فصائل المعارضة السورية تتحول إلى شركات أمنية هدفها مراكمة الثروة

تشهد منطقة درع الفرات التي تخضع عمليا للسيطرة التركية في الشمال السوري حالة من الفوضى نتيجة الصراع على النفوذ والموارد المالية بين الفصائل وحتى داخلها، على غرار ما جدّ مؤخرا في صفوف فرقة المعتصم التي تعد أحد أبرز الفصائل في المنطقة.
دمشق - شكل الاقتتال الداخلي الذي اندلع مؤخرا في صفوف فرقة المعتصم التابعة لما يسمى الجيش الوطني السوري، ترجمة للحال الذي بلغته فصائل المعارضة التي تتخذ من منطقة “درع الفرات” في الشمال السوري معقلا لها. وأظهر الصراع الأخير فشلا مؤسساتيا سواء في علاقة بالحكومة المؤقتة التي تشكلت في العام 2013، أو بالمؤسسة العسكرية التابعة لها، والتي بدت مجرد هيكل صوري لا يملك أي سلطة على الفصائل المسلحة المنضوية ضمنها.
ويقول مراقبون إن ما حصل خلال الأسبوع الماضي كشف حجم الفساد الذي نخر فصائل المعارضة، وانحراف قياداتها عن الأهداف المرسومة وهي مواجهة نظام الرئيس بشار الأسد، ليصبح شغلها الشاغل هو مراكمة الثروة بمختلف الطرق، بعد هدوء الجبهات في معظم الأنحاء في سوريا.
ويلفت المراقبون إلى أن هوس قيادات الفصائل بالحصول على العائدات المالية المتأتية من المعابر والتجارة غير المشروعة كبيع الأسلحة والآثار والاتجار بالبشر، أدى إلى شعور بالغبن لدى شريحة من المنتمين لتلك الفصائل، والتي ترى أنها محرومة من تلك العائدات، وهو ما كان السبب الأساسي في الصراع الذي اندلع في صفوف فرقة المعتصم.
واندلعت المواجهات داخل فرقة المعتصم بين تيارين، الأول يضم القائد العام، المعتصم عباس والحلقة المحيطة به، والثاني المجلس العسكري وقادته، ومن أبرزهم مصطفى سيجري وعلاءالدين أيوب الملقب بـ“الفاروق أبوبكر”.
وجاءت المواجهات بعد أن نشر “المجلس العسكري” في ساعة متأخرة من ليل الخميس بيانا، أعلن فيه “عزل القائد المعتصم عباس وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية”، وإحالته إلى التحقيق الداخلي بتهمة “الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام”.
ونص البيان على إحالته مع أربعة آخرين من أقربائه إلى التحقيق الداخلي، مع الشروع بمصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لهم، والمسجلة بعد عام 2011. واعتبر قائد الفرقة والموالون له أن المجلس العسكري هو انقلاب لتندلع اشتباكات بين الجانبين أسفرت عن إصابة قائد الفرقة واعتقاله ومقتل أخيه، وإصابة آخرين من الفريق التابع له. وتحرك جهاز الشرطة العسكرية التابع لما يسمى الجيش الوطني، لملاحقة القادة المتمردين. وأعلنت وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” السبت عن اعتقال جميع منفذي ما اعتبرته “الهجوم الشنيع” الذي وقع في فرقة المعتصم.
◙ ما حصل داخل فرقة المعتصم كان متوقعا، وينذر بأن القادم سيكون أسوأ مع احتكام "الإخوة الأعداء" إلى السلاح
وجاء في بيان رسمي لها، أنه “سيتم إجراء تحقيق شامل ومستقل من قبل وزارة الدفاع والقضاء العسكري بشأن مزاعم المهاجمين ضد قائد الفرقة والمسؤولين فيها”. وأشار البيان إلى أنه “لا يمتلك أي شخص أو مجموعة صلاحية المحاكمة أو المعاقبة في مناطقنا المحررة، إلا المحاكم المستقلة التابعة للمنظومة القضائية في الحكومة السورية المؤقتة”.
وكانت القيادات المتمردة وجهت اتهامات لقيادة الفرقة بالفساد والتسلط، وقال سيرجي وهو أبرز القادة المنتفضين والذي اعتقل الجمعة في مدينة أعزاز في حلب إن فرقة المعتصم تحوّلت “من فصيل عسكري ثوري إلى شركة تجارية أمنية خاصة بآل عباس في مارع وبناء ثروة وإمبراطورية مالية هائلة من خلال تهريب شحنات ضخمة من الأسلحة الأميركية النوعية والأسلحة والذخائر الروسية من سوريا إلى ليبيا وبيعها”.
واتهم سيرجي في حسابه على منصة إكس، قيادة الفرقة بـ”إخفاء كامل العائدات المالية الخاصة بالفرقة وسرقتها وتقدر بملايين الدولارات”، وبـ”نهب رواتب المقاتلين الآتية من تركيا وسرقتها، وكذلك المخصصات الشهرية من المعابر الداخلية والخارجية والمشاريع الاقتصادية وتقدر بمئات الآلاف من الدولارات شهريا”. كما ساق العديد من التّهم الأخرى من بينها “إدارة شبكات تهريب البشر والمواد الممنوعة ومشاريع التنقيب عن الآثار والتي تقدر بملايين الدولارات شهريا”.
كما قال القيادي علاءالدين أيوب، الذي كان أحد قيادات التمرد، في تسجيل صوتي، إن قائد الفرقة قد حوّل الفصيل إلى “شركة استثمار”. ووُجه لعباس اتهام يتعلق بالتنسيق مع “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليا) للتوغل في مناطق ريف حلب الشمالي، خاصة أن نفوذ الأولى يقتصر على محافظة إدلب فقط، وتصنف على قوائم الإرهاب.
وأضاف “المعتصم عباس حاول التنسيق مع تحرير الشام لاغتيال قادة عسكريين من مارع، وكنا نقف ضده في هذا الموضوع”. ورد قائد الفرقة على ما جرى بالقول إن “القضاء سيأخذ مجراه في محاسبة المجرمين القتلة الذين يدّعون الثورية وهم بعيدون عنها بسفكهم للدماء مقابل السلطة والمال بالغدر والخيانة”.
وتعتبر فرقة المعتصم أحد أبرز الفصائل المنضوية ضمن الجيش الوطني السوري ويتركز نفوذها في مدينة مارع بريف حلب الشمالي. وسبق وأن شهدت الفرقة خلال الأشهر الماضية توترات بسبب ملفات فساد مالية. ووصلت الأمور بين الجناحين المتصارعين إلى نقطة الانفجار بعد ورود معلومات لكل طرف عن نية الأول تحييد الثاني.
ويعتقد متابعون أن ما حصل داخل فرقة المعتصم كان متوقعا، وينذر بأن القادم سيكون أسوأ مع احتكام “الأخوة الأعداء” إلى السلاح، وفشل الحكومة المؤقتة والجيش المحسوب عليها في فرض السيطرة على الفصائل المنتمية لهما، ووضع منظومة قوية ومحايدة يتم اللجوء إليها لحسم النزاعات فيما بينها. وتسيطر الحكومة المؤقتة على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي والشرقي. كما تسيطر على جيب في شمال شرق البلاد، يمتد بين مدينتي رأس العين وتل أبيض بريف محافظة الرقة.