القناة الثقافية تفرض نفسها في المشهد الإعلامي المغربي

الرباط - يجمع المثقفون والإعلاميون على أن القناة الرابعة في التلفزيون المغربي باتت رافعة للإعلام الثقافي بمعناه الواسع، وأداة للتواصل مع حقول ثقافية وفكرية وفنية وتربوية، تتحاور فيها الذاكرات، وتتعايش فيها مختلف الأجناس الإبداعية والمرجعيات الثقافية والفكرية. وأشاد المشاركون في ندوة علمية حول موضوع “القناة الثقافية: رهان الخدمة العمومية وتحديات مجتمع الثقافة والمعرفة”، الاثنين في الرباط، بالعمل الدؤوب للقناة وسعيها إلى الاستثمار الأمثل للغنى الثقافي في المملكة والتنوع اللغوي الذي يميز المغرب، وترويج صورته الحضارية.
وشهد اللقاء الثقافي على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب تقديم كتاب “التلفزيون المغربي وصناعة القيم”، الذي أصدرته حديثا الدكتورة مونية المنصور، الصحافية في قناة الثقافية، مع مواصلة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة الاحتفاء بكفاءتها المتميزة، وأطرها التي تزاوج بين العمل السمعي البصري والكتابة والتأليف في المجالات الفكرية والبحثية الموصولة بالقطاع السمعي البصري الوطني ومسائله.
وشاركت في تقديم هذا الكتاب زهور كرام الأكاديمية والكاتبة، إلى جانب الدكتور عبداللطيف بنصفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، إذ قدما قراءة نقدية في هذا المؤلف الذي يتناول العلاقة بين التلفزيون والأسرة من حيث القيم، على ضوء مرجعيات نظرية أطّرت لوظائف الأسرة، وأخرى لامست العلاقة التفاعلية بين المشاهد والمضامين الإعلامية في التلفزيون، خاصة ما تعلق بالدراما التلفزيونية.
وأكد عبدالعزيز كوكاس، الكاتب والإعلامي، أن القناة الرابعة الثقافية نجحت خلال السنوات الأخيرة في إكساب نفسها هوية إعلامية مكنتها من فرض نفسها في المشهد الإعلامي المغربي، فتحولت إلى رافعة أساسية للثقافة بمفهومها الواسع، داعيا إلى ضرورة “توسيع دائرة التخاطب لاستهداف مختلف الحساسيات، بما يمكن من الوصول إلى شبكة برامج وسيطة، وفي ارتباط باهتمامات الشباب، في ظل مختلف التحديات التي تفرضها التحولات المتنوعة التي يعرفها المغرب والعالم”.
وترسم القناة الثقافيةُ هدفا لها التوجهَ إلى فضول المشاهدين وقدرتهم على التفاعل والحلم، مع ما يتطلبه ذلك من احترام لذكائهم. وتنطلق من هدف مركزي، يكمن في مواكبة انتظاراتهم وتلبية حاجياتهم الثقافية، وتوفير مساحات للتعبير عن مشاعرهم. وتأسيسا على ذلك تنتظم أنشطة وجهود وإبداعات وأعمال القناة الثقافية حول هذا الرهان، باعتبار القناة أداة للتواصل مع حقول ثقافية وفكرية وفنية وتربوية، تتحاور فيها الذاكرات وتتعايش عبرها الهويات، حيث يشع التاريخ وينتشر عبق الحضارة.
لذلك تسعى القناة الثقافية إلى الاستثمار الأمثل للغنى الثقافي الذي يميز بلدا مثل المغرب، الذي تمتد جذروه عميقا، في تربة التاريخ والحضارة. وتسعى إلى أن تكون منخرطة في الشأن الثقافي، لأنها جزء منه، ومن هذا المنطلق تضع إمكانياتها رهن إشارة مستخدميها، قصد الابتكار والإبداع في مسيرتهم المهنية، وتحقيق الإشباع في عملهم اليومي.
وشدد محسن بنتاج، رئيس قطاع البرامج في القناة الثقافية، على أن “الخدمة العمومية التي تقدمها القناة مؤطرة بدفتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة”، مبرزا أن “هذه القناة باتت توجد أينما وُجدت الثقافة، كما تسعى إلى تقديم منتج ثقافي هادف تدافع من خلاله عن السيادة الثقافية للمغرب، مع الترويج لصورته الحضارية”.
من جانبها سلطت فاطمة يهدي، صحافية ومعدة ومقدمة برامج في قناة الثقافية، الضوء على الدور الريادي للقناة في الدفاع عن الهوية المغربية، ومجهوداتها من أجل استقطاب أوسع فئات الجمهور، لاسيما بالخروج من النمطية في إنتاج البرامج الثقافية، مبرزة “النجاح اللافت في التوفيق بين مهام الإخبار والمواكبة الإعلامية للفعل الثقافي، وإنتاج محتويات سمعية بصرية تندرج ضمن إنتاج الثقافة”.
وتتطلع القناة الثقافية بكل تواضع إلى تقديم برامج منسجمة ومتكاملة، تجمع بين الوثائقي والحواري، لتساهم من خلال برامجها، كما نص على ذلك دفتر التحملات، في فتح وتوسيع فضاءات للتعبير والنقاش حول القضايا الثقافية والفنية والفكرية والمحلية والجهوية والعالمية، وتثمين القيم والثقافة المغربية الإنسانية.
وتعمل القناة الثقافية، استنادا إلى مقتضيات دفتر التحملات، على تتبع الأنشطة الثقافية والفنية المغربية والتعريف بها وتغطيتها، وكذلك على نشر الإبداع الثقافي الفني والمعرفي بوجه عام، بما يساهم في تمكين المشاهدين من الوصول إلى عالم الاكتشاف واكتساب المعرفة وإغنائها، ودعم المدارك المعرفية والتفتح الفكري.
ولتحقيق هذه الأهداف والنجاح في ترجمتها على أرض الواقع، في عرض تلفزيوني، كان لا بد أن تتسلح القناة بجرعة معتبرة من الثقة والحماس والإصرار والعزم، وهي في اشتغالها وأداء رسالتها تتطلع إلى أن تكون قناة مبدعة ومجددة ومتفاعلة مع محيطها، تحركها في إنجاز مهمتها دوافع الإبداع والمبادرة والجودة.