البحرين تقطع خطوة جديدة باتجاه تجاوز ترسبات اضطرابات مطلع العشرية الماضية

الحكومة البحرينية أبدت استعدادها للتحرك من أجل معالجة أوضاع السجون التي تحولت إلى صداع لها استغلته قوى عملت بشكل حثيث على توظيف هذا الملف ضدّها.
الثلاثاء 2024/04/09
انقضت الحاجة إلى الحل الأمني وحان وقت الحلول الناعمة

المنامة- أصدر العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة عفوا على عدد كبير من السجناء من بينهم مدانون بالمشاركة في الاضطرابات التي حدثت بشوارع البلاد مطلع العشرية الماضية، ضمن الاحتجاجات التي وقفت وراءها أطراف شيعية معارضة وذلك كامتداد لأحداث الربيع العربي التي تفجّرت آنذاك في عدد من بلدان المنطقة.

وتأتي الخطوة كحلقة جديدة في مساعي البحرين لطي صفحة تلك الأحداث بعد أن تمكنّت من إخمادها وتجاوز خطرها، لكنها خلفت بعض التبعات على صورة المملكة لدى شركائها الغربيين تتجلى من حين إلى آخر في الانتقادات التي توجهها منظمات دولية للوضع الحقوقي البحريني، لاسيما طريقة محاكمة المعارضين والأوضاع داخل السجون التي يقضون فيها محكومياتهم.

وتضمّن مرسوم ملكي العفو عن 1584 شخصا يواجهون اتهامات جنائية و”قضايا شغب”، بحسب ما أفادت وسائل إعلام رسمية، الاثنين، في أكبر عملية عفو جماعي من نوعها منذ سنوات.

ولم يحدد المرسوم الذي نشرته وكالة أنباء البحرين الرسمية ما إذا كان السجناء السياسيون من بين المشمولين بالعفو، لكن معهد البحرين للحقوق والديمقراطية الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، قال إن من المحتمل أن يكون عدد من هؤلاء من بين المفرج عنهم.

◄ المنظمات الحقوقية تستخدم ملف السجناء ضد البحرين وتوظف علاقاتها بشركاء دوليين مهمين للضغط عليها

وقالت الوكالة البحرينية إن العفو يأتي “بمناسبة اليوبيل الفضي” (25 عاما) لتولي الملك حمد بن عيسى مقاليد الحكم و”تزامنا مع الاحتفالات بعيد الفطر”.

وأضافت أنّ قرار العفو جاء انطلاقا من حرص عاهل البلاد “على تماسك وصلابة المجتمع البحريني والعمل على حماية نسيجه الاجتماعي”، لافتة إلى أن العفو يشمل “عددا من المحكومين في قضايا الشغب والقضايا الجنائية”.

ولفت المعهد إلى أن ذلك يمثّل “أكبر عدد من السجناء الذين تم العفو عنهم منذ الانتفاضة” في إشارة إلى الأحداث التي انطلقت في البحرين في 2011 ضمن احتجاجات طالبت المعارضة الشيعية خلالها بملكية دستورية وإصلاحات سياسية أخرى.

وقال مصدر في المعهد إن المرسوم الملكي الأخير “سيشمل السجناء السياسيين لأن مصطلح الشغب يشير إلى أولئك الذين طالبوا بالتغيير السياسي”.

ومنذ العام 2020 شرعت السلطات البحرينية في تخفيف التوتّر الحاصل بسبب ملف السجناء حيث أعلنت وزارة الداخلية عن إطلاق سراح 1486 سجينا حصل 901 منهم على عفو ملكي لأسباب إنسانية.

وفي أغسطس الماضي أعلنت عن جملة من الإجراءات التي تستهدف تحسين أوضاع السجناء بعد إضراب عن الطعام شهدته سجون المملكة ولاسيما سجن جو المعروف.

وأبدت الحكومة البحرينية منذ ذلك الحين استعدادها للتحرك من أجل معالجة أوضاع السجون التي تحولت إلى صداع لها في الداخل ومصدر إحراج مع الخارج، لاسيما وأن بعض القوى عملت بشكل حثيث على توظيف هذا الملف ضدّها.

