الكويت أمام مفارقة الرغبة في تحقيق الإصلاح والحفاظ على السقف العالي للديمقراطية

تعذر تغيير طبيعة البرلمان يزيد التعويل على صرامة الأمير لضبط المشهد السياسي وإطلاق الإصلاحات.
الاثنين 2024/04/08
ضرورة وضع الإصبع على موطن الخلل

أسقط التشابه الكبير بين تركيبة البرلمان الكويتي الجديد وتركيبة سابقه، الرهان على إمكانية تغيير المشهد النيابي في الكويت، ومن ورائه طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من دون إجراء تعديلات أعمق على القوانين والتشريعات تطال طبيعة العملية الديمقراطية التي ثبت أنّها لا تخلو من ترف يتناقض مع مسار الإصلاح في البلاد.

الكويت- رسّخت نتائج الانتخابات التي أجريت الخميس الماضي في الكويت وأسفرت عن إنتاج برلمان شبه مطابق لسابقه الذي تمّ حلّه بمرسوم أميري، المعادلة الصعبة التي يواجهها البلد والمتمثّلة في كيفية التوفيق بين تحقيق الإصلاحات المطلوبة بقوّة في البلد، جنبا إلى جنب الحفاظ على السقف العالي من الديمقراطية التي لم تخل من معرقلات لإطلاق مسار الإصلاح نظرا لاتّساع سلطات مجلس الأمّة (البرلمان) الواقع باستمرار تحت هيمنة معارضة شعبوية في الغالب ترفض أي إصلاح يمكن أن يطال المكتسبات الاجتماعية الكبيرة للمواطنين ضمن نموذج دولة الرفاه الذي بات يشكّل عبئا ماليا كبيرا على الدولة وحارسا لتضخّم القطاع العمومي على حساب القطاع الخاص.

ومع عودة نفس البرلمان الذي عمل نوابه على فرض أجندة تشريعية تقوم على دعم المكاسب الاجتماعية، مُظهرين معارضتهم لأي إصلاحات تتضمّن تقليص تلك المكاسب والحدّ من الإنفاق العمومي عليها، فضلا عن رفضهم لأي إجراءات لإصلاح المالية العمومية من قبيل فرض ضرائب، أصبح النهج الإصلاحي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة المستقيلة الشيخ محمد صباح السالم الصباح أمام طريق مسدود، كما أصبح استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية مجدّدا أمام متوالية حلّهما وإعادة تشكيلهما في ظل توتّرات متوقّعة في العلاقة بينهما.

وفي ظل هذا المشهد المكرّر أصبح التعويل كبيرا على أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لضبط المشهد السياسي في ظلّ ما أظهره من حزم كبير في فرض الانضباط ودعم الإصلاح.

◄ خطاب الشيخ مشعل الأحمد تضمّن وضوحا كبيرا في تشخيص عيوب العلاقة بين البرلمان والحكومة
خطاب الشيخ مشعل الأحمد تضمّن وضوحا كبيرا في تشخيص عيوب العلاقة بين البرلمان والحكومة

ويرى متابعون للشأن الكويتي أنّ الحاجة ستكون ماسّة خلال الفترة القادمة لاستخدام السلطات الواسعة لأمير البلاد، بما في ذلك السلطة الممنوحة له بموجب الدستور لإصدار مراسيم لها قوّة القانون، لفرض قرارات جذرية ومؤثّرة في المشهد من قبيل الحدّ من سلطة البرلمان التي غالبا ما تستخدم في غير موضعها وبطريقة غير منفصلة عن الصراعات السياسية وتصفية الحسابات الحزبية والقبيلية وحتى الشخصية، وأيضا من قبيل وضع قانون انتخابي يحدّ من هيمنة المعارضة على مجلس الأمّة، أو على الأقل يمنع وصول شخصيات تأزيمية إلى المجلس.

وتجنّبت السلطة العليا في الكويت إلى حدّ الآن اللجوء إلى مثل تلك الحلول حماية للدستور وحفاظا على التجربة الديمقراطية الفريدة للبلاد، مع استثناء بسيط كان قد حدث في عهد أمير البلاد الأسبق الشيخ صباح الأحمد وتمثّل في إصداره سنة 2012 مرسوما تمّ بموجبه التخلي عن نظام تعدّد الأصوات للناخب الواحد وإقرار نظام الصوت الواحد.

وكان الهدف المعلن من هذا التعديل هو الحدّ من هيمنة النوازع القبلية والطائفية على العملية الانتخابية، لكنّ البرلمانات التي انتخبت بعد ذلك باعتماد نظام الصوت الواحد لم تختلف عن سابقاتها ولم تغير من طبيعة علاقاتها المتوتّرة بالحكومات وما يترتّب على ذلك من أزمات وانقاطاعات متكرّرة في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وكان الخطاب السياسي للشيخ مشعل الأحمد قد تضمّن وضوحا كبيرا في تشخيص عيوب العلاقة بين البرلمان والحكومة وصولا إلى تحميلهما مسؤولية “الإضرار بمصالح البلاد والعباد”.

