هل تبحث نقابة الصحافيين المصرية عن ثقل سياسي بمنح عضوية شرفية للصحافيين الفلسطينيين

تتخذ نقابة الصحافيين المصرية قرارات تتماشى مع حالة الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، مما يوحي برغبتها في إبراز مكانتها بالمشهد السياسي، رغم وجود مطالب تنادي بضرورة أن تولي النقابة اهتماما أكبر للجوانب المهنية التي تعاني منها مهنة الصحافة في مصر، وزيادة فاعليتها لحماية حقوق الصحافيين ممن يعانون من سيطرة رأس المال على مستقبلهم المهني.
القاهرة - عززت نقابة الصحافيين المصرية حضورها السياسي في المشهد العام مع اتخاذها قرارات تتعلق بمعاملة الصحافيين من أعضاء النقابة الفلسطينية معاملة المصريين ومنحهم العضوية الشرفية، في خطوة تدعم حظوظ النقابة في أن تلقى تأييداً ممن لديهم مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، وقد يتجاوز الأمر ذلك إلى قطاعات شعبية تنظر برؤية إيجابية لأية خطوات تخفف من تردي الأوضاع في قطاع غزة.
وأكدت نقابة الصحافيين أن خطوتها جاءت استجابة لمطالب صحافيين فلسطينيين، وإضفاء صبغة إنسانية على القرارات التي تخطى بعضها حدود ما تقدمه من خدمات لأعضائها، وتوفير مساعدات لصحافيين فلسطينيين جاءوا إلى مصر.
وتضمنت المطالب حصر أعداد الصحافيين والإعلاميين في غزة بالتنسيق مع المنظمات الدولية وإدراجهم كأعضاء ببعض الهيئات الصحافية الدولية، ومنح عضوية شرفية للأعضاء الدائمين في نقابة الصحافيين الفلسطينيين من غزة وتقديم كل الخدمات التي يتمتع بها الصحافي المصري، وتنظيم حملات لحماية الصحافيين من القتل المتعمد، والعمل مع الاتحادات العربية والدولية لملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية.
وبدت قرارات النقابة المصرية متماشية مع حالة الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، وهي ضمانة لعدم وجود اعتراضات عليها، في ظل مطالب تنادي بضرورة أن تولي النقابة اهتماما أكبر للجوانب المهنية التي تعاني منها مهنة الصحافة في مصر، وتستعيد دورها على مستوى محاسبة من يتجاوزون ميثاق الشرف الصحافي، وزيادة فاعليتها لحماية حقوق الصحافيين ممن يعانون من سيطرة رأس المال على مستقبلهم المهني.
وتبقى أدوار النقابة السياسية إيجابية إذا حدث التوازن المطلوب مع الجوانب المهنية، إذ أن مجلس النقابة الحالي بعد عام من توليه منصبه يحاول تطبيق هذه المعادلة، لكن الخشية أن تقود الحسابات السياسية المتعارضة إلى انتكاسة خدمية بعد أن شعر العديد من الصحافيين بحدوث تطورات في بعض الملفات، منها ما يتعلق بالخدمات الصحية والإسكان وتحسين جودة التدريب لدى المراكز المختصة بذلك داخل النقابة.
وتعكس توجهات النقابة المصرية تجاه الصحافيين الفلسطينيين موقف تيار اليسار المسيطر على جزء كبير من مقاليدها، والذي دائما ما يوظف القضية الفلسطينية لصالح تعزيز حضوره السياسي، بل إن تحركات هذا التيار في ملفات أخرى تنطلق من البعد التاريخي والإنساني المرتبط بالقضية الفلسطينية، وهو ما تترجمه مواقف مجلس النقابة الذي استطاع أن يعيدها إلى فترات سابقة كانت فيها حاضرة بفعل مواقفها السياسية تجاه مسائل مختلفة داخلية وخارجية.
ويقول صحافيون إن قرار النقابة بمنح العضوية الشرفية للصحافيين الفلسطينيين هو قرار سياسي أكثر من كونه يتعلق بجوانب مهنية، وأن سقوط عشرات الضحايا والتضييق المستمر بحقهم وعدم قدرتهم على ممارسة عملهم بحاجة إلى أدوار هيئات صحافية دولية من المفترض أن تحافظ عليهم وتمنحهم الحصانة المطلوبة لتأدية عملهم، وأن دور نقابة الصحافيين يمكن أن يكون مسهلاً وداعمًا.
وتختلف العضوية الشرفية التي هي بمثابة تكريم عن العضوية الاستثنائية التي تمنحها النقابة لبعض الصحافيين من جنسيات عربية مختلفة ممن يقيمون على الأراضي المصرية ويعملون بصحف ووكالات أنباء، بالتالي فالجانب المهني الذي يضيف للصحافيين الفلسطينيين محدود، فالنقابة تلتزم بالدفاع عن المنتمين إليها.
