القضاء البريطاني يقترب من حسم قضية فساد تورط فيها وزير الحرس الوطني السعودي السابق

لندن - قضت محكمة في العاصمة البريطانية لندن الجمعة بسجن جيفري كوك العضو المنتدب السابق لشركة تابعة لأيرباص لمدة عامين ونصف العام وذلك بعد إدانته في قضية فساد تتعلّق بصفقات سلاح ومعدات مع المملكة العربية السعودية أبرمت عندما كان جيفري يعمل في وزارة الدفاع البريطانية، وتمت في عهد مسؤولين سعوديين كبار سابقين باتوا خلال السنوات الأخيرة ملاحقين بتهم الفساد في بلدهم في نطاق الحملة الواسعة التي أطلقها ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان ضدّ الظاهرة.
وكانت وثائق بريطانية قد كشفت في نوفمبر الماضي، ولأول مرة، أسباب القرار الذي اتخذه ولي العهد السعودي بتوقيف الأمير متعب وزير الحرس الوطني السابق سنة 2017، والضغط عليه لإعادة أموال اتهم بالحصول عليها كعمولات من شركات أسلحة ومعدات أجنبية.
وكان الأمير محمّد قد شنّ أكبر حملة لمحاربة الفساد في المملكة طالت أثرياء ورجال أعمال كبارا ولم تستثن أفرادا من الأسرة الحاكمة.
وأُدين كوك بمخالفة قواعد العمل في منصب عام في يناير الماضي إثر إجراء تحقيق جنائي استمر طويلا بشأن ما قيل عن دفع رِشى لمسؤولين سابقين في السعودية.
كما وجهت السلطات اتهاما لكوك البالغ من العمر سبعة وستين عاما أيضا بالإشراف على مدفوعات غير قانونية لوسطاء للحصول على صفقات مربحة مع الحرس الوطني السعودي.
لكن محكمة برّأت كوك وجون ميسون، الذي قال ممثلو الادّعاء إنه المحاسب والمالك لجزء من أعمال الوسطاء، من تهمة الفساد.
ودفع الرجلان ببراءتهما من دفع رشاوى للمسؤولين السعوديين الذين من بينهم الأمير متعب بين عامي 2007 و2012.
وركزت القضية إلى حد كبير على شركة جي.بي.تي لإدارة المشروعات الخاصة، وهي شركة تابعة لأيرباص لم تعد موجودة الآن وكان عملها الوحيد هو توفير أنظمة الاتصالات للحرس الوطني السعودي بموجب عقد مع وزارة الدفاع.
المتهمون يدفعون ببراءتهم على أساس أن المدفوعات لم تشكل فسادا لأنها تمت بعلم مسؤولين بريطانيين كبار
وقال ممثلو الادعاء إن كوك وميسون مارسا أعمال فساد شملت دفع رشاوى بأكثر من 9.7 مليون جنيه إسترليني (12.1 مليون دولار) لمسؤولين سعوديين سابقين ووسطاء بين عامي 2007 و2010.
لكن كوك وميسون قالا إن الحكومة البريطانية وافقت على مدفوعات بملايين الجنيهات الإسترلينية لأنها تصب في المصالح المالية والإستراتيجية للبلاد.
وذكر توم ألين، الذي يمثل كوك، أن مسؤولين وساسة ودبلوماسيين بريطانيين كبارا كانوا على علم بمدفوعات وصلت في الإجمال إلى 60 مليون جنيه إسترليني تقريبا ووافقوا عليها اعتبارا من عام 1978 وما تلاه.
وأُدين كوك بتهمة واحدة هي مخالفة قواعد العمل في منصب عام في ما يتعلق بمدفوعات تلقاها خلال فترة عمله في وزارة الدفاع وقبل انضمامه إلى شركة جي.بي.تي. وحكم عليه القاضي سيمون بيكين بالسجن لمدة 30 شهرا.
وفي نوفمبر الماضي قال المدعي مارك هايوود إن كوك وميسون تورطا في “فساد عميق”. ولم يشكك ألين في دفع المبلغ المذكور لكنه اعتبر أنّ تصرفات كوك لا تشكل فسادا.
وقال ألين لهيئة المحلفين إن القضية الأساسية في المحاكمة هي “من يرقص وكيف”، مضيفا أن المدفوعات طلبها الحرس الوطني السعودي صراحة تحت شعار “إذا كنتم تريدون التعامل معنا فعليكم الدفع”.
وقال غراهام برودي محامي ميسون إن وزارة الدفاع وافقت على هذه المدفوعات لأنها “تخدم المصالح المالية، وربما الأهم بالنسبة إلى الحكومة أنها تخدم المصالح الإستراتيجية للمملكة المتحدة”.
والحرس الوطني السعودي هو أحد أهم أفرع القوات السعودية ويتمتّع منتسبوه بتكوين وتدريب عاليي المستوى ما يؤهّلهم للقيام بمهام حساسة في حفظ أمن المملكة ومكافحة مختلف التهديدات بما فيها الإرهاب.
وشهد هذا الهيكل الأمني سنة 2013 نقلة نوعية بتحويله من رئاسة إلى وزارة وذلك بأمر ملكي صدر عن العاهل السعودي السابق الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أمر أيضا بتعيين ابنه الأمير متعب على رأس الوزارة الجديدة.
وحظي الحرس الوطني سواء بهيكليته القديمة أو بوضعه الجديد بتجهيز حديث ومتطور استدعى تخصيص موازنات مالية كبيرة له أثارت أحيانا طمع بعض المسؤولين الفاسدين.
لكن جهود ولي العهد السعودي في محاربة الفساد جعلت الحرس الوطني على غرار الكثير من أجهزة الدولة ومن ضمنها الجهاز العسكري والأمني موضع تدقيق استثنائي، الأمر الذي قاد إلى تنقية تلك الأجهزة إلى حدّ كبير من الفساد.