ركود تجارة السيارات المصرية رغم اختفاء "الأوفر برايس"

سعر الدولار يحدد الأسعار والمستهلكون يحجمون عن الشراء حاليا على أمل حدوث تخفيضات جديدة.
الثلاثاء 2024/04/23
تجارة رأس مالها كرسيان وطاولة!

اتفق خبراء على أن القرارات الأخيرة للسلطات النقدية المصرية بإتاحة سعر صرف مرن لن تُنعش سوق السيارات، لأن البنوك لا توفر العملة الصعبة للوكلاء لاستيراد المركبات، ما يقلل من فرص حدوث هبوط في الأسعار خلال الأجل القريب.

القاهرة - اتسعت الشكوك في جدوى انتعاش مبيعات السيارات بمصر بعد اختفاء ظاهرة بـ”الأوفر برايس” في الأسواق بعد استقرار سعر الدولار داخل البنوك المحلية وخارجها، بعدما أحجم المستهلكون عن الشراء على أمل أن تحدث تخفيضات جديدة في قيمة المركبات.

و”الأوفر برايس” هو قيمة الأموال التي يضيفها الموزع أو المعرض على السعر الرسمي مقابل البيع الفوري، وينتعش هذا النمط أوقات أزمة سعر الصرف، حيث يلجأ المشترون إلى دفع الأموال هربا من الانتظار لمدد طويلة، لشراء مركبة وقد يرتفع سعرها بمعدلات أكبر.

وانتشرت هذه الظاهرة مع انخفاض المعروض نهاية عام 2021 ثم احتدمت في العامين الماضيين قبل صفقة رأس الحكمة بين مصر والإمارات ثم تعويم الجنيه.

وفي جولة قامت بها “العرب” في معارض بمناطق الزمالك والمهندسين والعجوزة بمحافظة الجيزة القريبة من القاهرة، لاحظت أن السوق تشهد حالة من الهدوء في الأسعار وعزوفا عن الشراء، لأن الزبون يقبل على الشراء في أوقات ارتفاع الأسعار خوفا من زيادات مفاجئة.

خالد سعد: الأسعار ستستقر لفترة طويلة والبنوك لا تمول المستورد
خالد سعد: الأسعار ستستقر لفترة طويلة والبنوك لا تمول المستورد

وعندما تبدأ الأسعار في الهبوط أو الاستقرار يتباطأ الزبائن بهدف الانتظار وترقب ما ستؤول إليه الأسعار في نهاية المطاف، ولذلك فالأوقات الحالية تشهد ترقبا دون الدخول في سباق لاقتناء المركبات.

ويراهن تجار السيارات والموزعون على 2024 لتعويض التباطؤ الكبير الذي شهدته الأسواق العام الماضي، إذ تراجعت المبيعات في أكبر دولة بالشرق الأوسط من حيث عدد السكان بأكثر من 51 في المئة.

ووفق بيانات مجلس معلومات سوق السيارات (أميك)، انحسرت المبيعات من مستوى 184.7 ألف سيارة عام 2022 إلى 90.4 ألف سيارة في العام التالي، مدفوعة بأزمة نقص الدولار.

وقال أمين عام رابطة مصنعي السيارات في مصر خالد سعد إن “الأسعار ستواصل الاستقرار خلال الفترة المقبلة، ولن تهبط بمعدلات جديدة، وأن الفترة المقبلة ستشهد اهتماما أكبر بالسيارات المحلية”.

وأضاف لـ”العرب” أن “البنوك لا تموّل السيارات المستوردة بشكل كبير، حتى بعد تحرير سعر الصرف، ولذلك لن تحدث تغيرات في الأسعار عن معدلاتها الحالية”.

ويعد الدولار هو المتحكم الأكبر في تحديد الأسعار، وبالتالي طالما ظلت العملة مستقرة عند المعدلات الحالية لن تتأثر أسعار المركبات، لكن حال حدث تراجع في أسعار الصرف بصورة أكبر سيحدث انخفاض ملحوظ.

وأكد سعد أن ظاهرة “الأوفر برايس” اختفت في الأسواق بالفعل منذ فترة قصيرة، وهذا لا يعني قرب هبوط الأسعار أو توقع انخفاضها بنسبة كبيرة.