وتوجه نقابة الصحافيين دعوات لفلسطينيين لحضور لقاءات ومؤتمرات داعمة لقضيتهم، واستضافت عشرات منهم نهاية شهر مارس الماضي تزامنًا مع إفطار سنوي نظمته لأعضائها، والاحتفال بيوم الأرض، ما يشي بأن النقابة تبني رؤيتها للظهور بأنها مدافع عن حقوق الفلسطينيين وليس الصحافيين المصريين.
وليس هناك إحصاء بأعداد الصحافيين الفلسطينيين الذين دخلوا إلى مصر خلال الفترة الماضية، لكن يوجد العشرات منهم يعملون كمراسلين لوكالات أنباء دولية، وكان موقف النقابة الأخير بمنحهم العضوية الشرفية محل ترحيب لدى كثير من الصحافيين الفلسطينيين الذين عبروا عن ذلك في كتاباتهم للصحف والمواقع المختلفة.
وتجد قرارات النقيب خالد البلشي تأييداً من الصحافيين المصريين الذين لديهم قناعات تاريخية ترفض التطبيع مع إسرائيل ودائما ما يشكلون أداة ضغط على مجالس النقابات المختلفة كي تكون أكثر فاعلية في مواجهة مسألة التطبيع، بالتالي فالتفاعل مع صحافيي قطاع غزة سوف يبقى نقطة إيجابية تضيف إلى رصيد المجلس الحالي، الذي يحظى بثقة كبيرة بين أعضاء الجمعية العمومية ممن يرون بأن النقابة استعادت عافيتها.
وتشير إحصاءات لجنة حماية الصحافيين الدولية إلى أن أكثر من 95 صحافيا لقوا حتفهم منذ عملية طوفان الغضب في السابع من أكتوبر الماضي وحتى مطلع الشهر الجاري نتيجة للصراع الدائر في غزة، بينهم 90 صحافيًا فلسطينيًا وإسرائيليين اثنين، وثلاثة لبنانيين، كما تم الإبلاغ عن إصابة 16 صحافيًا، وفقدان أربعة واعتقال 25 آخرين، بالإضافة إلى استمرار الهجمات والاعتقالات والتهديدات والرقابة.
95
صحافيا لقوا حتفهم منذ عملية طوفان الغضب في السابع من أكتوبر الماضي وحتى مطلع الشهر الجاري نتيجة للصراع الدائر في غزة
وبلغ عدد الصحافيين والعاملين الإعلاميين الذين قتلوا العام الماضي في جميع أنحاء العالم 99 فرداً، وكان 75 في المئة قتلوا في حرب إسرائيل على غزة، وفقاً لتقرير أصدرته لجنة حماية الصحافيين، وقٌتل 72 صحافيًا في غزة منذ بدء الحرب الحالية.
وثمّن نقيب الصحافيين المصريين سابقا يحيى قلاش قرار النقابة ووصفه بـ”الإيجابي”، ويؤكد على الموقف التاريخي للنقابة التي تضع مسألة دعم القضية الفلسطينية، على رأس أولوياتها، لافتًا إلى أن أكثر من نصف عمر النقابة قضته في ظل اتخاذها قراراً يحظر التطبيع مع إسرائيل، وكانت أولى منظمات المجتمع المدني المصرية التي اتخذت هذا القرار في العام 1980، ما يجعل الجمعية العمومية تؤيد وتتمسك بمثل هذه القرارات التي تعبر عن توجه تاريخي للنقابة.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أنه لا يمكن القول في المقابل إن نقابة الصحافيين هي وزارة الخارجية المصرية، لكنها تمارس دورا سياسيا يتماشى مع طبيعة عملها، وهي كيان يحمل راية الوعي والثقافة والقومية الوطنية، ومن أبرز المشتركات التي يتوافق عليها الصحافيون في مصر، هي مسألة دعم القضية الفلسطينية ما يجعل أية قرارات تسير في هذا الاتجاه تحظى بالتوافق المطلوب، مشيرا إلى أن الخطوات الأخيرة تهدف لحث جميع الجهات والأنظمة العربية والدولية للتدخل لدعم المدنيين في غزة.
وذكر قلاش أن مواقف النقابة الأخيرة التي يرتبط بعضها بقرارات لها علاقة بجهات حكومية أخرى تحظى بتنسيق ودعم مع أجهزة الدولة، وتعزز دور مصر في تقديم كافة أشكال الدعم الإنساني لأهالي القطاع.
وتضمنت المطالب التي تنوي نقابة الصحافيين المصرية تنفيذها التنسيق مع الجهات الأمنية لتسهيل حركة مرور وسفر الصحافيين عبر معبر رفح الحدودي في الاتجاهين، وتسهيل خروج وعلاج الصحافيين والمصابين بأمراض مستعصية، والمساعدة في علاج عوائلهم، وتوفير الحصول علي إقامة مؤقتة ممتدة.