أرقام أرامكو تثير قلق السعوديين: فجوة بين النفقات والإنتاج

الرياض – تثير الأرقام التي تقدمها السعودية بشأن كميات النفط التي تنتجها وتراجع الاستثمارات التي تقوم بها شركة أرامكو التساؤلات، في حين أن دراسة قدرات المملكة في إنتاج النفط الخام وأرقام احتياطاتها على مدى سنوات عديدة تظهر أنها أقل بكثير مما هو معلن، ما يلقي بثقله على المشاريع الكبرى للمملكة.
وعكست تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان الثلاثاء هذه المخاوف غير المعلنة رسميا من خلال حديثه عن أن الصدمات الاقتصادية تدفع بلاده إلى “إعادة ترتيب أولويات” مشاريع الإصلاح، بما يعنيه ذلك من مراجعة للمشاريع الكبرى أو تأجيلها.
وقال إنّ “الصدمات” الاقتصادية العالمية، بدءا من جائحة كوفيد – 19 وصولاً إلى الحرب في غزة، دفعت بلاده إلى “إعادة ترتيب الأولويات، والنظر إلى ما نقوم به، وكيف يمكننا تحسين ما نقوم به فعليّا، وتحسين خططنا”. وأوضح أنّ منح الإصلاحات “مزيدًا من الوقت” يمكن أن يكون في نهاية المطاف أفضل للاقتصاد السعودي.
12
مليون برميل يوميا قدرة السعودية المستدامة القصوى لإنتاج النفط الخام
وتزامن الحديث المتزايد عن إعادة النظر في المشاريع الكبرى مع تراجع الظهور الإعلامي لوزير الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان الذي كان صوت الرياض الاقتصادي ومهندس صعود أوبك+ كقوة ضغط عالمية في مجال الطاقة حتى من قبل اندلاع حرب أوكرانيا.
ويؤكد إصدار نتائج أرامكو للثلاثي الأول من 2024 صعوبة المعادلة السعودية، مع بروز انقسام بين الزيادة الملحوظة في النفقات الرأسمالية خلال هذه الفترة من ناحية، وتوجيه وزارة الطاقةِ في يناير الشركةَ بإلغاء التوسع المخطط له بمقدار مليون برميل يوميا في الطاقة الإنتاجية للنفط.
ويتساءل الكاتب سايمون واتكينز في تقرير له ضمن موقع أويل برايس الأميركي “إذا كان المال موجودا للنفقات الرأسمالية الأخرى، فلماذا لا يكون موجودا لتوسيع الطاقة الإنتاجية؟ هل لأن السعودية تعرف أنها لا تستطيع زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط الخام أكثر من ذلك؟ أم لأنها لا تستطيع زيادة الطاقة الإنتاجية والإنفاق على أشياء أخرى؟”.
ويشير واتكينز إلى أن الحقيقة تكمن في مزيج من الأمرين.
وتقول السعودية إنها تمتلك قدرة مستدامة قصوى لإنتاج النفط الخام تبلغ 12 مليون برميل يوميا. لكن الحقيقة هي أنها أنتجت ما معدله 8.267 مليون برميل يوميا من النفط الخام من 1973 إلى 1 مايو 2024، وهو ما تؤكده البيانات الصادرة عن أوبك نفسها.
وتمكنت في تاريخها من إنتاج 12 مليون برميل يوميا فقط في مناسبة واحدة كانت في أبريل 2020. ثم عادت إلى 8.49 مليون برميل في اليوم. وكانت تلك الزيادة تهدف إلى تأخير تقدم قطاع النفط الصخري الأميركي الذي يشكل تهديدا مباشرا لرفاهها الاقتصادي.
ويشير مصدر رفيع المستوى في مجمع أمن الطاقة التابع للاتحاد الأوروبي إلى أن السعوديين يعتمدون لغة تعتيم متعمدة حول قطاعهم النفطي، ويتحدثون عن “القدرة” و”العرض” بدلا من “الإنتاج”.
