إشكالات البرلمان الكويتي الجديد تسبق انطلاق دور انعقاده الأول

رفض إرجاء الجلسة الافتتاحية يكشف تحفز نواب في المجلس للصراع بشكل مبكر.
الخميس 2024/04/18
عائد لاستكمال المعركة

جاء الخلاف حول موعد عقد أول جلسة للبرلمان الكويتي الجديد مطابقا لتوقعات المراقبين بأن يمثل مجلس الأمّة، الذي انتخب حديثا ولم يختلف كثيرا في تركيبته عن المجلس الذي سبقه، امتدادا لطبيعة العمل البرلماني في الكويت والذي هو عبارة عن سلسلة طويلة من الصراعات والمناكفات التي غالبا ما تفضي إلى نفس النتيجة المتمثلة في حل البرلمانات قبل استكمال مددها القانونية.

الكويت- أعطى الجدل الساخن الذي دار في الكويت حول مسألة إجرائية وصفت بالهامشية، وتمثّلت في موعد عقد أول جلسة للبرلمان الذي انتخب حديثا، مؤشّرات سلبية حول الطبيعة الإشكالية لمجلس الأمّة الجديد الذي لم يختلف كثيرا عن سابقه، واحتفظت فيه المعارضة بغالبية المقاعد وضّم بين نوابه شخصيات جدلية ذات ميول شعبوية.

وتكرّس مختلف تلك المعطيات توقّعات المراقبين بأن تتواصل في عهد الحكومة والبرلمان الكويتيين الجديدين العلاقة المتوتّرة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والتي تحوّلت إلى سمة ملازمة للمشهد السياسي في الكويت، وسببا للانقطاعات المتكرّرة في عمل السلطتين جرّاء كثرة اللجوء إلى حل البرلمانات وإقالة الحكومات، كما باتت عامل تعطيل لإنجاز الإصلاحات التي يجري منذ سنوات التعبير عن ضرورة التعجيل بإطلاقها.

وبعد إجراء الانتخابات البرلمانية الكويتية في الرابع من أبريل الجاري كان من المفترض أن تعقد الجلسة الأولى خلال الأسبوعين التاليين طبقا للدستور، لكن مرسوما أميريا بتأجيل دور الانعقاد أشعل الخلاف في الشارع السياسي وبين نواب البرلمان.

وانتخبت الكويت في التاريخ المذكور برلمانا جديدا ليصبح البرلمان الرابع منذ ديسمبر 2020، وبعدها استقالت حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح كخطوة إجرائية بعد كل انتخابات نيابية.

وصدر أمر أميري بقبول استقالة الحكومة في السابع من أبريل بالتوازي مع صدور مرسوم أميري بدعوة مجلس الأمة الجديد إلى أول اجتماع في الـ17 من الشهر نفسه.

لكن الشيخ محمد صباح السالم اعتذر عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي أربك المشهد السياسي، في ظل عزوف شخصيات أخرى من أسرة الصباح الحاكمة عن تولي المنصب تجنّبا للصدام مع البرلمان.

وفي الثامن من أبريل صدر مرسوم أميري جديد تم بموجبه تأجيل اجتماع مجلس الأمة إلى 14 مايو القادم مستندا إلى المادة 106 من الدستور التي تجيز للأمير تأجيل اجتماعات البرلمان مدة لا تتجاوز شهرا، في تكرار لسيناريو مشابه لما حدث في 2022.

لكن نوابا اعتبروا أن هذه المادة لا يمكن تطبيقها قبل بدء دور الانعقاد، ما يعني أن تأجيل الجلسة الأولى للبرلمان غير ممكن دستوريا.

ومن هؤلاء النواب رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم الذي كتب على منصة إكس قائلا “إذا لم تعقد جلسة 17 أبريل التي تمت الدعوة إليها فإن المجلس يعتبر مدعوا بقوة الدستور في صباح اليوم التالي للأسبوعين وفقا للمادة 87 من الدستور”.

ورغم الخلافات السياسية بين نواب البرلمان تبنت غالبية الأعضاء رأي الغانم، ومن هؤلاء النائب عبدالله المضف الذي كتب على منصة إكس “ملتزم بانعقاد المجلس في الموعد الدستوري المحدد وفقا للمادة 87”.

ودعا النائب فايز الجمهور إلى عقد جلسة الافتتاح “وفقا للدستور”، متهما السلطة التنفيذية بإدخال البلاد في “حالة تخبط وارتباك غير مسبوقة”.

وأعلن صالح عاشور، أكبر النواب سنا، أنه لا محل لعقد جلسة 17 أبريل لصدور مرسوم تأجيل الجلسة، مضيفا أنه “درءا لأي شبهات دستورية، فإن المجلس مدعو بحكم الدستور وفقا للمادة 87 لجلسة يوم الأحد 21 أبريل 2024 الساعة التاسعة صباحا”.

وفي المقابل خالف عدد من النواب هذا الرأي، لأن جلسة الأحد لن تكتمل بسبب غياب الحكومة عنها، ومنهم أحمد نبيل الفضل الذي أعلن عدم حضوره هذه الجلسة معتبرا أنها “لن تعني أي شيء”.

وأضاف الفضل في فيديو بثه على حسابه في موقع إكس أن حضور الجلسة قد يفهم على أنه “مماحكة ومصادمة مع القيادة السياسية وعدم تقدير ظروفها وهذا ما لا نريده”.

وقال النائب محمد هايف المطيري إنه ربما لن يحضر جلسة الأحد، مرجعا ذلك إلى ترجيحه رأي أمير البلاد، بينما دعا النائب عادل الدمخي إلى ضرورة أن يتم الفصل في النزاع الدستوري والآراء القانونية المختلفة من قبل المحكمة الدستورية.

