التعددية النقابية ورقة السلطات التونسية للضغط على اتحاد الشغل

تونس – زاد منسوب الحديث عن ضرورة اعتراف تونس بالتعددية النقابية والتعامل معها كأمر واقع في ظل وجود عدد من المنظمات العاملة في البلاد، في وقت يقول فيه مراقبون إن الفرصة مواتية أمام السلطات للعب هذه الورقة بهدف الضغط على اتحاد الشغل، وهو المنظمة الوحيدة التي تعترف بها الحكومة.
وهناك مؤشرات داعمة لهذا التوجه من بينها استقبال رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة للأمين العام للكنفيدرالية العامة للشغل الحبيب قيزة، وهي خطوة لم تكن لتتم لولا حصول بودربالة على ضوء أخضر من الدولة وهو المعروف بولائه للرئيس قيس سعيد.
وأقرت المحكمة الإدارية قبل فترة بأحقية الكنفيدرالية العامة التونسية للشغل بأن تكون عضوا في تركيبة المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي، وهو ما يلزم الحكومة بالتفاوض معها وإشراكها في جلسات الحوار بالتساوي مع اتحاد الشغل.
ويرى مراقبون أن الحظوة التي كان اتحاد الشغل يحصل عليها في السابق تعود إلى مخاوف الحكومات المتعاقبة من نفوذه بين العمال ولجوئه إلى الإضراب لفرض شروطه، خاصة في مرحلة ما بعد الثورة.
لكن الوضع اختلف الآن، والاتحاد لم يعد بنفس القوة والنفوذ، كما أن وجود سلطة قوية سيدفعه إلى تجنب الصدام والقبول بالأمر الواقع إذا ما قررت الحكومة تفعيل التعددية النقابية واعترفت بمختلف المنظمات كشريك اجتماعي وسمحت باقتطاع انخراط النقابيين لفائدة النقابة التي يفضلونها بدل الاقتطاع الآلي لفائدة اتحاد الشغل.
وتدرك الحكومة التونسية أن سبب استقواء الاتحاد مرده أساسا غياب منافسين فعليين له في المشهد النقابي، وتغيير هذا الوضع سيجعل الاتحاد طرفا من عدة أطراف متنافسة، وهذا يضعف قدرته على التصعيد والدعوة إلى الإضرابات وإجبار الموظفين على تنفيذ قراراته.
وطالب الأمين العام لاتحاد عمال تونس إسماعيل السحباني بتشريك منظمته في المفاوضات حول تحسين الأجور وحل مشاكل العمال والمؤسسات، معتبرا أن “الحكومة تخالف القوانين” بتفاوضها مع طرف نقابي واحد في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل.
وشدد في تصريحات له بمناسبة يوم العمال نقلتها وكالة الأنباء الرسمية (وات) على أن “التعددية النقابية تقليد” يعود إلى ما قبل الاستقلال وقد نصت قوانين البلاد والاتفاقيات التي وقّعت عليها الدولة مع المنظمة العالمية للشغل على التعددية النقابية.
وما يساعد الحكومة على المضي في خيار التعددية النقابية هو تجاهل الرئيس سعيد لقيادة الاتحاد بسبب خلطها بين العمل النقابي والأجندة السياسية وعرض مبادرات و”خرائط طرق” لملفات هي من اختصاص السلطة السياسية أو إبداء مواقف داعمة للمعارضة.
وأثبت قيس سعيد في أكثر من مناسبة أنه يساوي بين المكونات الاجتماعية، وأنه لن يسمح لقيادة الاتحاد بأن تبدو كأنها فوق الجميع أو وصيّة على الدولة، كما أنه حدد دورها بشكل واضح من خلال تشريكها في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني أن مقترحاتها لن تتجاوز البعد الخاص بالنقابة مثل مناقشة أوضاع العمال وإصلاح المؤسسات الحكومية، دون المرور إلى البعد السياسي.
وفي مارس الماضي، انتقد نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ما اعتبره “تكميما للأفواه” من قبل السلطة، في تمش يهدف إلى تصعيد غير محسوب العواقب مع الرئيس سعيد، بالرغم من أن المؤشرات تقول إن الاتحاد ليس في موقع قوة.
ولكن كلمة الطبوبي في اليوم العالمي للعمال توحي بالتهدئة تجاه السلطة وتجنب الملفات الخلافية، وهي نتيجة في ما يبدو لتقييم داخلي داخل المنظمة النقابية يرى بأن التصعيد غير مفيد خاصة وأن البلاد على أبواب انتخابات رئاسية، وهي تحرك من المنظمة سيفهم على أنه عمل ضد قيس سعيد وانحياز لخصومه بمن فيهم حركة النهضة الإسلامية.
واعتبر أمين عام اتحاد الشغل في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية الأربعاء أن الحديث عن حوار وطني غير ممكن في ظل غياب حوار اجتماعي وعقلية غير مهيأة ومكتملة الجوانب لبناء تونس وإيجاد الحلول للمشاكل عكس ما هو موجود في تونس اليوم من هروب إلى الأمام وضرب للعمل النقابي والنقل التعسفية للنقابيين والمحاكمات التي وصفها ”بالجائرة بملفات كيدية لا أساس لها من الصحة” متسائلا “إذا كانت هذه الوضعية لحوار اجتماعي فكيف يمكن التطرق لملفات سياسية وتطوير الحياة السياسية؟”.
وشدّد نورالدين الطبوبي على أن مبادئ الاتحاد هو الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والنقابية وحرية التعبير وحرية التنظيم قائلا إن تونس متجهة لمحطات انتخابية هامة ولذلك فإنه يجب أن يسبق موعد إجراء الانتخابات تنقية المناخ الاجتماعي وأجواء ملائمة حتى يتنافس المتنافسون. وحذر من أن “اتحاد الشغل قوي، وعدم الاستجابة لمطالب عماله الشرعية سيدفعهم للتحرك”.