جهود لاستمالة الشباب المصريين بتعزيز الحريات غير السياسية

القاهرة - عكس التركيز البرلماني في مصر على تضمين حقوق الإنسان في المناهج التعليمية بالمدارس والجامعات، وجود توجه سياسي لتكريس رؤية النظام الحاكم حيال هذا الملف واستقطاب الشباب للتناغم مع قناعات الجمهورية الجديدة بشأن تلك القضية.
وطالب عبدالوهاب عبدالرازق رئيس مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان المصري)، وهو أيضا رئيس حزب مستقبل وطن الظهير السياسي للحكومة، الأحد، بتضمين مبادئ حقوق الإنسان والمفاهيم القانونية والدستورية في مناهج المدارس والجامعات لتعميق الفهم والوعي بحقوقهم، وهو طرح يحظى بدعم لافت من دوائر برلمانية وحكومية.
وينسجم التوجه مع تمسك لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بتضمين الحقوق في المناهج الدراسية، مثل الحق في التعليم والسكن والصحة، والمشاركة في الانتخابات والمساواة بين الجنسين، في محاولة تبدو مرتبطة بنشر رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي تجاه أولويات الملف الحقوقي من هذه الزاوية.
وتتعامل الحكومة مع مسألة إدراج حقوق الإنسان في المناهج بقدر من المرونة، طالما أنها بعيدة عن الشق السياسي، وتوفر مفاهيم خاصة عن حقوق الإنسان، مغايرة تماما لما تطرحه قوى وأحزب معارضة وحكومات غربية ومنظمات أجنبية.
ما يثير مخاوف الحكومة في الوقت الراهن اتساع الفجوة بينها وبين الشباب جراء تراكمات أمنية وسياسية، إضافة إلى إخفاقات اقتصادية انعكست بشكل سلبي على الأحوال الاجتماعية لشريحة من المواطنين
وتتعرض القاهرة على فترات لضغوطات خارجية لتحسين سجلها الحقوقي، ومطالبات متكررة بالكف عن “مطاردة نشطاء وسياسيين وصحافيين وأصحاب رأي”، لكن الحكومة لا تكترث بها غالبا وتصمم على منهجها والذي يحصر حقوق الإنسان في مجالات اجتماعية أساسية، مثل الحق في التنمية والصحة والتعليم وتوفير الخدمات.
وهناك رغبة من نواب وأحزاب متناغمة مع الحكومة في استقطاب الأجيال الجديدة لترسيخ قناعتها برؤية النظام المصري في الملف الحقوقي، للإيحاء بوجود انفتاح على تعريف فئات عديدة في المجتمع بحقوق الإنسان، والتسويق لكون الحكومة المتهمة بانتهاك الحريات تبادر بنشر ثقافة حقوق الإنسان بين الشباب. وتظل المناهج التعليمية أقصر طرق النظام للتسويق لرؤيته تجاه حقوق الإنسان، بحيث تنشأ الأجيال الجديدة على هذا المسار من دون تجاوز الخط المسموح به، فلا مجال للحريات السياسية المطلقة لمن يعيشون في مجتمع له خصوصياته المختلفة.
وقال الرئيس السيسي إن “الحقوق غير المنضبطة بقواعد وسقف تدمر الدول من خلال التظاهرات وإملاء المعارضة شروطها على الحكومات، وهذا ضد استقرار دولة تجاهد للحفاظ على أمنها القومي وسط إقليم مضطرب، لذلك تتعامل مع الحريات بحسابات دقيقة”.
ويعبر التوجه عن رؤية يتحرك من خلالها البرلمان مع الحكومة، وتقوم على نشر ثقافة الحقوق بما يتلاءم مع الحالة المصرية، والتحذير من تداعيات الحريات المنفلتة على الأمن والاستقرار، ومن الضروري توعية الشباب بمناهج تكرس لتلك المفاهيم. وعانت مصر من تقلبات أمنية وسياسية استمرت لسنوات، قبل وبعد ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013، وكان الشباب من أكثر الفئات الحاضرة في المشهد للمطالبة بالتغيير وتحسين الأوضاع السياسية، ويرغب النظام الحالي في عدم تكرار ذلك. يرى مراقبون أن توجه الحكومة نحو تكريس رؤية خاصة عن حقوق الإنسان لا تشمل الحريات السياسية، قد لا يكون صعبا أمام ضعف الأحزاب وعدم وجود تأثير لها في الشارع بما يُمكنها من استقطاب الشباب للانضمام إليها بعيدا عن تنشئتهم وفق رؤية السلطة، والتصدي لمحاولات القضاء على الحقوق السياسية.
