تركيا ترضخ لضرورة خفض الإنفاق لمعالجة التشوهات المالية

انحنت الحكومة التركية أمام الواقع الاقتصادي الصعب، الذي كان نتيجة سلسلة طويلة من التداعيات الممزوجة بسوء تقدير إدارة الوضع القائم بالكشف عن خطة تعلق عليها الحكومة آمالا كبيرة لمعالجة التشوهات المالية، تتمحور أساسا حول خفض الإنفاق العام.
أنقرة - دفع المسار العكسي الذي أفرزته التحديات المسؤولين في تركيا إلى إقرار خطة تهدف إلى تحقيق الانضباط المالي تحت كثرة الضغوط رغم برنامج الإصلاح الذي تنفذه الحكومة منذ قرابة العام في أعقاب فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثالثة.
وتعتزم أنقرة ترشيد الإنفاق العام وتعزيز الكفاءة في إطار خطة أعلنتها الاثنين لزيادة الادخار وستطلق فقط مشاريع استثمارية حكومية ضرورية، في خطوة جديدة لبناء الثقة في برنامج تشديد اقتصادي.
وتأتي هذه الخطوات، التي كشف عنها نائب الرئيس جودت يلماز ووزير المالية محمد شيمشك، في الوقت الذي تعود فيه تركيا إلى سياسات أكثر تقليدية، سعيا إلى تعزيز الانضباط المالي واستقرار الأسعار بعد سنوات من الاضطرابات التي أدت إلى ارتفاع التضخم.
وأثناء مؤتمر صحفي للإعلان عن الحزمة، قال شيمشك إن “الإجراءات تتضمن وقف شراء واستئجار السيارات الجديدة للمؤسسات العامة لثلاث سنوات، بالإضافة إلى وقف شراء أو بناء منشآت جديدة”.
وأوضح أن حزمة الإجراءات، التي تشمل خفض مشتريات السلع والخدمات وعلاوات الاستثمار لزيادة ضبط الإنفاق في الموازنة، ستساهم في خفض التضخم.
وقال شيمشك للصحافيين “نريد تعزيز الأسس الاقتصادية عبر ضمان الانضباط المالي كونه ضروريا لتحقيق استقرار دائم للأسعار، ولتوفير الموارد اللازمة لتغطية تكلفة الزلزال المدمر الذي وقع العام الماضي وللتحول الأخضر والرقمي”.
ووفقا لتقرير فصلي أصدره البنك المركزي الأسبوع الماضي، ارتفع التضخم السنوي إلى 69.8 في المئة في أبريل. ومن المتوقع أن يصل إلى ذروته عند معدل يتراوح بين 75 و76 في المئة في مايو الحالي قبل أن ينخفض إلى 38 في المئة في نهاية العام.
وكجزء من هذا التحول، يحاول المسؤولون أيضا تضييق العجز المتضخم في الميزانية الذي تأثر بنفقات ما قبل الانتخابات والزلزال العام الماضي.
ويقول خبراء إن التدابير الجديدة تؤكد مدى استعجال صناع السياسات الاقتصادية للحد من التضخم في أسرع وقت ممكن، والذي كبل الاستهلاك والاستثمار بشكل ملحوظ.
ويطالب المستثمرون والخبراء على مدار أشهر بأن تكون الإجراءات المالية داعمة بشكل أكبر للسياسة النقدية لإبطاء معدل تضخم الأسعار.
وأكد شيمشك أن توجيه الاستثمارات إلى المجالات الفعالة سيكون عنصرا حاسما في هذه الحزمة، و”سوف نقوم بتسريع الإصلاحات الهيكلية وإجراء العديد من الإصلاحات في المالية العامة”.
وأضاف أنه “سيتم تحقيق وفورات أيضا في التوظيف بالقطاع العام والطاقة وإدارة النفايات والاتصالات”، دون أن يذكر رقما لقيمة الوفورات التي سيتم تحقيقها.
أبرز بنود الخطة
- خفض مخصصات شراءات مؤسسات الدولة بنحو 10 في المئة
- تقليص الأموال المخصصة للاستثمارات بنسبة 15 في المئة
- الاقتصار على تعويض متقاعدي القطاع العام بموظفين جدد
ومن المقرر أن يتم تخفيض الأموال المخصصة لشراء مؤسسات الدولة من السلع والخدمات بنسبة 10 في المئة، وخفض الأموال المخصصة للاستثمار بنسبة 15 في المئة، في حين يقتصر عدد موظفي القطاع العام الجدد على مستوى المتقاعدين.
