لاهور شيخ جنكي يكشف وجود ظاهر وباطن في موقف الاتحاد الوطني من تأجيل الانتخابات

موعد الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق والذي شكل إلى حد الآن سببا إضافيا للتجاذب والصراع بين أكبر حزبين في إقليم كردستان العراق، لا يستبعد أن يتحوّل فجأة إلى موضع وفاق بينهما، ذلك أن تعطيل الاستحقاق الانتخابي والإبقاء على الأوضاع في الإقليم كما هي يضمنان للحزبين الغريمين عدم صعود منافسين جدد لهما مستفيدين من الامتعاض الشعبي من أدائهما.
السليمانية (العراق) - أبرزت تصريحات للسياسي الكردي العراقي لاهور شيخ جنكي حالة من الارتباك داخل صفوف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن الموقف من إجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق المقرّرة للعاشر من شهر يونيو القادم والتي يطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بتأجيلها بعد أن كان قد أعلن عن مقاطعته لها احتجاجا على قرارات كانت اتخّذتها المحكمة الاتحادية بشأن قانونها والدوائر الانتخابية التي ستجرى فيها والهيئة المكلفة بالإشراف عليها.
وتمسّك الاتحاد الوطني، بحسب ما تظهره تصريحات كبار مسؤوليه إلى حدّ الآن، بعدم التأجيل مؤكّدا عدم انخراطه في أي مفاوضات تتعلّق بذلك، لكنّ تصريحات شيخ جنكي زعيم حزب جبهة الشعب كشفت وجود ظاهر وباطن في موقف حزب الاتحاد.
وقال شيخ جنكي الذي تتحدّث مصادر سياسية في إقليم كردستان العراق عن صعود لافت في شعبية حزبه الناشئ مستفيدا من حالة الامتعاض الشعبي من أداء الحزبين الكبيرين والغريمين التقليديين، الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني، وانغماسهما المبالغ فيه في الصراع على السلطة على حساب أدائهما في إدارة شؤون الإقليم والاعتناء بشؤون سكّانه، إنّ هناك اتفاقا خفيا بين الاتحاد والديمقراطي على تأجيل الانتخابات.
كما كشفت تصريحات زعيم جبهة الشعب الذي يُرجّح أن لديه قدرا من الاطلاع على كواليس حزب الاتحاد الوطني ومطبخه السياسي الداخلي باعتباره كان أحد قياداته قبل أن يستقل عنه ويؤسس حزبه الجديد، عن انقسام داخل الاتحاد بشأن الموقف من تأجيل الانتخابات.
وأشار شيخ جنكي في مؤتمر صحفي إلى أن “قسما من قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني كان مع تأجيل الانتخابات”، مؤكّدا قوله “أنا أعرف أن قوباد طالباني (القيادي في الاتحاد الذي يشغل منصب نائب رئيس حكومة إقليم كردستان) عقد اتفاقا مع الحزب الديمقراطي لتأجيل الانتخابات”، موضحا أنّ ذلك يأتي “على الرغم من أن الاتحاد الوطني يعلن بين وقت وآخر أن إجراء الانتخابات في موعدها خط أحمر ولا يجوز تأجيلها”.
وفي أحدث موقف له بشأن انتخابات إقليم كردستان العراق، عبّر قوباد طالباني عن قلقه من المساعي التي تبذل لتعطيل الاستحقاق الانتخابي، معتبرا أن “تأجيل وتعطيل الانتخابات يلحق أضرارا بمكانة ومؤسسات الإقليم لا يمكن تعويضها”.
وكان قوباد طالباني يتحدّث خلال اجتماع عقده مع جنين بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق مؤكّدا قوله “يجب إجراء الانتخابات في الموعد المحدد لها، وعدم ترك مستقبل الإقليم وحياة ومعيشة مواطنيه في مصير مجهول”.
وعلى الطرف المقابل كشف مصدر في الحزب الديمقراطي الكردستاني عن وجود اتفاق مع حزب الاتحاد الوطني على عقد اجتماعات في قادم الأيام للاتفاق بشأن الانتخابات. وقال المصدر الذي نقل عنه موقع المعلومة الإخباري المحلّي إن “اتصالات جرت بين قيادات في الحزبين للاتفاق على جدول اجتماعات لإنهاء مشكلة انتخابات الإقليم”، موضّحا أن “الطرفين متفقين على ضرورة حل هذا الموضوع ومشاركة الجميع في الانتخابات”.
ولم تشكك تصريحات شيخ جنكي فقط في مدى صدقية مواقف وتصريحات المسؤولين في حزب الاتحاد الوطني من قضية تأجيل الانتخابات، لكنها أثارت التساؤلات أيضا عن مدى تماسك مواقف قيادات الحزب وتنسيقها فيما بينها بشأن القضية.