وما يثير مخاوف الحكومة في الوقت الراهن اتساع الفجوة بينها وبين الشباب جراء تراكمات أمنية وسياسية، إضافة إلى إخفاقات اقتصادية انعكست بشكل سلبي على الأحوال الاجتماعية لشريحة من المواطنين، وعدم السماح بهامش مناسب للحريات.
وتدافع الحكومة عن رؤيتها لملف الحريات بصعوبة أن تكون حقوق الإنسان مقدمة للأمن والاستقرار في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تحاصر البلاد من الداخل والخارج، وهناك تيارات مناهضة للدولة تجاهد لاستغلال بعض الأزمات لتأليب الشارع والعودة إلى المشهد، وهو ما يصعب السماح به لأي فصيل.
التوعية بحقوق الإنسان خطوة إيجابية، لكن تقديمها في إطار ضيق لن يحقق الغرض، وإذا كانت هناك رؤية لنشرها بين الشباب، فالأولى أن يتم التركيز على المواطنة لأنها أشمل من حقوق الإنسان
وقدّر محللون سياسيون خطوة إدراج حقوق الإنسان في المناهج التعليمية بأنها معبرة بوضوح عن توجه شبه عام داخل النظام لبقاء الأوضاع الراهنة دون تغيير على مستوى الحريات السياسية، ومهما تقاربت الحكومة مع المعارضة في الحوار الوطني وبدت منفتحة على كل الأصوات والتيارات والقوى المدنية، فلن تغير نهجها.
أكد الكاتب والمحلل السياسي جمال أسعد أن التوعية بحقوق الإنسان خطوة إيجابية، لكن تقديمها في إطار ضيق لن يحقق الغرض، وإذا كانت هناك رؤية لنشرها بين الشباب، فالأولى أن يتم التركيز على المواطنة لأنها أشمل من حقوق الإنسان.
وأضاف لـ”العرب” أن الوعي بالحقوق لا يكون بإدراج رؤية محددة في المناهج، والأهم أن يتم إطلاق مشروع ضخم يكرس المواطنة وقبول الآخر، بغض النظر عن الانتماءات، سواء أكانت سياسية أو دينية، لكن لن يتحقق الغرض في غياب توسيع أفق المواطنة في أذهان الشباب بلا سقف.
وتطرّق الرئيس السيسي كثيرا إلى أن المواطنة وقبول الآخر سوف يكونان ثقافة عامة ونهجا شاملا في الجمهورية الجديدة، لكن لا تزال توجد دوائر حكومية لديها رؤية ضيقة تجاه المواطنة وتختزلها في التسامح بين أصحاب العقائد من دون أن توسع مداركها بتقبل كل الآراء والتوجهات بغض النظر عن الخلفية السياسية.
وثمة معضلة كبرى في طريق تكريس المواطنة كمفهوم أشمل من حقوق الإنسان، وترتبط بإصرار قوى سياسية ورموز برلمانية قريبة من النظام، على تصنيف كل صاحب رأي مخالف للسلطة على أنه خائن وله مآرب سياسية مشبوهة، وهي نقطة تثير مخاوف حقوقية من تربية شباب المستقبل على تلك الرؤية بما ينسف أي جهود تكرس للمواطنة يتبناها النظام الحاكم.
يتفق معارضون على أن الحكومة قد ترتكب خطأ سياسيا إذا قررت تنشئة الأجيال المستقبلية على الولاء والانصياع لما يُملى عليها من رؤى تتناقض مع الواقع، لأن بناء مجتمع متحضر ودولة عصرية بأجيال واعية، يتطلب توسيع مفاهيم الحريات لديها، بدلا من إقصاء جزء بعينه لمجرد أن المجتمع ليس مؤهلا للحقوق المطلقة.