◄ الملك حمد بن عيسى آل خليفة يصدر عفوا على عدد كبير من السجناء من بينهم مدانون بالمشاركة في الاضطرابات التي حدثت بشوارع البلاد مطلع العشرية الماضية
الملك حمد بن عيسى آل خليفة يصدر عفوا على عدد كبير من السجناء من بينهم مدانون بالمشاركة في الاضطرابات التي حدثت بشوارع البلاد مطلع العشرية الماضية

وتعهّدت الحكومة التي يقودها ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بمنح السجناء المزيد من الحقوق، أبرزها زيادة ساعات الزيارات وذلك في خضمّ إضراب عن الطعام نفّذه نزلاء ووصف بالأكبر على الإطلاق في تاريخ السجون في البلاد.

لكن الأضواء عادت في سبتمبر الماضي لتسلّط على قضية السجون في البحرين عندما أصدرت محكمة بحرينية أحكاما بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات بحق ثلاثة عشر سجينا بتهم مرتبطة باعتصام كانوا نفّذوه داخل السجن عام 2021 احتجاجا على ظروف احتجازهم، وفق ما أفادت منظمة حقوقية بحرينية وصفت المحكوم عليهم بأنّهم “سجناء سياسيون”، وأن محاكمتهم تمت بشكل جماعي.

وقال معهد البحرين للحقوق والديمقراطية إنّ “المحاكمة شابتها انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك الحق في حضور المحاكمة أو مقابلة محام”.

وردا على ذلك أكدت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل التابعة للحكومة أنّ “الحقوق القانونية لجميع النزلاء في البحرين مضمونة ويتم تنفيذ الآليات القضائية وفقا للإجراءات القانونية الواجبة”.

وأكدت أنّ “الحادثة المعنيّة التي وقعت في سجن جو في 17 أبريل 2021، كانت محاولة عنيفة معدّة مسبقا من جانب مجموعة صغيرة من النزلاء لكن منظمة جدا، لتعطيل عمليات السجن”، معتبرة أنها “لم تكن قطعا اعتصاما أو احتجاجا سلميا كما يُزعم” وقد “اتخذ موظفو المنشأة تدابير متناسبة”.

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أعربت في إثر تلك الحوادث عن “انزعاجها من استخدام القوة غير الضرورية وغير المتناسبة من قبل قوات الشرطة الخاصة لإنهاء اعتصام سلمي في سجن جو” احتجاجا على ظروف الاحتجاز.

ونقلت المفوضية آنذاك عن شهود عيان قولهم إنّ “القوات الخاصة قامت بإلقاء قنابل صوتية وضربت المحتجزين على رؤوسهم، مما أدى إلى إصابة العديد منهم بجروح خطرة”.

◄ الخطوة تأتي كحلقة جديدة في مساعي البحرين لطي صفحة تلك الأحداث بعد أن تمكنّت من إخمادها وتجاوز خطرها، لكنها خلفت بعض التبعات على صورة المملكة لدى شركائها الغربيين

وجاء الاعتصام عقب وفاة السجين السياسي عباس مال الله الذي تقول منظمات حقوقية إنه حُرم من الحصول على الرعاية الصحية في الوقت المناسب.

ويوجد من بين السجناء شخصيات معارضة ونشطاء معروفون ما يجعل لقضيتهم صيتا دوليا على غرار عبدالهادي الخواجة وهو ناشط حقوقي بحريني يحمل الجنسية الدنماركية ويبلغ من العمر 63 عاما وهو مسجون منذ 13 عاما.

وتقول ابنة الخواجة ومنظمات حقوقية إنّه عانى من مشاكل خطيرة في القلب استوجبت نقله إلى العناية المركّزة في مستشفى عسكري بحريني بعد بدئه إضرابا عن الطعام.

وتحاول المنظمات استخدام علاقات البحرين بشركاء دوليين مهمّين للضغط عليها بشأن ملف السجناء. وجاء في رسالة بعثتها منظمات غير حكومية بينها منظمة العفو الدولية في وقت سابق إلى الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ الخواجة “لا يزال يحتاج إلى رعاية صحية مناسبة وعاجلة، تعجز سلطات السجن عن تأمينها له”.

والبحرين حليف إستراتيجي للولايات المتحدة وتستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.

وفي السنوات الأخيرة نفّذت المملكة “إصلاحات واسعة النطاق في مجال العدالة الجنائية، بما في ذلك برنامج الأحكام البديلة وأحكام جديدة لقضاء الأحداث ومبادرة السجون المفتوحة”، بحسب الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل.

3