وجهان لصحافي اليوم: محترف في الصحيفة وهاوٍ على فيسبوك

تونس - يشهد الوسط الإعلامي التونسي نقاشا واسعا حول مسألة إبداء الرأي وحرية التعبير على الحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي ومدى تواؤمها مع الحياد المهني للصحافيين وتأثيرها على مصداقية وسائل الإعلام التي يعملون لديها، إذ أن هذه القضية تعتبر مثيرة للجدل في كل العالم وليس في تونس وحدها.
وكشفت دراسة أعدتها مديرة معهد الصحافة وعلوم الإخبار حميدة البور، شملت حسابات عدد من الصحافيين على شبكات التواصل الاجتماعي، أن هناك مهنيين من أهل القطاع يعتقدون أنه على الصحافي أن يستمر في التصرف بمهنية على شبكات التواصل الاجتماعي، في المقابل يعتقد البعض الآخر أن منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك تمثل مساحة شخصية مستقلة عن التزاماتهم كصحافيين.
وأضافت مديرة المعهد في مداخلة ألقتها الخميس حول “الإعلام والأخلاقيات الصحفية” في إطار الدورة 11 للملتقى الدولي بجامعة منوبة، الذي نظم تحت شعار “الحرية والمسؤولية”، أن الدراسة بينت أيضا أن بعض الصحافيين في وسائل الإعلام يؤيدون فكرة أن ينخرط الصحافي في شبكات التواصل الاجتماعي، في حين يرى البعض الآخر ضرورة أن يكون متحفظا في إبداء مواقفه.
ويجري في الأوساط المهتمة اليوم نقاش قديم جديد، بشأن وضع ضوابط للصحافيين المهنيين في ما يتعلق بنشر محتوى على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، بين من يعتبره حدا من حقهم في الحرية الشخصية وحق التعبير كأحد الحقوق الأساسية للأفراد في فضاءات غير ملزمة لمؤسساتهم، وحق الجمهور كذلك في معرفة جوانب موضوعية مختلفة، ومن يقر بأن الأمر يقع تحت مسؤولية المؤسسات التي يشتغلون لفائدتها، خصوصا إذا كان المحتوى يتعارض مع مصالح مؤسساتهم ويضر بمصداقيتها وعلاقاتها العامة.
وقال رئيس مركز تطوير الإعلام عبدالكريم الحيزاوي إنه من الصعب تحقيق معادلة “حرية الصحافة والمسؤولية” أو ما نسميه اليوم بـ”مساءلة الإعلام” تجاه الجمهور، معتبرا أن حرية الصحافة تمكن من إسداء خدمة عامة للمواطن.
ودعا إلى ضرورة مناقشة سبل تكريس حرية الصحافة بهدف ضمان تقديم خدمة للمواطنين مع ترسيخ ثقافة “التعديل الذاتي” لوسائل الإعلام، مبرزا ضرورة مراجعة ميثاق أخلاقيات المهنة الذي وضعته النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، حتى يستجيب بشكل أفضل للتحديات الأخلاقية المستجدة التي تواجه أهل المهنة.
وتطرق الحيزاوي إلى مبدأ المساءلة كشكل من أشكال التعديل الذاتي الذي من شأنه أن يمكن من كسب ثقة الجمهور والتقليص من حالات اللجوء إلى القضاء، معتبرا أن المساءلة من شأنها أن تتيح للمواطنين فرصة المشاركة في عملية صنع المحتوى، وبالتالي كسب دعمهم.
وقد تم في هذا الإطار إحداث “مجلس الصحافة” في تونس منذ عدة سنوات، كإحدى آليات المساءلة، بهدف تجنب المثول أمام المحاكم بالاستناد الى قوانين جزائية خارج المرسومين 115 و116.