وقال شيمشك “سنساهم في خفض التضخم من خلال خطوات السياسة المالية التي تم اتخاذها اليوم”. وتابع “نحن نهدف إلى توفير المال من خلال زيادة الكفاءة في القطاع العام”.
وفي ظل التحول الكامل في السياسة منذ تولي شيمشك منصبه العام الماضي، اتبع البنك المركزي بالفعل دورة قوية لرفع الفائدة، حيث زادها بمقدار 41.5 في المئة لتبلغ 50 في المئة.
وكانت التوقعات المفرطة في التفاؤل يوما ما في ظل القيادة السابقة للمركزي بمثابة دافع للمستثمرين. ومع ذلك، يرى البنك الآن توقعاته بمثابة أهداف لتشكيل السياسة مع القيام “بكل ما يلزم” لكبح التضخم.
ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى ألتوغ أوزاسلان، الرئيس التنفيذي لشركة فورتونا كابيتال للاستشارات، قوله إن “بقاء توقعات التضخم عند 36 في المئة للربع الثاني من شأنه أن يدعم التدفقات إلى السندات المحلية إذا كانت مصحوبة بإشارة إلى تشديد إضافي”.
وتزامن إعلان خطة التقشف مع تأكيد المركزي أن عجز الحساب الجاري للبلاد اتسع خلال مارس الماضي، بمعدل تجاوز توقعات الخبراء.
وارتفعت تدفقات رأس المال غير المبررة من تركيا مرة أخرى خلال شهر ذهب فيه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، وهو تكرار لاستنزاف الأموال الذي عانت منه في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية قبل عام.
وأدت التدفقات الخارجة إلى إعاقة احتياطيات البنك المركزي بنفس المقدار تقريبا، حيث تضخم العجز في الحساب الجاري إلى نحو 4.54 مليار دولار، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط التوقعات في استطلاع بلومبيرغ للاقتصاديين.
وفي البداية، أشارت التقديرات إلى نحو 3.75 مليار دولار بالسالب، مقارنة بقيمته المعدلة التي بلغت 3.64 مليار دولار بالسالب في فبراير السابق عليه.
وبحسب مسح بلومبيرع، تراوحت تقديرات المحللين بين 5.3 مليار دولار بالسالب وحوالي 3.5 مليار دولار بالموجب.
وكانت الانتخابات الأخيرة سببا في تدفق الأموال إلى خارج تركيا، في انعكاس للقلق بشأن خطر انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية بعد فرز الأصوات. وفقدت الليرة ما يصل إلى 7 في المئة خلال يوم واحد بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي.
ومع ذلك، فإن حجم هروب رؤوس الأموال التركية في مارس يعد مفاجأة بالنظر إلى التحول نحو سياسات اقتصادية أكثر تقليدية منذ يونيو الماضي وتركيز البنك المركزي على ضمان ارتفاع حقيقي في قيمة الليرة.
وظلت الليرة على مسار مستقر نسبيا منذ الانتخابات المحلية، حيث ارتفعت بنسبة 0.5 في المئة مقابل الدولار، حتى مع تعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم لهزيمة تاريخية في بعض أكبر المدن التركية.
وكثيرا ما تصبح العملة الصعبة والذهب ملاذا مفضلا للأتراك القلقين بشأن التقلبات الاقتصادية والسياسية. وفي شهر مارس، مثلت واردات الذهب نحو ربع إجمالي العجز في الحساب الجاري.
وقال الخبير الاقتصادي المقيم في إسطنبول هالوك بورومجيكجي إن “التعديلات المالية الإضافية من شأنها أن تساعد في وضع الشؤون المالية الخارجية لتركيا على مسار أكثر استدامة من خلال تباطؤ الطلب المحلي”.
ورغم انتعاش واردات الذهب في مارس وأبريل، فإن بورومجيكجي يتوقع أن يتقلص عجز الحساب الجاري في العام 2024 بمقدار الثلث عن العام الماضي إلى 30 مليار دولار.