وقال شيخ جنكي “لا أعرف إذا كان بافل طالباني (رئيس حزب الاتّحاد) يعلم بهذا الاتفاق أم لا، فإذا كان لا يعلم فذلك عيب وإذا كان يعلم فذلك العيب الأكبر”.
وكان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني قد كسب جولة في صراعه ضد غريمه الحزب الديمقراطي عندما استجابت المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق للدعوى التي رفعها، وقامت بإلغاء المقاعد المخصصة للأقليات في برلمان الإقليم وفقا لنظام الكوتا وقرّرت إجراء الانتخابات في أربع دوائر بدلا من الدائرة الواحدة المعمول بها سابقا وأسندت الإشراف على الانتخابات القادمة إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (اتحادية) بدلا من الهيئة المحلية المرتبطة بسلطات الإقليم.
رغم حدّة التجاذبات بين أكبر حزبين في كردستان العراق، إلاّ أن مراقبين لا يستبعدون أن يتحوّل تعطيل إجراء انتخابات برلمان الإقليم إلى مصلحة مشتركة جديدة بينهما
لكنّ ذلك المكسب بدا ظرفيا إلى حدّ بعيد، حيث بدأت الضغوط التي فرضها الحزب الديمقراطي بإعلانه مقاطعة الانتخابات والاتصالات المكثّفة التي أجرتها قيادته مع جهات فاعلة في المشهد السياسي العراقي وذات نفوذ كبير في السلطة الاتحادية، وهي اتصالات امتدت إلى خارج العراق وتحديدا إلى إيران ذات الكلمة المسموعة لدى القوى الشيعية الحاكمة في العراق، تؤتي ثمارها، إذ يبدو أن الحزب قد حصل فعلا على وعود بتأجيل الاستحقاق الانتخابي ريثما يتم إيجاد مخرج مناسب من الأزمة التي تسببت بها قرارات القضاء الاتحادي العراقي.
وفي أول خطوة عملية باتّجاه التأجيل علّق القضاء العراقي قبل أيام بشكل مؤقّت الإجراءات الجاري تنفيذها استعدادا لتنظيم الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان. وبدت الخطوة بمثابة تمهيد مقنّع لتأجيل الاستحقاق الانتخابي وبداية مخرج من القضية التي تحوّلت إلى مأزق. وتعني استجابة القوى والشخصيات العراقية النافذة في السلطة الاتحادية، وكذلك المؤسسات العراقية، لمطالب الحزب الديمقراطي بشأن انتخابات الإقليم، أن غريمه الاتحاد الوطني بات في موقف صعب ما يفسر الارتباك الذي كشف عنه شيخ جنكي وبات يميز موقف قيادات الاتحاد من مسألة تأجيل الانتخابات.
وتحدّث رئيس حزب جبهة الشعب أيضا عن قضية تحديد موعد جديد لإجراء انتخابات برلمان كردستان في حال تأجيلها، لافتا إلى أن “الفترة القانونية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ستنتهي في شهر يوليو المقبل ومن الصعب أن يلتئم مجلس النواب العراقي لتمديد عمر المفوضية. كما أن القانون لا يجيز تمديد عمر المفوضية أكثر من مرة واحدة، وفي حال تأجيل انتخابات كردستان سيكون تحديد موعد جديد لها مرتبطا بالمفوضية الجديدة”.
ورغم حدّة التجاذبات بين أكبر حزبين في كردستان العراق، إلاّ أن مراقبين لا يستبعدون أن يتحوّل تعطيل إجراء انتخابات برلمان الإقليم إلى مصلحة مشتركة جديدة بينهما، فحزب الاتحاد الذي لا يأمل أن تحمل له الانتخابات الكثير من المكاسب على حساب غريمه الديمقراطي، لا يهمل في المقابل صعود منافس جديد له في مجال نفوذه متمثلا في حزب جبهة الشعب بقيادة شيخ جنكي والذي تتحدّث المصادر عن نجاحه في استقطاب عدد من نشطاء ومنتسبي الأحزاب الأخرى الممتعضين من أداء أحزابهم الأصلية وخصوصا حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي يحتفظ شيخ جنكي بعلاقات وثيقة مع الكثير من أعضائه، بينما أظهر استطلاع للرأي أجرته قبل فترة صحيفة آوينه (المرآة) الكردية في عدة مناطق ومدن بإقليم كردستان العراق، احتلال جبهة الشعب المرتبة الثالثة في عدد المقاعد البرلمانية في حال أجريت الانتخابات. كما حمل الاستطلاع إشارة حمراء للحزبين الكبيرين والغريمين عندما أظهر أن ما نسبته ثلاثة وتسعون في المئة من المستطلعة آراهم لم تعد لديهم قناعة وثقة بالعملية الانتخابية والحياة البرلمانية في الإقليم.