انحسار الأعمال الكوميدية السورية.. بين غياب النص وحسابات شركات الإنتاج

أعمال الكوميديا السورية تشهد منذ سنوات تراجعا متزايدا، وتركت هذا العام فراغا لدى المشاهدين الذين يتساءلون عن سبب غيابها.
الثلاثاء 2024/04/09
"بقعة ضوء" من أشهر المسلسلات الكوميدية السورية

دمشق - لطالما كانت الكوميديا التلفزيونية السورية الطبق الأهم على المائدة الرمضانية في الشاشات العربية، وكانت تسجل الحضور الأكبر عند الجمهور السوري والعربي والذي يفضل في شهر الصيام هذه الأعمال عما سواها، من خلال نجوم كبار وكتاب مبدعين حملوا هذه الكوميديا إلى الذروة مع أعمال خالدة مثل “صح النوم” وسلسلة “مرايا” و”بقعة ضوء” و”جميل وهناء” و”يوميات مدير عام” و”عائلة سبع نجوم” وغيرها.

لكن اللافت أن أعمال الكوميديا السورية تشهد منذ سنوات تراجعا متزايدا، وتركت هذا العام فراغا لدى المشاهدين الذين يتساءلون عن سبب غيابها، هل هو عائد إلى قلة كتّاب الكوميديا وبالنتيجة غياب النص الكوميدي الجيد، أم ابتعاد نجوم الكوميديا الكبار عن هذا النمط الفني وانصرافهم نحو الدراما والمسلسلات الاجتماعية، أم هو توجه خاص بشركات الإنتاج التي تختار الاستثمار في أعمال الأكشن التي تعتبر الأكثر مشاهدة؟

ومن الأعمال الكوميدية القليلة التي عرضت ضمن الماراثون الرمضاني هذا العام، المسلسل الكوميدي “حبوا بعض” للمخرج عمر الذهبي، الذي يدور موضوعه خلال حلقات منفصلة حول مجموعة من القصص الاجتماعية من واقع الحياة اليومية داخل المجتمع السوري، ويشارك في بطولته أندريه سكاف وغادة بشور ورجاء يوسف وبسام دكاك ورضوان قنطار.

آمنة الملحم: الكوميديا متضررة من قواعد السوق وقلة الكتّاب
آمنة الملحم: الكوميديا متضررة من قواعد السوق وقلة الكتّاب

وعرض أيضا مسلسل “عريس تحت الطلب” وتدور أحداثه في إطار كوميدي حول دانا التي تنشئ جمعية لتوفيق الأزواج، والمسلسل من بطولة دانا جبر وعاطف حوشان وأمية ملص، ومن تأليف نسرين الحيلوني وإخراج عمار تميم.

ويعيد أمين سر لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سوريا محمد رضا الحلبي هذا الغياب إلى قلة كتّاب النص الكوميدي بالدرجة الأولى، باعتباره يتطلب كتّابا من نوعية وذائقة خاصتين، فالكتابة للكوميديا من أصعب أنواع الكتابة الدرامية، وتحتاج إلى كتّاب متمرسين في هذا المجال، آملا أن يكون حضورها في المواسم القادمة أفضل.

أما الناقد نضال قوشحة الذي وصف الكوميديا بأحد أهم معالم الدراما السورية، فرأى أن الاهتمام بها يكاد يختفي، حيث إن هذا هو الموسم الثالث الذي لم تظهر فيه الكوميديا بالشكل الذي كانت عليه سابقاً، مشيراً إلى أن غياب النص الكوميدي وكتّابه أمر حقيقي، وأصبح هناك استسهال من البعض لكتابة هذه الأعمال، فيأتي ما يقدمونه “أقرب إلى التفاهة” وهذا أمر غير مرغوب فيه أبدا.

وأعرب قوشحة عن أسفه لاستغناء الدراما السورية جزئيا عن الكوميديا، باعتبارها سمة أساسية من سماتها الرئيسية، وقدمت فيها نجوما لامعة، سواء أكان ذلك على صعيد الكتابة أم على صعيد التمثيل والإخراج، متمنيا عودة النشاط إلى هذا القالب الفني لأن الناس بحاجة إليه.

ورأى أن الأزمات تخلق الكوميديا ويمكن استثمارها بصياغة أعمال تهم الجمهور وتستقطب اهتماماتهم، ما يشكل حافزا للكتاب لأن يغرفوا أفكارهم من الواقع ويقدموا أعمالاً تجذب الناس.

محمد رضا الحلبي: الكوميديا تحتاج كتّابا متمرسين في هذا المجال
محمد رضا الحلبي: الكوميديا تحتاج كتّابا متمرسين في هذا المجال

من جانبه أعاد الكاتب والسيناريست قاسم الويس -الذي قدم العديد من اللوحات الكوميدية- غياب الأعمال الكوميدية هذا العام إلى عدم رغبة شركات الإنتاج في الاشتغال على هذا النوع الفني، بسبب التخوف من عدم تسويقه، لافتا إلى أنه عندما تطلب هذه الشركات الكوميديا سوف نجد العشرات من الأعمال ومن الكتاب المهمين.

وتساءل الويس عن سبب ربط الكوميديا دائما بالنقد، في حين أنها يمكن أن تتطرق إلى الكثير من القضايا، وتجلب البسمة للمواطن مثل كوميديا الموقف، لاسيما أننا نملك كتابا كوميديين مهمين جدا، ولدينا في أرشيفنا الكثير من الأعمال الكوميدية التي ما زالت تشاهد حتى الآن، لافتا إلى أن لديه عملين كوميديين جاهزين للتنفيذ، ولكن لم تتبناهما أي شركة إنتاج، لأن السائد حاليا والمطلوب أكثر هو الأعمال الاجتماعية التي تزيد عدد المشاهدات.

أما الإعلامية المتخصصة في الشأن الفني آمنة الملحم فوجدت أن الكوميديا من أخطر وأصعب أنواع الدراما، وليس من السهل أن يتم بها جذب المشاهد وزرع البسمة على وجهه، وهي سلاح ذو حدين، فإما أن تنجح وإما أن تفشل وتمر دون أي التفات.

وتعيد الملحم غياب الكوميديا عن الدراما السورية إلى قلة عدد الكتاب الناجحين، وعدم وجود نص قوي تتكئ عليه في الكثير من الأحيان، وخضوع العملية الإنتاجية للسوق التي تهيمن عليها حاليا دراما البيئة الشامية وأعمال الأكشن، فأصبح الخوض في أعمال كوميدية برأيها مغامرة بالنسبة إلى شركات الإنتاج.

وتؤكد الملحم أن الكوميديا بحاجة إلى أن تكون مشروعا حقيقيا يؤمن به كل صناعه من الإنتاج والإخراج والكاتب والفنان، كي يستطيع العبور إلى الشاشات وقلب المشاهد، وبغياب حالة التبني الحقيقية لا يمكن أن نشهد كوميديا ناجحة على الشاشات.

ومن الجمهور أبدى عيسى حسين، وهو طالب دكتوراه، حزنه لغياب الكوميديا عن أعمال هذه السنة، لأن الدراما الاجتماعية والبيئة الشامية لا يمكن أن تكونا أبدا، حسب رأيه، بديلا عن إسعاد الناس وإضحاكهم.

وتمنت حنين الطالب، وهي طالبة سنة أخيرة في كلية الإعلام، ألا تتحكم شركات الإنتاج وحدها في قرار وجود الكوميديا من عدمه، لأنها فن سوري عريق وكان لها الفضل الأكبر في التعريف بالإبداع السوري عربيا.

14