"سيفار".. رحلة تشق الأنفس لكشف أسرار مدينة الفضائيين

الكتاب يكشف بعض أسرار مدينة سيفار هذه الأعجوبة بما تحمله من رسومات وكهوف وآثار ضاربة في التاريخ.
الثلاثاء 2024/04/09
مدينة تحاك حولها الأساطير

طلال المعمري

الجزائر – يندرج كتاب “سيفار.. المدينة الضائعة” لمؤلفه يعقوب كراك في ما يصطلح عليه “أدب الرحلة”، وهو نوع من الأدب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلة قام بها لإحدى البلدان أو المناطق؛ إذ يصور هذا الكتاب مدينة سيفار اللغز التي دارت حولها القصص والأساطير، ووصفت بأغرب الأوصاف والنعوت كـ”مدينة الجن” و”أعجوبة العالم الثامنة”، و”أطلنطس الضائعة”، وذهب آخرون إلى وصفها بـ”مدينة الفضائيين”.

لهذا وذاك، جاء هذا الكتاب ليكشف بعض الخفايا عن هذه الزاوية المخفية، والمتاهة التي أسالت الكثير من الحبر بخصوص ماهيتها وأسرارها.

وتحدث الكاتب في البداية عن مفهوم السفر وفوائده الواسعة من ترويح على النفس واكتشاف وإثراء المعرفة بكل جوانبها، وهذا دأب الأولين في ما أوصلوه لنا من اكتشافات وثقافات شعوب متعددة وغيرها، ثم طرح الكاتب سؤالا عريضا جاء فيه “لماذا سيفار؟” وأجاب عن السؤال أن الرغبة والفضول هما ما دفعاه إلى المخاطرة وزيارة هذه المدينة لاكتشافها، بالرغم من مشقة هذه المأمورية واستحالتها في بعض جوانبها، خاصة أن ما نعرفه عن هذه المدينة هو بعض الكتابات الأجنبية فقط، ولم تحظ بذلك الاهتمام المحلي، سواء على المستوى الرسمي أو الفردي.

وأخذ الكاتب المبادرة لكشف بعض أسرار هذه الأعجوبة وما تحمله من رسومات وكهوف وآثار ضاربة في التاريخ، إذ يقول “اكتشفتْ هذه المدينة الأسطورية من طرف أحد السكان المحليين (الطوارق)، ويدعى جبرين محمد أق أبوبكر الذي ولد بمنطقة تامغيت بالقرب من سيفار، وزور هذا الاكتشاف العسكري الفرنسي الرقيب هنري أليوت عندما نسبه لنفسه سنة 1956؛ إذ استغل معرفة جبرين بخبايا الطاسيلي وطرقه ودرايته الدقيقة بكهوف سيفار، واستفاد من عدم قدرته على نشر المعلومات لمحدودية إمكانياته المادية والعلمية”.

غغغ

ويؤكد مؤلف الكتاب أنه “عند ذكر سيفار لا بد أن نقرنها بمدينة جانت لأن سيفار تابعة لها جغرافيا، ولأنها العاصمة الفعلية للحضيرة الوطنية للطاسيلي ناجر، ومعناها ‘هضبة الثور’، وجانت هي واحة كبرى في قلب الصحراء تبعد بـ2300 كلم جنوب العاصمة الجزائر، و100 كلم عن الحدود الليبية، و200 كلم عن النيجر. وتعتبر من أهم معاقل الطوارق، وتشتهر بثلاثة قصور ضاربة في التاريخ”.

بدأت رحلة الكاتب من جانت حيث كان في استقباله مرشده التارقي عمي العيد، وهو رجل خمسيني يحفظ الصحراء، وملم بخبايا الطاسيلي ناجر، كان قد أعد العدة للدخول إلى سيفار، ويساعده ابنه الذي كان مسؤولا عن الحمير التي تعتبر الوسيلة الوحيدة التي يمكن التنقل عبرها لدخول سيفار، إذ تم تحضير الغذاء والأفرشة والحقائب ومختلف ما يستعمل في هذه الرحلة، ثم ينتقل الكاتب لتوصيف الطريق المؤدي إلى سيفار لكي يعيش معه القارئ هذه التجربة بكل جوارحه.

أول الطريق هي منطقة تفلالت، وهناك يقام أول مخيم ومبيت استعدادا للمسير، وبها مركز تابع لحضيرة الطاسيلي ودوره مراقبة السياح وجمع التراخيص، لأن الدخول إلى سيفار لا يتم إلا عبر ترخيص من السلطات هناك نظرا إلى صعوبة الطريق، ثم تتقدم القافلة وصولا إلى مرتفع تنزيرهال، وهو أول العقبات في الطريق، مرتفع شديد الانعراج ولا يمكن اختراقه إلا بعد اللف حوله مباشرة، ثم يأتي أمامه مرتفع تنزغراف الشاهق، وصولا إلى قمة تاكبلانفوس؛ وهي كلمة تارقية معناها “انقطاع النفس”، في إيحاء إلى صعوبة التنفس التي تواجه الصاعد عليها.

ويستمر المسير في أحضان الطاسيلي، وصولا إلى منطقة تامغيت حيث تنصب الخيام وتشعل النيران، ثم تواصل القافلة رحلتها صباحا مرورا بمنطقة وانقوفا، وهي آخر محطة قبل الدخول إلى مدينة سيفار.

ثث

ويواصل الكاتب وصف الطريق والتضاريس والرسومات التي تواجهه حتى يصل إلى بوابة صخرية طبيعية يلج منها الداخل إلى المدينة الأسطورية، ثم يغوص في كهوف ومتاهات سيفار العجيبة متنقلا بين أزقتها وساحتها التي شكلتها الطبيعة عبر الملايين من السنين، ولا شك أن أهم معلم في هذه المدينة هو لوحة الإله الأكبر أو “القرانديا” كما يسميها الطوارق، وهي جدارية عملاقة تجسد الحياة الدينية آنذاك وعلاقة الإنسان الذي عاش هناك بآلهته التي كان يعبدها، ويصور الإله هنا ككائن فضائي رأسه مستدير، مما جعل التكهنات تدور حول هذه المدينة بأنها كانت موطنا للفضائيين.

وتنقسم سيفار إلى جزأين: سيفار السوداء وسيفار البيضاء، نظرا إلى لون الصخور المتواجدة بكل منطقة، ثم يواصل الكاتب وصف الجداريات المتواجدة هناك، ويحاول فك بعض ألغازها المعقدة مثل لوحة الصياد ولوحة المرأة الوالدة وغيرهما. ثم تأتي رحلة العودة وهي عبارة عن مسار مختلف عن مسار الذهاب في تضاريسه وجغرافيته، إلى غاية العودة إلى مدينة جانت، لتنتهي هذه المغامرة بالتعرف على مسار وطرق الوصول إلى المدينة وما تحويه من ألغاز ومشاهد مازلت غامضة إلى يومنا هذا، في انتظار من يكشف عنها ذلك الغموض.

يشار إلى أن يعقوب كراك، مؤلف الكتاب، ولد عام 1988 بمدينة السوقر بولاية تيارت (غرب الجزائر)، وهو حاصل على شهادة جامعية في تخصص العلوم الفلاحية من جامعة ابن خلدون بمحافظة تيارت.

12