واستنزفت السعودية تقريبا مرافق تخزين النفط خلال حرب أسعار النفط 2014 – 2016، وخفضت العقود مع الزبائن غير المتمتعين بالأولوية.
ويبدو أن الإمدادات إلى السوق تعني كذلك أي إمدادات نفطية من درجات خام مماثلة لدرجات السعودية التي يمكن للمملكة شراؤها من أعضاء أوبك الآخرين (إما مباشرة أو من خلال وسطاء) قبل أن تمررها بعد ذلك على أنها من إمداداتها الخاصة.
ووفقا لمصدر الاتحاد الأوروبي ومصدر في مجمع أمن الطاقة الأميركي وثلاثة مصادر كبيرة لوساطة النفط تحدثت إلى موقع أويل برايس فإن السعودية اشترت إمدادات كبيرة من النفط الخام من العراق ودول أخرى خلال حرب أسعار النفط 2014 – 2016، وبعد هجمات سبتمبر 2019 التي شنها الحوثيون المدعومون من إيران على منشآتها النفطية في بقيق وخريص.
ويرى واتكينز أن السعودية لا تستطيع زيادة القدرة من 12 إلى 13 مليونا، لأنها لا تملك قدرة 12 مليون برميل يوميا ولم تتمتع بها يوما، مرجحا أنها لا تملك المال لتحقيق ذلك، حيث يبقى بناء هذه القدرة والحفاظ عليها مكلفيْن.
وشدد على أن المملكة ليست غارقة في أموال النفط كما يعتقد الكثيرون، فهي لم تتعاف ماليا من الآثار المروعة التي سببتها لنفسها بحرب أسعار النفط 2014 – 2016.
وكان سعر التعادل المالي للنفط في المملكة حتى غزو روسيا لأوكرانيا في 2022 أعلى مما كانت تدفعه السوق، ما يعني أنها لم تكن تحقق ما يكفي لتغطية نفقاتها كدولة. ولم يتحسن الوضع، حيث بلغ سعر التعادل المالي 96.17 دولار للبرميل من سعر نفط برنت القياسي خلال 2024. وتوقعت السعودية عجزا في الميزانية هذا العام قدره 79 مليار ريال سعودي (21.07 مليار دولار)، وهو ما يعتقد العديد من مراقبي سوق النفط أنه متفائل للغاية.
ويُذكر أن العبء الهائل المتمثل في توزيعات الأرباح الضخمة التي ضمنتها الحكومة السعودية حتى تتمكن أخيرا من بيع ما لا يقل عن 1.5 في المئة (مقابل حصة الـ5 في المئة المخطط لها في الأصل) في الطرح العام الأولي لشركة أرامكو نفسها يزيد المعاناة المالية.
وكان هذا العرض الاستثماري يهدف إلى جذب المشاركين المحتملين في السوق المتقدمة، إلى درجة أن الحكومة السعودية اضطرت إلى ضمان دفع أرباح بقيمة 75 مليار دولار في 2020، مع كونها مقسمة بالتساوي إلى دفعات بقيمة 18.75 مليار دولار كل ربع سنة. وارتفع هذا في 2023 إلى 97.8 مليار دولار، مدعوما بأرباح إضافية “مرتبطة بالأداء”. وصُمم هذا لاستهداف 50 – 70 في المئة من التدفق النقدي الحر السنوي، وصافي الأرباح الأساسية، ومبالغ أخرى بما في ذلك الاستثمارات الخارجية، وفقا لأمين الناصر الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو.
وبلغت الأرباح الأساسية 20.3 مليار دولار خلال الثلاثي الأول من سنة 2024، وسيدعمها توزيع أرباح آخر مرتبط بالأداء بقيمة 10.8 مليار دولار، ليصل الإجمالي إلى 31 مليار دولار. وتتوقع أرامكو توزيعات أرباح بقيمة 124.3 مليار دولار هذا العام.