هل تخلّى النظام السوري عن سياسة ضبط النفس في التعاطي مع حراك السويداء

يجد حراك السويداء نفسه أمام لحظة فارقة، مع إظهار النظام السوري توجها لاستخدام الخشونة ضده بعد أن التزم طيلة الأشهر الماضية سياسة ضبط النفس على أمل امتصاص غضب المنتفضين، وهو ما لم يحصل.
السويداء (سوريا) - شهدت ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء الجمعة مظاهرات احتجاجية حاشدة، رفضا للتعزيزات العسكرية التي دفعت بها الحكومة السورية إلى المحافظة الواقعة جنوبي البلاد خلال الأيام القليلة الماضية.
ويخشى أهالي السويداء من إقدام القوات السورية على استخدام القوة ضدهم، حيث تشي التعزيزات العسكرية الضخمة التي تم استقدامها، بأن هناك مخططا يجري التحضير له لاقتحام المدينة، واستهداف المحتجين.
وحرصت الحكومة السورية منذ اندلاع الاحتجاجات في المدينة ذات الغالبية الدرزية في أغسطس الماضي على اعتماد سياسة ضبط النفس، والابتعاد عن أيّ استفزازات من شأنها تأجيج الأوضاع، خشية تكرار سيناريو 2011، لكن إقدام مجموعات أهلية مؤخرا على احتجاز عدد من الضباط بينهم عقيد، ردا على اعتقال طالب من المدينة في محافظة اللاذقية الساحلية حيث يدرس، أدى على ما يبدو إلى تحول في المقاربة الحكومية.
وتضغط قوى وأقلام موالية للنظام السوري من أجل التحرك واستخدام القوة ضد المحتجين في السويداء، معتبرين أن ما يجري في المدينة مخطط أجنبي هدفه تقسيم باقي مناطق سوريا إلى كانتونات كما هو حاصل في شمال شرق البلاد (الإدارة الذاتية الكردية) وشمال غربها (تحت إدارة هيئة تحرير الشام)، وهو ما ينفيه بشدة المحتجون.
وأكد المحتجون الجمعة على تمسكهم بمطالبهم القاضية برحيل نظام الرئيس بشار الأسد وتطبيق القرار الأممي رقم 2254، مؤكدين على أن التعزيزات القادمة من دمشق لن تثنيهم عن مواصلة حراكهم.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة أظهرت توافد المتظاهرين إلى الساحة من مختلف قرى ومدن السويداء.
المشاهد باتجاه ساحة الكرامة وداخلها تحاكي الأيام الأولى لانتفاضة السويداء الداعية إلى التغيير ورحيل النظام
ورفع المتظاهرون شعارات من قبيل “جيش الأسد ما يخوفنا” و”الموت ولا المذلّة”، ورفعوا لافتات تؤكد أن الحشود العسكرية مكانها على الجبهة والحدود وليس في داخل السويداء.
وحمل عدد من المحتجين أغصان زيتون وسنابل قمح في وسط الساحة للتأكيد على سلمية حراكهم مشددين على أنهم دعاة سلم لا حرب.
وذكرت شبكة “السويداء 24” أن الزخم الكبير جاء رداً على إرسال تعزيزات عسكرية إلى مناطق متفرقة في المحافظة.
وأضافت أن “المشاهد باتجاه ساحة الكرامة وداخلها تحاكي الأيام الأولى لانتفاضة السويداء الداعية إلى التغيير السياسي ورحيل النظام”.
ويعتقد مراقبون أن الحراك في السويداء أمام محك مفصلي لاسيما في حال قرر النظام التعاطي معه بخشونة.
واعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي فايز القنطار أن “إرسال النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى محافظة السويداء أمر يبعث على القلق، خصوصا في غياب أيّ رد فعل من القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، خاصة التي لديها قوات على الأرض”. وقال الأكاديمي الذي ينتمي إلى محافظة السويداء في تصريحات صحفية “لم نسمع أو نشاهد صدور أيّ تنبيه أو تحذير لرأس النظام، الأسد، من مغبة محاولة الاعتداء والهجوم على المظاهرات السلمية التي تشهدها السويداء منذ عدة شهور”. وأكد القنطار أنه من “الصعب التكهن بالأهداف التي يرمي إلى تحقيقها النظام من وراء إرسال مثل تلك الحشود، لكن إرهاب المحتجين يعد من أهم غاياته، خاصة بعد أن رفض أهالي المحافظة الاعتقالات التعسفية الإجرامية، والتي تعد بالأساس جزءا من طبيعة ذلك النظام منذ سيطرته على الحكم”.
وشدد على أن “احتجاز عناصر من النظام كان الخيار الوحيد المتاح لإطلاق سراح المعتقلين الذين جرى الزج بهم في السجون بطريقة تعسفية، تخالف أدنى حقوق الإنسان”. وحذرت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز على لسان شيخ العقل حكمت الهجري من أيّ تصعيد محتمل في المحافظة.
نشطاء يقولون إن من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى حالة الاحتقان هو تردي الأوضاع الاقتصادية، والسياسات الأمنية المنتهجة من طرف الحكومة في دمشق
وأوضح الهجري في بيان الاثنين “نحذر أيّ جهة كانت من أيّ تصعيد أو تحريك أو تخريب أو أذية مهما كان نوعها، ونحمل المسؤولية كاملة عن أيّ نتائج سلبية أو مؤذية هدّامة قد تترتب على أيّ حماقة أو تصرفات أو إجراءات مسيئة”.
وشدد البيان على أن “الشعب مستمر ومثابر بأعلى صوته وسلميّته ورقيّه لطلب حقوقه عبر النداءات المحقّة، بسلمية تحت ظلال الدستور والقوانين الخاصة والدولية”.
وتابع “لن يستطيع أيّ فاسد أن يمنع نور الحق من الوصول، ولا أن يقف أمام الإرادة الشعبية الوطنية الصادقة.. ولا تنازل عن الأصول.. ولكل واقعة ما تستحقه.. وعندنا لكل موقع رجال”.
وكانت السويداء بعيدة عن تأثيرات الأزمة السورية التي اندلعت في العام 2011، وحرصت المحافظة على النأي بنفسها عن الحراك الذي انفجر حينها، خشية الاحتراق بلهيبه، لكن الوضع تغير في السنوات الأخيرة وبدأت تبرز مظاهر تمرد ورفض لسلطة البعث.
ويقول نشطاء إن من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى حالة الاحتقان هو تردي الأوضاع الاقتصادية، والسياسات الأمنية المنتهجة من طرف الحكومة في دمشق.
ويوضح النشطاء أن مطالب المحتجين بالتغيير مشروعة مع انسداد الأفق مع النظام الحالي الذي لا يزال يمارس سياسة الإنكار.
وقال قائد “قوات شيخ الكرامة” الشيخ ليث البلعوس في تصريحات صحفية إن المرحلة القادمة في السويداء مفتوحة على كل الاحتمالات، مؤكداً أن شباب وأهالي المحافظة أعدوا العدة للمواجهة العسكرية في إطار الحق المشروع بالدفاع عن النفس، لكن المحافظة لن تكون المبادرة.