وأسفرت الانتخابات الأولى التي جرت في عهد الشيخ مشعل والتي أعلنت نتائجها آخر الأسبوع الماضي عن تغيير محدود تمثل في دخول أحد عشر نائبا جديدا من أصل خمسين عضوا منتخبا في البرلمان، ما يشير إلى احتمال استمرار حالة الجمود السياسي.

وتعيش الكويت أزمات متتالية بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخابا مباشرا، الأمر الذي أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي وعطل كثيرا من المشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد.

وحل الشيخ مشعل الأحمد، الذي يركز على دفع الإصلاحات الاقتصادية مجلس الأمّة في منتصف  فبراير الماضي، وذلك بعد أقل من شهرين من توليه مقاليد السلطة في الكويت.

◄ البرلمان الجديد جاء شبه متطابق مع سابقه حيث لم تحصل المرأة سوى على مقعد واحد ذهب للعضو في المجلس السابق جنان بوشهري
البرلمان الجديد جاء شبه متطابق مع سابقه حيث لم تحصل المرأة سوى على مقعد واحد

وجاء البرلمان الجديد شبه متطابق مع سابقه حيث لم تحصل المرأة سوى على مقعد واحد ذهب للعضو في المجلس السابق جنان بوشهري، وزاد عدد النواب الشيعة إلى ثمانية مقارنة بسبعة في برلمان 2023، بينما تقلص عدد ممثلي الحركة الدستورية الإسلامية الذراع المحلية لجماعة الإخوان المسلمين إلى نائب واحد بدلا من ثلاثة في المجلس السابق.

ومن المتوقع أن تحتدم المعركة حول رئاسة البرلمان بعد نجاح رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، والرئيس الأسبق مرزوق الغانم، وهما من معسكرين سياسيين مختلفين، بالإضافة إلى إعلان النائب فهد بن جامع، وهو زعيم قبلي بارز، نيته الترشح لذات المنصب.

وفي إجراء قانوني مرتبط بانتخاب برلمان جديد، قدّم رئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم الصباح استقالة الحكومة لأمير البلاد الذي أعلن عن قبولها على أن يستمر كلّ من رئيس الحكومة والوزراء “في تصريف العاجل من شؤون منصبه إلى حين تشكيل الوزارة الجديدة”، وفق ما ورد في نصّ أمر أميري نشرته الأحد وكالة الأنباء الرسمية الكويتية “كونا”.

كما صدر مرسوم أميري ثان “بدعوة مجلس الأمة للانعقاد للدور العادي الأول من الفصل التشريعي الثامن عشر صباح يوم الأربعاء الموافق لـ17 أبريل 2024”.

وسوف يقرر الأمير إما الإبقاء على رئيس الوزراء في منصبه أو تعيين رئيس وزراء جديد وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة.

وكانت التوجهات الإصلاحية والرغبة في فرض قدر من الصرامة في إدارة شؤون البلاد من ضمن المقاييس التي اعتمدت في اختيار الشيخ محمّد صباح السالم لقيادة الحكومة خصوصا وأن فترة سلفه الشيخ أحمد النواف تميّزت بقدر كبير من المرونة والتنازل لرغبات نواب مجلس الأمّة.

وقد كشف الشيخ محمّد عن الخطوط العريضة لبرنامج إصلاحي طموح لم يستثن التخلّي عن نموذج دولة الرفاه. وقال في تصريحات سابقة للصحافيين إنّ مواصلة تطبيق ذلك النموذج لم يعد ممكنا بالاعتماد على ثروة النفط الآيلة للنضوب.

وعكس ذلك قناعة تسود صناع القرار الكويتي بأنّ الإصلاح المنشود يمرّ حتما عبر تخفيف عبء الدعوم السخية التي تقدّمها الدولة الكويتية وتجاوزت تبعاتها الجوانب المالية إلى خلق حالة من الاتّكالية على الدولة.

حاجة ماسة لفرض تغييرات جذرية ومؤثرة من قبيل تقليص سلطة البرلمان وإعادة النظر في طريقة انتخاب مجلس الأمّة

وتعاني الكويت بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة الدعوم خمول القطاع الخاص وتضخّم القطاع العام الذي تحوّل بفعل ضعف إنتاجيته إلى نوع من الكفالة الاجتماعية المقنّعة.

ورغم مضي سنوات طويلة على الإقرار بوجوب التخلّص التدريجي من نموذج دولة الرفاه، إلاّ أن تطبيق ذلك بشكل عملي تعذّر بفعل قيام أعضاء البرلمانات المتعاقبة بدور الحرّاس الأمناء له على خلفية اعتمادهم الكبير على الشعبوية والعمل باستمرار على استرضاء المواطنين لاستدامة أدوار لهم في الحياة السياسية بالبلاد.

ولا يُتوقّع أن يخرج نواب البرلمان الجديد عن هذا النهج المعارض لأي إصلاحات تمسّ بالمكتسبات الاجتماعية الكبيرة للكويتيين، لكن الأمر المستجدّ في الكويت هو ما يبديه أمير البلاد من صراحة في تشخيص خلل المشهد السياسي في البلاد ومن صرامة في ضبط التوتّرات في علاقة السلطتين، الأمر الذي يرجّح أن تكون سلطاته الواسعة حاضرة مستقبلا، وبقوّة، في فرض عملية الإصلاح التي طال انتظارها.

3