محاربة الموسيقى.. إسكات للشعوب أم حفاظ على الهوية

الشيشان تقرر حظر موسيقى التكنو بكل أشكالها.
الخميس 2024/04/25
الموسيقى الإلكترونية ممنوعة على الشيشانيين

باريس - منذ القدم كانت الفنون دائما في مواجهات مع الأنظمة المستبدة سياسية كانت أو دينية، سواء بالحظر أو التدمير أو الرقابة الصارمة. وفي أحدث المواجهات بين الموسيقى والسلطة قررت الشيشان حظر الأعمال الموسيقية البطيئة جدا والسريعة للغاية، بحجة حماية “تراثها” من التأثيرات الغربية، في محاولة جديدة للتحكّم في فن غالبا ما تستهدفه الأنظمة الاستبدادية.

ففي الجمهورية الروسية الواقعة في القوقاز، والتي تتعرض غالبا لانتقادات بشأن التضييق على الحريات وانتهاك حقوق الأقليات المثلية، يجب أن يراوح إيقاع الأغنيات والموسيقى من الآن فصاعدا بين 80 و116 نبضة في الدقيقة، ما يستبعد عمليا موسيقى التكنو بكل أشكالها كالهاوس والترانس والإلكترو.

ويقول الكاتب المتخصّص في الموسيقى والثقافة المضادة ستيفن جيزو- فانييه “بعض الأنظمة ترى في الموسيقى الحديثة خطرا، نظرا إلى الانطباع الذي تولّده بقدرتها على التحكّم في الجماهير وعلى إفساد الأخلاق”. وذكّر بأن “ذلك حصل مع موسيقى الروك في ستينات القرن العشرين، ثم مجددا مع موسيقى الميتال والراب والموسيقى الإلكترونية”.

وتعتبر منظمة فريميوز غير الحكومية، التي تُحصي الاعتداءات على حرية التعبير الثقافي في مختلف أنحاء العالم، أن السلطات تستهدف عموما الموسيقى أكثر من الفنون البصرية والأفلام، إذ سجلت في هذا المجال 385 حالة رقابة عام 2021 في 58 دولة وعلى الإنترنت.

وقد تتخذ محاولات القمع هذه أشكالا متطرفة كالحظر التام الذي فرضته حركة طالبان عام 2021 عندما عادت إلى السلطة في أفغانستان. وفي يوليو 2023 صادرت سلطات ولاية هرات (غرب) آلات موسيقية، وعمدت إلى حرقها، معتبرة أن الموسيقى “غير أخلاقية” وتحمل “فسادا أخلاقيا”.

وحظرت حركات إسلامية كذلك بثّ موسيقى وصفتها بأنها “مدنّسة” عام 2012 في شمال مالي، وعام 2010 في العاصمة الصومالية مقديشو. في كوبا حظر نظام كاسترو بثّ موسيقى الروك في الإذاعة والتلفزيون في الحقبة الممتدة بين الستينات والثمانينات من القرن الماضي في إطار محاربة النفوذ الأميركي.

الشيشان قررت حظر الأعمال الموسيقية البطيئة جدا والسريعة للغاية، بحجة حماية "تراثها" من التأثيرات الغربية

ويمكن أن تتخذ القيود أيضا أشكالا أخرى مثل منع تنظيم حفلات موسيقية كما في إيران حيث كان آية الله الخميني يصف الموسيقى بأنها “أفيون” يهدد “رجولة الشباب”، أو في العاصمة الجورجية تبيليسي حيث داهمت الشرطة نوادي موسيقى التكنو في ربيع 2018.

ومع ذلك تتسم محاولة تدجين الموسيقى بصعوبة كبيرة. ويقول عالم الاجتماع والفيلسوف جان ماري بروم، في مجلة “توبيك”، “في الإمكان تحطيم تمثال، أو إحراق لوحة، أو ديكورات مسرحية أوبرالية أو سينوغرافيا عرض راقص، أو تفجير نصب تاريخي، ولكن ليس من الممكن ماديا تدمير عمل موسيقي”.

ويرى المؤلف الموسيقي برونو جينيه أن جوهر الموسيقى هو الذي يجعل السلطة ترتعش، موضحا أن “الإبداع الموسيقي، أياً كان أسلوبه، هو مساحة للتعبير بحرية تامة، وهذه الحرية تزعج السلطات السياسية أو الدينية أو غير ذلك”.

وقد أدرك النظامان التوتاليتاريان الأكبران في القرن العشرين ذلك. فالنظام النازي منعَ بث أعمال الملحّنين اليهود، كفيليكس مندلسون وغوستاف مالر، وكان يلاحق ما سمّاه “الموسيقى المنحطة”، وجعل آخرين مثل ريتشارد فاغنر ممثلين للفن الألماني الرسمي.

وفي عهد ستالين فرض الاتحاد السوفياتي على الموسيقى ضوابط إدارية صارمة حاذفا كل ما لا يقع ضمن نطاق “الواقعية الاشتراكية”. وأثار الموسيقي القدير ديميتري شوستاكوفيتش الذي طبعت أعماله القرن العشرين، غضب الكرملين بسبب مقطوعته الأوبرالية “السيدة ماكبث من مزينسك” التي تعرضت لانتقادات بسبب “ألحانها المتنافرة والفوضوية المتعمدة”.

ويؤكد ميشال باستور، الذي ينظّم منذ نحو عشرين عاما مهرجان الموسيقى الممنوعة في مرسيليا، أن “كلّ ما يخرج من الخطابات الرسمية يُنظر إليه على أنه خطر لأنه يحاكي عمق الإبداع لدى كل شخص”. ويضيف الموسيقي الذي يحرص على إحياء أعمال المؤلفين المنسيين الذين استبعدتهم الأنظمة التوتاليتارية “تُحظر الموسيقى بهدف إسكات الناس”.

14