مخاوف من توسع دائرة العنف والهرسلة ضد النساء في تونس

تبقى القوانين في تونس عاجزة عن حماية النساء من العنف المسلط عليهن من قبل أزواجهن وقد يصل العنف حد القتل. وتندد ناشطات نسويات بصمت الحكومة تجاه تزايد جرائم القتل ضد النساء وعجزها عن حمايتهن، معبرات عن مخاوفهن من توسع دائرة العنف والهرسلة ضد النساء بسبب الذكورية والتمييز ضدهن، مطالبات بتفعيل قانون حماية المرأة من العنف.
تونس ـ تزيد المخاوف من توسع دائرة العنف والهرسلة ضد النساء في تونس خصوصا بعد تتالي جرائم قتل عدد منهن على أيدي أزواجهن.
وكشف تقرير للمرصد الاجتماعي التونسي أن العنف الزوجي مثل نسبة 4.56 في المئة من حالات العنف المسجلة خلال الثلاثي الأول لسنة 2024.
وتظاهرت مجموعة من الناشطات في الدينامكية النسوية، المكونة خصوصا من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية أصوات نساء، مؤخرا، أمام وزارة المرأة للتعبير عن مخاوفهن من توسع دائرة العنف والهرسلة ضد النساء بسبب الذكورية والتمييز ضد النساء والمطالبة بتفعيل قانون حماية المرأة من العنف، وذلك على إثر الجريمة البشعة التي جدت السبت الماضي بمنطقة الجبل الأحمر بالعاصمة وراحت ضحيتها امرأة مطلقة وفردان من عائلتها.
وقالت نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في كلمة عبر مكبر الصوت، إن هذه الوقفة ترمي إلى تحميل الدولة ووزارتها المعنية بشؤون المرأة والحكومة ورئيس الجمهورية مسؤولياتهم عن وقف العنف والانتهاكات المسلطة على المرأة في المجتمع وتفعيل القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
وأضافت أنه لا يشرفهم أن تستقبل مراكز الإنصات للمرأة المعنفة ألف امرأة كل سنة، معتبرة أن مراكز حماية المرأة من العنف التابعة لوزارة المرأة وهياكل وزارة الداخلية ووزارة العدل غير كافية لأن العنف ضد النساء وجرائم القتل ضدهن في ارتفاع.
معظم التونسيات خاصة إذا كن غير ملمات بالقراءة والكتابة، لا يعلمن بالتدابير والخدمات المتاحة لحمايتهن من العنف
وقالت حليمة الجويني عضو الهيئة التسييرية لجمعية النساء الديمقراطيات، في كلمتها، إن العنف والهرسلة ضد النساء في ازدياد ويقابلهما صمت الدولة وتكريس مؤسساتها الممنهج للذكورية والتمييز الجنسي حتى أصبحت تونس مهددة ونساؤها مهددات، مطالبة بالعمل على وقف العنف الذكوري والتمييز ضد المرأة ومنع الإفلات من العقاب.
وكانت منطقة الجبل الأحمر (حي شعبي) بالعاصمة شهدت السبت الماضي جريمة بشعة تمثلت في قتل رجل لطليقته وأمها وخالها بمطرقة.
وجدّت الجريمة بعد أيام قليلة على حكم المحكمة لفائدة صابرين بالطلاق، ليقوم طليقها بتنفيذ تهديده لها مرارا بالقتل في حال أصرّت على الطلاق.
وقالت ابنة عمّة الضحية في مداخلة هاتفية في برنامج “رمضان الناس”، على إذاعة خاصة إنّ طليق الهالكة سبق له أن هدّدها بالقتل إنّ هي استكملت قضية الطلاق.
ورغم إبلاغها للوحدات الأمنية عن تعرّضها للتهديد بالقتل من قبل زوجها، فإنّ ذلك لم يردع الجاني عن تنفيذ تهديده بمجرّد حصول الطلاق. وكان الردّ على شكواها آنذاك بأنّه في غياب أي عنف مادي ظاهر لا يمكن القيام بأيّ تدخّل ضدّه.
وقد استمر زواج صابرين حوالي 8 سنوات، قبل أن تقرّر التقدّم بقضيّة في الطلاق بعد أن تتالت الخلافات مع زوجها الذي كان يعيش معها في منزل والدتها ويشاركهما خالها المسنّ السكن.
وظلّت صابرين تعيش تحت التهديد المتواصل، إلى أنّ قام الجاني بقتلها وقتل والدتها وخالها.
عدد جرائم قتل النساء في تونس تضاعف 4 مرّات من 2018 إلى حدود يونيو 2023
وتبقى القوانين في تونس عاجزة عن حماية النساء من العنف والتهديد بالقتل.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نُشِر في عام 2022، إن السلطات التونسية لا تحمي النساء من العنف الأسري رغم سنّ قانون قوي في 2017.
