القطاع الخاص في متاهة تناقض تقديرات مصر والمؤسسات العالمية

حذر مستثمرون من أن استمرار تدني مؤشر القطاع الخاص غير النفطي في مصر قد تترتب عليه عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة، إذا استمر الوضع من دون تنفيذ إصلاحات ترددها الحكومة دائما بشأن إفساح المجال أمامه وتوسعة مشاركته في النشاط الاقتصادي إلى مدى كبير.
القاهرة - يؤكد الواقع أن ثمة اتساعا بين تقديرات القاهرة والمؤسسات العالمية بشأن القطاع الخاص بعدما شهدت الفترة الماضية مواصلة انكماشه ضمن مؤشر مديري المشتريات لمجموعة “ستاندرد آند بورز غلوبال” الأميركية.
وتعددت التصريحات الحكومية بشأن تمكين الكيانات الخاصة من جانب رئيس الوزراء، ووزراء المجموعة الاقتصادية، خلال السنوات الماضية، منها تصريحات رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بأن بلاده تدعم القطاع الخاص بقوة عبر إصلاحات بلغ عددها 144 إجراءً خلال الفترة من مايو 2022 وحتى سبتمبر 2023.
وأشارت تصريحات عدد من الوزراء إلى أن نسبة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد اتسعت وسوف تصل إلى نحو 75 في المئة خلال العام المقبل.
وجاء تقرير المؤسسة العالمية مخالفا لذلك، حيث كشف مديرو المشتريات عن تراجعه في مصر إلى 47.4 نقطة في أبريل – نيسان المنقضي من 47.6 نقطة في مارس، للشهر الـ41 على التوالي، وتعرضت الطلبات الجديدة لقيود بسبب ضعف الطلب وزيادة الأسعار وتقلب العملة.
وتبني المؤسسة العالمية (ستاندرد أند بورز غلوبال) تقريرها وفق الواقع العملي للشركات وحسب آراء المديرين، بينما الحكومة تتحدث عن آمال وطموحات منذ نحو 3 سنوات لم يتحقق منها المأمول بدليل عدم تفعيل برنامج الطروحات الحكومية بصورته الكاملة.
ويعني انكماش القطاع الخاص كذلك عدم التوسع في الاستثمارات من جانب الشركات، وعلى الرغم من أن الآمال كانت معلقة على توفير العملة الصعبة للشركات من أجل الانطلاق، لكن هذا لم يتحقق بعد تحرير سعر العملة، بل جاءت النتائج عكسية لارتفاع التضخم الذي يعد العدو الأكبر لانطلاق الكيانات الخاصة.
ومع ظهور البيانات الحكومية المتعلقة بالتضخم عن شهر أبريل الماضي، والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إذ كشفت عن تراجعه في مصر على أساس سنوي إلى 31.8 في المئة من 33.1 في المئة خلال مارس – آذار الماضي، يدور تساؤل بشأن تأثير ذلك بالإيجاب على القطاع الخاص.
ويرى محللو اقتصاد أن ذلك لن يترتب عليه ارتفاع مؤشر مديري المشتريات في البلاد أو وصوله إلى نقطة التعادل بين الهبوط والصعود، كون ذلك يرتبط باستمرار انخفاض التضخم لنحو شهرين أو ثلاثة أشهر على الأقل، لتظهر فعاليته على قرارات الاستثمار لدى القطاع الخاص.
ويحتاج القطاع الخاص إلى محفزات كبيرة من أجل التوسع والانطلاق، ويتغير وضع مؤشر مديري المشتريات في البلاد الذي يقيس مدى توسع أو انكماش ذلك القطاع.
ومؤشر مديري المشتريات الرئيسي هو رقم يتراوح بين صفر و100 فإذا كان أعلى من 50 يمثل توسعًا بالمقارنة مع الشهر السابق، لكن إذا تمت قراءته بأقل من 50 فذلك يمثل انكماشا، والقراءة عند 50 تشير إلى عدم وجود تغيير.
قال محمود برعي، الأمين العام لجمعية مستثمري السادس من أكتوبر، وتضم ثاني أكبر منطقة صناعية في مصر، إن تعديل ترتيب مؤشر مديري المشتريات ربما لن يتغير طالما توجد مصانع متعثرة ومستثمرون عاجزون عن تشغيل مصانعهم.
وطالب في تصريحات خاصة لـ”العرب” بضرورة تدشين صندوق لدعم المصانع المتعثرة في مصر، حيث لم تُحل أزمة تلك المصانع منذ سنوات عديدة، موضحا أن السلطات تحرص على تفعيل ودعم صندوق إعانات الطوارئ للعمال، لكن صندوق إقالة المصانع من عثرتها (محلك سر)، أي لا يحرز تقدما.
وحسب الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين الذي يضم في عضويته أكبر المستثمرين بالقطاع الصناعي في البلاد، يوجد في مصر نحو 10 آلاف مصنع متعثر منذ عام 2011، ولم يتم حلها حتى الوقت الراهن.
وأوضح برعي أن السلطات المصرية اتخذت قرارات مؤخرا من شأنها تقييد توسعات وعمل القطاع الخاص مثل زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين وزيادة الحد الأدنى لإعانة الطوارئ للعمال التي تعني مساهمات أكبر بالصندوق، وهي عبء على الكيانات الخاصة.
ويرى بعض الخبراء أن إهمال ذلك القطاع له عواقب وخيمة من الناحية الاقتصادية بتراجع معدلات النمو والناتج المحلي للبلاد، أو الجانب الاجتماعي بانخفاض معدلات البطالة وزيادة طابور العاطلين.
وتعد الصناعة قاطرة التنمية، والقطاع الخاص هو المصدر الأول للتوظيف، بالتالي على الحكومة أن ينصب تركيزها على هذا القطاع عبر توفير السوق الملائمة لبيع المنتجات والبحث عن حلول لفك تقييد الاستثمار، خاصة ما يتعلق بالسياسات النقدية التي تُحجم القطاع الخاص.
وتبدو الحكومة مضطرة إلى رفع سعر الفائدة لكبح جماح التضخم الناشئ عن تحرير سعر الصرف، وتعويض المستثمرين عن ذلك الارتفاع بالمبادرات المتعلقة بالقطاعات الإنتاجية، وإن كانت ثمة شكاوى من المستثمرين ببطء تنفيذها حتى الوقت الراهن.
أكد هشام كمال، رئيس جمعية مستثمري “الألف مصنع”، أن القطاع الخاص في مصر يواجه عقبات تعرقل توسعه، مع عدم التناغم بين السياسات المالية والنقدية في البلاد، وثمة مخاوف من الإقبال على مبادرات التمويل التي تطرحها البنوك خوفا من التخلف عن سدادها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن من العراقيل أيضا أن الاقتصاد المصري لا يزال يرتبط كليا بالدولار، ولم تنكشف التعاملات التجارية عنه كما كانت تُعلن الحكومة أنها ستخفف التعامل بالدولار بعد الانضمام إلى مجموعة “بركس”، لكن ذلك لم يحدث، الأمر الذي يعمق معضلة ارتفاع الأسعار.
ولفت إلى أن غالبية الشركات والمصانع متأثرة بالحالة الاجتماعية السائدة في السوق المحلية، إذ يبحث المواطنون عن إشباع الرغبات الأساسية فقط، وهو عامل من شأنه تقييد توسعات القطاع الخاص واستمرار تراجع مؤشر مديري المشتريات.