وتختلف حقوق الصحافي في ما يتعلق بنشر محتوى على حساباته الشخصية في الشبكات الاجتماعية من بلد إلى آخر، وتخضع للسياسات والقوانين المحلية وسياسات ومرجعيات المؤسسات التي يعمل لديها وخصوصياتها ومؤشرات التنمية والديمقراطية والحرية، ومع ذلك تفرض غالبية المؤسسات الصحافية بما فيها الكبرى بروتوكولا صارما في هذا الخصوص حفاظا على حياديتها ونزاهتها، رغم أن هذا الموضوع مازال في حاجة إلى المزيد من النقاش المهني، خصوصا مع التغيرات الهيكلية التي أضحت تطرح على الصحافة التقليدية بفعل التطور الرقمي.
ويواجه الصحافيون تحديات متعلقة بفلترة المحتوى الموجود على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدير الثقة والقيمة الإخبارية لهذا المحتوى، وأيضا من بين مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي الإضرار بسمعة أو مصداقية المؤسسات الصحفية أو الصحافيين من خلال انتهاك معايير الموضوعية والنزاهة، کما أن الصحافيين يرون أن الجمهور يقدر الصحافيين الذين يقومون بالتعليق على الأخبار والأحداث ولا يكتفون بمجرد النشر فقط.
تختلف حقوق الصحافي في ما يتعلق بنشر محتوى على حساباته الشخصية في الشبكات الاجتماعية من بلد إلى آخر
ففي عام 2017 أعلنت صحيفة نيويورك تايمز عن سياسة جديدة تتعلق بعلاقة صحافييها المهنيين بوسائل التواصل الاجتماعي بغية توفير إطار يوجه استخدام الشبكات الاجتماعية لدى الصحافيين ويساهم في حفظ مصداقية ومهنية الصحيفة والجودة في تغطية الأخبار.
وتضمنت سياسة نيويورك تايمز أربع “لاءات” لصحافييها وهي “لا تكتب شيئا في مواقع التواصل الاجتماعي لا تستطيع كتابته في الصحيفة، ” لا تنشر آراء سياسية منحازة”، “لا تؤيد أي جهة سياسية”، و”لا تكن طرفا في نقاش قضايا تسعى الصحيفة لتناولها بموضوعية”.
كما تفرض هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” قيودا واضحة في هذا الشأن، إذ يتبع صحافيوها إرشادات واضحة في ما يتعلق بعلاقتهم بمواقع التواصل الاجتماعي بهدف ضمان موضوعية ومهنية الصحافيين والحفاظ على سمعة الهيئة، ومن بين ذلك الابتعاد عن أي تصريح أو سلوك قد يعرضان موضوعيتهم للشك، والحذر من مشاركة الآراء الشخصية أو الانحياز على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويجادل الكثيرون بأن المهنية والمعايير الصحفية هما المقياس الحقيقي الذي يميز الصحافي المحترف عن الناشط والدخيل، ويعتبر حق الحرية الشخصية وحق التعبير من الحقوق الأساسية للأفراد. وبالتالي قد يكون للصحافي المهني الحق في نشر المحتوى الذي يشاء على حساباته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، طالما أنه لا يتعارض مع سياسات ومتطلبات ومصالح وصورة الصحيفة أو المؤسسة التي يعمل لديها.
واعتبرت رئيسة مجلس الصحافة اعتدال المجبري أن الانتهاكات الصارخة لأخلاقيات المهنة التي يرتكبها بعض “الدخلاء” على المهنة وبعض الصحافيين المبتدئين الذين يفتقرون إلى الثقافة القانونية، تفسر “حالة الاحتراز” إزاء وسائل الإعلام، مؤكدة أن التحدي الراهن يتمثل في تحقيق المعادلة بين أخلاقيات الصحافة وحرية الصحافة، وهو ما يقتضي اليوم مراجعة أساليب التكوين وملاءمتها مع الواقع الجديد للقطاع.
من جهتها لاحظت جهان اللواتي، عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، في مداخلتها أنه في ظل غياب الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وهياكل التعديل الذاتي أصبحت وضعية حرية الصحافة في تونس “أكثر صعوبة من أي وقت مضى”، مشيرة إلى دور الصحافي في كشف “الحقيقة المشوهة” على شبكات التواصل الاجتماعي.