تجارة الصين وروسيا في اختبار تحمّل الحظر الأميركي

توعد واشنطن بملاحقة المؤسسات المالية التي تساعد روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا شكّل اختبارا لصلابة العلاقة بين بكين وموسكو.
الثلاثاء 2024/05/14
الحذر خشية التعرض للعزل

بكين- طغى الحذر على البنوك الصينية خلال الأشهر الأخيرة في التعاملات التجارية مع روسيا خشية تعرضها لعقوبات أميركية صارمة جديدة على خلفية الحرب في أوكرانيا، ما يشكّل اختبارا للصداقة “بلا حدود” بين البلدين.

وسجّلت التجارة بين الحليفين مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، ما تسبب للصين في اتهامات بأنها تساهم في إنعاش الاقتصاد الروسي، في حين من المقرر أن يقوم الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة إلى بكين في مايو الجاري.

لكنّ توعد واشنطن الأخير بملاحقة المؤسسات المالية التي تساعد موسكو على تمويل حربها في أوكرانيا شكّل اختبارا لصلابة العلاقة بين بكين وموسكو وجعل البنوك الصينية تخشى التعرض للعزل.

ألكسندر غابويف: البنوك الصينية تعمل بمبدأ الاحتراز أفضل من الندم
ألكسندر غابويف: البنوك الصينية تعمل بمبدأ الاحتراز أفضل من الندم

ويتيح أمر تنفيذي أصدره الرئيس جو بايدن في ديسمبر الماضي فرض عقوبات ثانوية على البنوك الأجنبية التي تتعامل مع موسكو، ما يسمح لوزارة الخزانة الأميركية باستبعادها من النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار.

ومنذ ذلك الحين أوقفت الكثير من البنوك الصينية التعاملات مع زبائن روس أو أبطأتها، وفق ما أفاد به ثمانية أشخاص من البلدين لوكالة فرانس برس.

وقال تاجر جملة صيني من أمام متجره الواقع في مركز تجاري كبير وسط بكين هذا الأسبوع “في الوقت الراهن من الصعب إدخال أموال مصدرها روسيا”.

وأوضح بينما كانت مجموعة من السياح الروس تتجوّل بين رفوف عرضت عليها أجهزة إلكترونية وحقائب جلدية وسلع أخرى “البنوك لا تقدم الأسباب، لكن قد يكون ذلك عائدا إلى التهديد (بفرض عقوبات) من أميركا”.

ويقول التجار إن البنوك تفرض ضوابط إضافية على التسديدات العابرة للحدود لتجنب التعرض لعقوبات، وهي عملية يمكن أن تستغرق أشهرا وقد أدت إلى زيادة التكاليف، ما أثار أزمات تدفق نقدي في شركات الاستيراد والتصدير الصغيرة.

وقال تاجر آخر لوكالة فرانس برس، طالبا عدم كشف اسمه، إنهم اضطروا إلى وقف عملياتهم في الصين والعودة إلى روسيا لأنهم “لا يستطيعون الحصول على أي أموال من الزبائن”.

ويتزامن ذلك مع تراجع الصادرات الصينية إلى روسيا خلال الشهرين الماضيين، مقارنة بالارتفاع الذي شهدته مطلع العام الحالي.

وأوضح بافيل بازانوف، وهو محام يعمل لحساب شركات روسية في الصين، أنه “بالرغم من أن فرض العقوبات كان يهدف إلى عرقلة تصدير بعض السلع من الصين، فقد كان لها بعض التأثير على التجارة العادية”.

وازدهرت التجارة بين الصين وروسيا منذ غزو أوكرانيا وبلغت 240 مليار دولار عام 2023، وفق أرقام إدارة الجمارك في بكين.

لكن التقارير التي تفيد بأن الشركات الروسية تواجه صعوبة من أجل تسوية المدفوعات مع البنوك الصينية بدأت تنتشر في وسائل الإعلام الروسية مطلع 2024.

240

مليار دولار حجم التجارة بين البلدين منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وفق الجمارك الصينية

وأقر الكرملين بهذا المشكلة في فبراير الماضي، وانتقد الناطق باسمه دميتري بيسكوف لاحقا الضغوط الأميركية “غير المسبوقة” على الصين. من جهتها لم تعترف بكين بوجودها، لكنّ وزارة خارجيتها صرّحت لوكالة فرانس برس بأنها تعارض “العقوبات الأميركية أحادية الجانب وغير القانونية”.

لكن في الكواليس تعمل البنوك الصينية على ضمان ألا تصبح مستهدفة بالعقوبات، وفق ما يقوله محلّلون.

وقال ألكسندر غابويف، مدير مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا في برلين، “معرفة ما إذا كانت المدفوعات مرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري الروسي تشكل تحديا كبيرا للشركات والبنوك الصينية”. وأوضح لوكالة فرانس برس “أنها تعمل وفق مبدأ الاحتراز أفضل من الندم، ما يقلل حجم التعاملات”.

وتحدث الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره بوتين كثيرا عن الصداقة “غير المحدودة” بين بلديهما، فيما أعلن الرئيس الروسي خلال منتدى أعمال الشهر الماضي أنه سيقوم بزيارة إلى الصين في مايو.

وقال وليام بوميرانز من مركز ولسون إن “تباطؤ النمو المحلي في الصين حفّز بكين على عدم التسبب في المزيد من الضرر لاقتصادها”.

ويرى خبراء آخرون أن التدابير الجديدة للبنوك الصينية تعكس رغبة بكين في تصحيح علاقتها مع الولايات المتحدة قبل الانتخابات المقررة هذا العام.

وشهدت العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم استقرارا في الأشهر الأخيرة بعد خلافات استمرت سنوات حول التجارة والتكنولوجيا ومجالات أخرى.

وقال رئيس معهد الشؤون الدولية في جامعة رنمين الصينية وانغ ييوي إن “المسؤولين الصينيين ربما وجهوا البنوك إلى التباطؤ في التعاملات المالية الروسية للتأكد من أنها لا تثير قضية خلافية تؤثر على الانتخابات الأميركية”.

أما الباحث في العلاقات الدولية شين دينغلي فأكد أن “الصين لن تكون غبية” إلى درجة السماح لبنك رئيسي بتمويل حرب روسيا. وأضاف “لن تمنح الولايات المتحدة خيار فرض عقوبات كاملة”.

ويعتقد شق من الخبراء أنّ جزءا من الحل قد يكون خطوة روّجت لها دول حريصة على أن تكون بمنأى عن العقوبات الأميركية، وهي أنظمة مالية مستقلة عن الدولار الأميركي.

وقالت ألكسندرا بروبوبنكو، المستشارة السابقة في البنك المركزي الروسي، لوكالة فرانس برس إن انعطاف روسيا نحو آسيا في زمن الحرب أظهر “حسن سير نظام للتعاملات العابرة للحدود بالعملتين اليوان والروبل”.

وأضافت أن “النظام يسمح للبنوك بتخطي الأنظمة المالية التقليدية مثل نظام سويفت، ما يحميها من تأثير العقوبات”.

وأشارت بروبوبنكو إلى أن مواطن الخلل الحالية في آليات الدفع هذه تظهر أن هذا النهج “ليس الحل”، مضيفة “لكنّ موسكو وبكين تعرفان جيدا طريقة تكييف العمليات مع بيئة دائمة التغير”.

10