المبيعات انحسرت من 184.7 ألف سيارة عام 2022 إلى 90.4 ألف سيارة في عام 2023
المبيعات انحسرت من 184.7 ألف سيارة عام 2022 إلى 90.4 ألف سيارة في عام 2023

ويرى متعاملون أن التراجعات التي شهدتها الأسواق في بعض أنواع السيارات خلال الآونة الأخيرة ليس هبوطا في السعر الأصلي، لكن قيمة “الأوفر برايس” ومن ثم الأسعار عادت إلى قيمتها التي حددها الوكلاء الرسميون.

ومن المتوقع ألاّ تؤثر التغيرات اليومية في سعر الدولار في نطاق الجنيه أو أكثر قليلا على أسعار السيارات، لأن دورة الاستيراد تستغرق فترة تتراوح بين 3 إلى 4 أشهر، وتتحدد قيمة الدولار في التوقيت الذي يتم فيه فتح الاعتماد المستندي من جانب المستوردين.

واستهل قطاع السيارات المصري عام 2024 ببداية متعثرة، إذ هبطت المبيعات في يناير الماضي بنسبة 40 في المئة بمقارنة شهرية لتسجل 6.3 آلاف وحدة، وهو أدنى مستوى لها منذ أبريل من العام الماضي بعد الزيادة الكبيرة في المبيعات في ديسمبر، بحسب أميك.

وبرر وكلاء وموزعون الارتفاعات الكبيرة في الأسعار مؤخرا، أي قبل قرار البنك المركزي في مطلع مارس الماضي بتعويم الجنيه، بأنها جاءت نتيجة لأزمة النقد الأجنبي وتزامنا مع زيادة الطلب على الشراء، بينما تراجع المعروض، ما سمح للموزعين برفع الأسعار بحدة.

ويقول محللون إن الأسعار تراجعت بالفعل بنسب تتراوح بين 5 و15 في المئة منذ بداية تدفق الدولار إلى مصر ووصول الدفعة الأولى من أموال مشروع رأس الحكمة، ويضخ نحو 35 مليار دولار في خزائن البلاد قبل بداية العمل بالمشروع.

وأكد نائب رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية للقاهرة أسامة أبوالمجد أن السوق شهدت بعض الهدوء في الأسعار عقب تدفق العملة الصعبة مؤخرا، وإن كان هذا الانخفاض ليس هو المأمول.

أسامة أبوالمجد: السوق شهدت هدوءا في الأسعار لكن ليس هذا هو المأمول
أسامة أبوالمجد: السوق شهدت هدوءا في الأسعار لكن ليس هذا هو المأمول

وأوضح لـ”العرب” أن انتعاش السوق مرهون بسعر الدولار، وحال حدث انخفاض قيمته ستهبط أسعار السيارات بشكل فوري، مشيرا إلى أن أزمة النقد الأجنبي واشتعال السوق الموازية قبل صفقة رأس الحكمة وتعويم الجنيه، تسببت في ارتفاع الأسعار بشكل يومي.

ومن شأن وفرة الدولار اللازم لاستيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج أن تؤدي إلى زيادة المعروض من المركبات المستوردة كليا أو المجمعة محليا، مع ملاءمة ذلك لحجم الطلب عليها، ومن ثم تتحقق المعادلة ويحدث التوازن في الأسواق.

وحدثت انفراجة في مبيعات السيارات خلال فبراير الماضي بعد أن سجلت أدنى مستوى لها في 10 أشهر خلال يناير، بحسب أميك، إذ باع الموزعون نحو 7400 وحدة في هذا الشهر بزيادة قدرها 20 في المئة على أساس شهري.

ويرى خبراء أن أرقام أميك لا تعكس النشاط على مستوى السوق المحلية بأكملها، ولكنها تعكس البيانات التي قدمها الموزعون الأعضاء، وليس كل الناشطين في السوق.

وطالب أبوالمجد بتحفيز الاستثمار في قطاع السيارات المصري كي يتمكن من تلبية الاحتياجات المحلية وتوجيه الفائض للاستيراد، مدللا بمثال المغرب الذي يشهد طفرة كبيرة في الإنتاج والتصدير.

وتتباين آراء المحللين بشأن توقعات السوق في الفترة المقبلة، إذ يتوقع البعض أن تستمر الأسعار في التراجع بشرط دخول المزيد من السيارات إلى السوق، ما قد يعزز المبيعات.

ولكن آخرين يرجحون استقرارا في السوق، شريطة أن يؤمن البائعون والمشترون بأن سعر صرف الجنيه أمام الدولار يشهد ثباتا، ومن هنا يتوقف التعامل مع السيارات وكأنها أداة استثمار يتم شراؤها على أمل أن ترتفع ثم يتم بيعها.

10