ووجد التقرير الصادر في 95 صفحة، أنه رغم التزام بعض المسؤولين وسنّ واحد من أقوى القوانين ضد العنف الأسري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُعرّض التنفيذ السيء للقانون النساء لخطر العنف. لم تستجب السلطات، أو تُحقّق، أو توفر بشكل منهجي الحماية للنساء اللاتي يبلغن عن العنف، وترك نقص تمويل خدمات الدعم كمراكز الإيواء العديد من الضحايا بلا مكان يهربن إليه.
وقالت كنزة بن عزوز، زميلة “فينبيرغ” في هيومن رايتس ووتش وكاتبة التقرير، “كان اعتماد القانون 58 إنجازا مهما تحقق بعد نضال طويل لمكافحة العنف ضد المرأة في تونس. إلا أنه وبعد مرور خمس سنوات، لا تزال العديد من النساء يتعرضن لانتهاكات جسيمة على يد أزواجهن وأفراد الأسرة الآخرين ويُحرمن من الحماية والمساعدة المستحقة لهن من السلطات”.
في 2021 و2022، قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 100 شخص في جميع أنحاء تونس، بينهم 30 ضحيّة عنف أسري، وأعوان شرطة، ومحامون، وقضاة، ومقدّمو الخدمات. تمحورت المقابلات حول تعامل السلطات التونسية مع العنف الأسري.
وقالت إحدى الضحايا (40 عاما) “أشعر وكأنني أسير بنفسي إلى قبري”، وقالت إن السلطات رفضت مساعدتها بعدما ضربها زوجها بطوبة.
عدد حوادث قتل النساء المسجلة في تونس خلال 2023 بلغ 25 جريمة
وجدت هيومن رايتس ووتش أن معظم التونسيات، خاصة إذا كن يعشن في الريف أو غير ملمات بالقراءة والكتابة، لا يعلمن بالتدابير والخدمات المتاحة لحمايتهن من العنف بموجب القانون 58. ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم كفاية الحملات التوعية واللافتات.
ويحق للمرأة بموجب القانون 58 التقدم بطلب للحصول على إجراءات حماية مؤقتة يُمكن للشرطة أن تطلبها من النيابة، بالإضافة إلى أوامر الحماية طويلة المدى التي يُمكن للمحاكم إصدارها دون حاجة الضحية إلى رفع دعوى جنائية أو طلب الطلاق. هذا يسمح للسلطات بمنع المعتدين المزعومين من الاقتراب من الضحايا وأطفالهنّ، ما يمنح الضحايا الحماية في منازلهن حتى يأخذن قرارهن بشأن الخطوات التالية. مع ذلك، لا يبدو أن السلطات تصدر هذه الأوامر على نطاق واسع.
وفتحت السلطات 130 وحدة شرطة مختصّة في أنحاء البلاد بموجب القانون 58 ووفرت لها دورات تدريبية. لكن النساء قلن إن الشرطة لم تشرح لهن بشكل روتيني حقوقهن وخياراتهن، أو لم تستجب لشكاويهن، أو ضغطت عليهن للمصالحة مع المعتدين أو الرضوخ للوساطة الأسريّة بدلا من متابعة شكوى جنائية.
وكشفت دراسة جديدة أن عدد حوادث قتل النساء المسجلة في تونس خلال 2023 بلغ 25 جريمة، مشيرة إلى أن نسبة 54 في المئة من هذه الجرائم نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهم.
وأوضحت معطيات الدراسة، التي حملت عنوان “سكوتنا قاتل”، أن في ما يتعلق بباقي الجرائم بلغت “نسبة المنفذة ضد أمهات 21 في المئة، و8 في المئة ضد الأخت أو الابنة، و4 في المئة ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم”.
ووفق الدراسة التي أعدتها وحدة العمل الاجتماعي التابعة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية، نُفذت 38 في المئة من جرائم القتل، التي راحت ضحيتها نساء، طعنا بالسكين و29 في المئة منها باستعمال آلة حادة و13 في المئة منها خنقا و8 في المئة منها ذبحا و4 في المئة منها دهسا بالسيارة أو إلقاء في البئر أو حرقا.
وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إن أغلبية أسباب جرائم القتل ضد النساء تعود إلى خلافات عائلية، تتعلق أساسا بشكوك تحوم حول الخيانة أو رفض الطلاق أو من أجل “الشعوذة” و”الرقية الشرعية”، معتبرة أن ذلك يدل على انتشار السلوكيات التقليدية البالية في تونس وهيمنة النزعة الذكورية والعقليات المتحجرة التي لم تتغير على مر السنوات.
وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن قد أعدّت تقريرا وصفيا يرصد الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لجرائم قتل النساء في تونس وملامح القائمين بالجريمة خلال الفترة الممتدّة بين يناير 2018 والثلاثين من يونيو 2023.
وبيّن هذا التقرير أنّ عدد جرائم قتل النساء في تونس تضاعف 4 مرّات من 2018 إلى حدود يونيو 2023.