر لن تذهب الى حد "تعليق معاهدة السلام"، وهذا خيار "يعلم الجميع أنه غير مطروح على الطاولة".
ويشير السيد من جهة أخرى الى أن إغلاق معبر رفح أوقف "الدور الذي تقوم به مصر في إيصال المساعدات للفلسطينيين"، ما يزيد من إحراج الحكومة المصرية "لأنها لا تريد أن توضع في هذا الموقف الذي يقتضي منها رد فعل".
وتتبادل إسرائيل ومصر الاتهامات بتحمّل المسؤولية عن إبقاء معبر رفح مغلقا أمام المساعدات.
واتّهم شكري إسرائيل الثلاثاء بـ"ليّ الحقائق" و"التنصّل من مسؤولية" الأزمة الإنسانية في غزة.
وأضاف أنّ "إسرائيل هي المسؤولة الوحيدة عن الكارثة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة حالياً".
وتؤكد السلطات المصرية منذ بدء الحرب أنها لا تتحكّم في إدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني. وذكرت وكالات الإغاثة والمنظمات الدولية مرارا أن إسرائيل تفتش وتوافق على كل شحنة مساعدات تدخل الى غزة.
في المقابل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، إن إسرائيل تدعم "تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد" عبر معبر رفح. وتابع "نريد أن نراه مفتوحا"، مضيفا "آمل أن نتمكن من التوصل إلى تفاهم" مع مصر. وأضاف "المشكلة ليست منّا، نحن لا نعطل فتح معبر رفح".
وكتب أحمد أبودوح في مقاله إنه كان على الجيش الإسرائيلي "أن يدرك أن أي اتفاقات يتمّ التوصل إليها مع المصريين بشأن المعبر قبل هجوم رفح سوف تنهار تحت وطأة السيطرة الإسرائيلية على المعبر".
وأشار أبوالدوح في مقاله إلى مقطع فيديو تمّ تداوله على منصات التواصل الاجتماعي وأظهر مدرعة إسرائيلية تلوح بعلم إسرائيلي عملاق على محور صلاح الدين الذي يفصل بين غزة والحدود المصرية، ووصفه بأنه "استفزازي بشكل استثنائي ودفع القاهرة إلى أن تتصلّب في موقفها أكثر".