بوادر جدية على قرب اعتراف بريطانيا بالصحراء المغربية

لندن – تتزايد قناعة لدى بريطانيا في الفترة الأخيرة بأهمية خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، ما يؤشر على قرب تعديل موقفها من ملف الصحراء المغربية بالقطع مع الحياد وإعلان دعم المملكة في سيادتها على صحرائها، مع تصاعد أصوات مؤيدة لهذا الخيار في أروقة الحكومة والبرلمان للنسج على منوال أبرز البلدان الأوروبية.
وآخر المؤشرات الجدية التي تظهر إمكانية تخلي لندن عن موقفها المحايد من ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، تنظيم مائدة مستديرة في البرلمان البريطاني الأربعاء سلط خلالها الحاضرون الضوء على أهمية خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء.
ومكن هذا اللقاء، الذي نظم من طرف سفارة المغرب بلندن، بالتعاون مع مجموعة الصداقة البرلمانية (المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب من أجل المغرب)، من إبراز التطور المتواصل الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة، في ظل الرؤية المستنيرة للعاهل المغربي الملك محمد السادس، وما ينتج عن ذلك من فرص اقتصادية وبيئية متعددة تشكل مكسبا للمنطقة.
وأكدت مداخلات العديد من البرلمانيين والخبراء الحاضرين على التحديات الأمنية والدفاعية التي تنشأ في سياق جيوسياسي عالمي غير مستقر وضرورة العمل بسرعة من أجل معالجتها، وذلك من خلال تعزيز الشراكات مع الحلفاء التقليديين للمملكة المتحدة.
وقد أعرب النواب في البرلمان البريطاني، بمن فيهم ليام فوكس، عن دعمهم لمخطط الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب، مؤكدين أن عدم المضي قدما في هذا المخطط ليس له أي معنى، خاصة في ظل التهديدات الأمنية العالمية الراهنة. كما أشاروا إلى أهمية إعطاء دفعة للمغرب كحليف رئيسي في المنطقة، لاسيما في مجالي الأمن والدفاع.
وأشار السير سايمون مايال، ضابط الجيش البريطاني المتقاعد والمستشار الحالي لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الدفاع، إلى أن التطورات الأخيرة في الجغرافيا السياسية العالمية تزيد من المخاطر الأمنية، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الآفاق الاقتصادية والولوج إلى التعليم والشغل.
وأضاف أن "هذا هو السبب في أن دعم الدول الآمنة، المستقرة والمزدهرة المساهمة في الجهود العالمية التي تصب في هذا الاتجاه يمثل أولوية"، لافتا إلى أنه يتعين على لندن "التوجه نحو شركاء موثوقين يتشاطرون معها نفس القيم (…) كم هو الشأن بالنسبة للمغرب".
وبحسبه، إلى جانب تعزيز الإمكانات الاقتصادية للمملكة وأمنها وازدهارها، فإن دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي "كفيل بتوفير حل للأزمة الإنسانية القائمة في مخيمات تندوف، التي لا تزال تشكل مرتعا لتجنيد الإرهابيين أو العصابات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية".
وأضاف أن الهشاشة الأخيرة للمسالك البحرية تؤكد ضرورة الحفاظ على السواحل الأطلسية، مذكرا بأن الداخلة تقوم ببناء أكبر ميناء للحاويات على السواحل الأطلسية في أفريقيا، بينما تمتلك طنجة أكبر ميناء على البحر الأبيض المتوسط.
وتابع قائلا إن هذا الميناء سيكون له "تأثير كبير على منطقة الساحل بأكملها"، معتبرا أن تحسن الواقع الاقتصادي لبلدان المنطقة “سيسمح بالحد من المخاطر الأمنية".
ويوجد تقارب بين البلدين، خصوصا بعد توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين الرباط ولندن عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تعول بريطانيا على المغرب في تعويض المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي والحصول على حاجياتها.
وأبدت بريطانيا رغبتها في الاستثمار بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وكان آخرها إعلان شركة "أوبلين" البريطانية عزمها على الاستثمار في مشروع لإنتاج الهيدروجين بمدينة الداخلة، الحاضرة الجنوبية لأقاليم الصحراء المغربية.
من جانبه، وبعد أن جدد التأكيد على أهمية المشاريع التي أطلقها المغرب على ساحله الأطلسي من الناحية الاقتصادية، والتعاون مع الرباط من الجانب الدفاعي، أشار النائب المحافظ دانييل كاوتشينسكي إلى أن المملكة تعتبر نموذجا لحقوق المرأة والتسامح الديني وتطبيق سيادة القانون والديمقراطية.
وفي الجانب القانوني، أشار رئيس كرسي القانون الدولي والدراسات الدستورية الدولية بجامعة كامبريدج، البروفيسور مارك ويلر، إلى أن موقف المغرب يرتكز على الروابط القانونية القائمة بين المغرب والصحراء منذ القدم، مضيفا أن محكمة العدل الدولية أكدت وجود هذه الروابط في العام 1975.