وأسفرت الانتخابات عن تغيير محدود قياسا بتركيبة البرلمان السابق تمثل في دخول أحد عشر نائبا جديدا من أصل خمسين عضوا منتخبا إلى المجلس الجديد، ما يشير إلى احتمال استمرار حالة الجمود السياسي بعد أول انتخابات تجري في عهد أمير الكويت الحالي الشيخ مشعل الأحمد الصباح.

وعين الأمير الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيسا جديدا لمجلس الوزراء، وطلب منه تشكيل الحكومة الجديدة.

وستخلف حكومة العبدالله حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح التي لم تعمّر سوى أقلّ من ثلاثة أشهر، وذلك في مظهر على كثرة الانقطاعات في العمل الحكومي بالكويت.

محمد الفيلي: لدى النواب رغبة في تسجيل موقف سياسي مناوئ
محمد الفيلي: لدى النواب رغبة في تسجيل موقف سياسي مناوئ

وكان قد سبق الإعلانَ عن اختيار الشيخ أحمد لرئاسة الحكومة رواجُ أنباء عن اعتذار كل من رئيس الوزراء السابق الشيخ محمد السالم، والأسبق الشيخ صباح الخالد عن عدم تولي المهمّة، وذلك في إشارة إلى صعوبتها بعد أن أفضت الانتخابات البرلمانية إلى تشكيل برلمان لا يختلف كثيرا عن سابقه الذي دخل في خلافات عميقة مع السلطة التشريعية بسبب غلبة المعارضة على تركيبته وبفعل الخارطة التشريعية التي وضعها نوابه وتضمنت الكثير من المطالب الاجتماعية المتناقضة مع عملية الإصلاح المراد تنفيذها والتي تقتضي تقليص الدعم المقدّم للمواطنين من قبل الدولة وفرض مجموعة من الضرائب.

وشهدت الكويت خلال السنوات الأخيرة عدّة حالات من رفض شخصيات تولي مناصب وزارية لتجنّب التصادم مع أعضاء مجلس الأمّة الذين يتمتّعون بسلطات واسعة تشمل الرقابة على عمل الحكومة، لكنّهم كثيرا ما يستخدمونها بشكل مبالغ فيه لا ينفصل أحيانا عن الصراعات وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية والقَبَلية.

ولن يكون رئيس الوزراء الكويتي الجديد بمنأى عن خوض الصراع ضدّ أعضاء البرلمان الذين لم يتأخر بعضهم في رفض اختياره لتولّي المنصب.

وقال النائب بدر سيار “لم نتقدم لتمثيل الأمّة إلا من أجل التعاون وخدمة الوطن والمواطن، ولكن إذا كانت الحكومة تفكر في استخدام ملف تحسين المعيشة كمادة للمساومة، فأهلا وسهلا بالمواجهة”.

وبشأن الجدل الدائر حول موعد عقد أول جلسة للبرلمان الجديد، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت محمد الفيلي لوكالة رويترز إن اجتماع الأحد “لن يكون له أثر” لأنه يفترض أن يكون في حالة عدم الدعوة للاجتماع الأول للبرلمان، لكن مرسوم الدعوة صدر فعلا في موعده الدستوري من الأمير، رغم أن الاجتماع تأجل بسبب تطبيق مادة أخرى في الدستور.

وطبقا للمادة 104 من الدستور فإن الأمير يفتتح دور الانعقاد السنوي للمجلس ويلقي فيه خطابا يتضمن بيان أحوال البلاد وأهم الشؤون العامة ومشروعات وإصلاحات الحكومة خلال العام الجديد، ويمكنه إنابة رئيس الوزراء في ذلك.

وقال الفيلي إنه “غير متصور أن يحضر الأمير أو ينيب رئيس مجلس الوزراء” لحضور اجتماع الأحد بعد أن صدق على مرسوم التأجيل.

واعتبر أن هناك رغبة من النواب في المواجهة السياسية، قائلا “هناك رغبة في تسجيل موقف سياسي مناوئ.. لكن مناوئ لمن، لا أعلم”، وواصفا الموقف بأنّه “يفتقد للحصافة، لكن تبقى للسياسيين قناعاتهم وتبقى لهم حساباتهم”.

حكومة العبدالله ستخلف حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح التي لم تعمّر سوى أقلّ من ثلاثة أشهر

ويمثّل أمير الكويت أعلى سلطة في البلاد ويُعتبر مقاما ساميا يتوجّب على الجميع العمل بتوجيهاته وتنفيذ قراراته مع إبداء أكبر قدر من الاحترام لذاته.

وعلى هذه الخلفية تمّ حلّ البرلمان السابق قبل أن يستكمل السنة الأولى بعد انتخابه في يونيو من السنة الماضية، وذلك بموجب مرسوم أميري استند إلى “ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي وتعمّد استخدام العبارات الماسّة غير المنضبطة”.

ولهذا السبب أيضا نُظر إلى رفض بعض النواب تأجيل جلسة افتتاح أعمال مجلس الأمّة الجديد إلى مايو المقبل رغم أنّ قرار التأجيل جاء بمرسوم أميري، باعتباره موقفا مغاليا في الصِدامية وإثارة التوترات.

ولم تسلم الكويت، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، خلال السنوات الأخيرة من التعرّض لبعض المشاكل المالية جرّاء ارتهانها بشكل كبير لعوائد النفط، في ظل تعثّر الإصلاحات الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل والحدّ من تضخّم القطاع الحكومي رغم خموله وقلّة إنتاجيته على حساب القطاع الخاص.

3