من جهته، سلط رئيس مجلس جهة الداخلة-وادي الذهب، الخطاط ينجا، الضوء على التنمية "المذهلة" التي تشهدها الجهة بفضل المشاريع العملاقة التي تعود بالنفع على الساكنة المحلية.
وأضاف أن هذه التنمية الشاملة تأتي انسجاما مع الرؤية الملكية الرامية إلى جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة قطبا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما يسهم في تنمية أفريقيا برمتها.
وبدوره، سجل سفير المغرب بالمملكة المتحدة، حكيم حجوي، أن "المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي المقترح الواقعي الوحيد لحل هذا النزاع الإقليمي"، معتبرا أن تنفيذها سيمكن من تحويل جميع التهديدات التي تثقل كاهل المنطقة إلى فرص تنموية.
وشهد هذا اللقاء حضور نحو خمسة عشر برلمانيا ولوردا، من بينهم أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية، الذين رحبوا بشدة بالعروض المختلفة حول مخطط الحكم الذاتي المغربي للأقاليم الجنوبية. كما شهد اللقاء شهادات النواب ورجال الأعمال الذين زاروا الجهة واطلعوا بأنفسهم على تطورها.
وسبق أن اتخذت بريطانيا موقفا إيجابيا تجاه قضية الصحراء المغربية، بإصدار محكمة الاستئناف بلندن قرارا في مايو 2022 يقضي برفض طلب استئناف تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة لبوليساريو من أجل إبطال اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب ببريطانيا بتاريخ الثلاثين من ديسمبر من عام 2020.
ولم يقتصر تداول ملف الصحراء المغربية والإشادة بأهمية خطة المغرب للحكم الذاتي على البرلمان البريطاني، فقد شهدت جامعة بابلو دي أولابيدي بإشبيلية لقاء أكاديميا شارك فيه أكاديميون وأساتذة جامعيون إسبان أكدوا خلاله على أن المقترح المغربي هو الأكثر مصداقية وواقعية لحل الملف العالق.
وخلال اللقاء أكاديمي حول الجهوية في بلدان الحوض المتوسطي، أشار رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة خاين، خوان خوسيه رويز، وأستاذ القانون الدستوري بنفس الجامعة ورئيس مركز الدراسات الاجتماعية والقانونية لجنوب أوروبا، جيراردو رويز ريكو، إلى أن المخطط المغربي، الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي، يقدم "استجابة عادلة وحكيمة" لهذا النزاع المفتعل.
ووصف خوسيه رويز مخطط الحكم الذاتي المغربي بأنه ذو "مصداقية وواقعي"، مضيفا أنه يتوافق مع القانون الدولي ويسمح لساكنة الصحراء المغربية بإدارة شؤونهم الخاصة في إطار سيادة المملكة.
وأضاف أنه إلى جانب هذه المبادرة، ينخرط المغرب في عملية تنموية تهم أقاليمه الجنوبية بهدف جعل هذا الجزء من المملكة وجهة مفضلة للمستثمرين.
من جانبه، أشار رويز ريكو إلى أن المغرب اختار طريق السلام من خلال طرح مخطط الحكم الذاتي كحل يستهدف وضع حد للنزاع الذي طال أمده.
وأبرز الأكاديمي الإسباني، الذي شهد عن كثب التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية للمغرب، "السخاء وروح الانفتاح التي أظهرها المغرب لحل نزاع مفبرك".
وشهد هذا اللقاء مشاركة قنصل المغرب بإشبيلية وأساتذة جامعيين وأكاديميين مغاربة، والذين تطرقوا بهذه المناسبة إلى الجوانب القانونية المرتبطة بمخطط الحكم الذاتي المغربي.
كما استعرضوا المبادئ الأساسية للجهوية المتقدمة التي تنفذها المملكة وأثرها على تنمية الأقاليم الجنوبية، مشيرين إلى أن دستور 2011 جاء بمجموعة من المبادئ الجديدة التي تحكم الجهوية المتقدمة وتمنحها مكانة خاصة.
وتشهد العلاقات المغربية الإسبانية في الفترة الحالية انتعاشا، بعد توتر دبلوماسي سابق، وذلك بعد أن أعلنت إسبانيا، في عام 2022، أن المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي في الصحراء المغربية هي "الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف" هناك.
وانضمت إسبانيا إلى عدد من الدول الأفريقية والأوروبية التي تؤيد المبادرة المغربية في إقليم الصحراء المغربية المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو، منذ عام 1976.
ويقضي مقترح الحكم الذاتي بمنح الإقليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، ولكن جبهة البوليساريو ترفض ذلك وتطالب بانفصال الإقليم عن المغرب.