السعودية تتحرك وتناور في جيرة خطرة

السعوديون لم يضغطوا لإنشاء دولة للفلسطينيين ولكن لتحسين ظروف عيشهم.
الأحد 2024/04/07
السعودية تعالج ملفات المنطقة بهدوء رغم التعقيدات

هجوم السابع من أكتوبر فرض تغييرات في المنطقة ككل، والسعودية ربما تكون الطرف الأبرز الذي عليها التعامل مع نتائجه على مستوى الملف الفلسطيني، والعلاقة مع إيران والتسوية في اليمن. كما أنه أعاد موضوع التطبيع إلى الواجهة وهل أن الرياض ما يزال بمقدورها أن تستمر فيه في ظل نتائج الحرب.

الرياض - تسير المملكة العربية السعودية على حبل رفيع في سعيها إلى اعتماد الدبلوماسية رادعا لإيران. وتسعى لإبقاء الولايات المتحدة وإسرائيل في الصورة بينما تضغط لوقف دائم لإطلاق النار في غزة وتخليص نفسها من اليمن بطريقة مّا. فإلى أي مدى يلتزم محمد بن سلمان بحل الدولتين القابل للتطبيق والعادل للفلسطينيين؟

تشكل حرب غزة تحديا أمنيا حقيقيا للمملكة العربية السعودية. وهي تريد وقفا دائما لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن لعدة أسباب. أولا، لأن ما يحدث في غزة نفسها يمسّ حقا أرواح الملايين من السعوديين وضمائرهم. وهي تدرك أن الأحداث التي تشهدها فلسطين تقوض مصداقية الولايات المتحدة وتعرّض دورها في المنطقة للخطر خلال العقود القادمة. فلا يسهل أن تكون في وضع تمرّ فيه مصداقية ضامنك الأمني الرئيسي بمثل هذه المرحلة الصعبة.

ثانيا، بسبب التداعيات غير المباشرة، فلا يقتصر الصراع في غزة على القطاع. ونشهد التوترات اليوم في العراق وسوريا، والحوثيين الذين يطلقون الصواريخ ويشنون هجمات طائرات دون طيار على الشحن العالمي مقوضين أمن البحر الأحمر. وتعدّ هذه مشكلة للسعودية المطلة على البحر الأحمر الذي يمثل لها فرصة اقتصادية.

وترى سينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن ثمة قلقا دائما في القيادة السعودية من قدرة هذه الأحداث على إشعال موجة جديدة محلية من التطرف. وتريد لذلك أن ترى وقفا دائما لإطلاق النار. ومن المؤكد أنها ستدعم حل الدولتين العادل والمستدام. لكن، هل يعتقد القادة السعوديون حقا أن هذا ممكن؟

وتستبعد بيانكو في مقابلة مع موقع عرب دايجست أن السعوديين كانوا قريبين من توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل قبل 7 أكتوبر، وأنهم كانوا يستكشفون اتساع موقفهم التفاوضي وما يمكنهم الحصول عليه من الأميركيين. وتعدّ مطالبهم كبيرة، وأرادوا أن يروا المدى الذي يمكنهم بلوغه قبل أن يكونوا مستعدين للتوقيع في ظل إدارة أكثر ودية منها إدارة جو بايدن.

◙ إبرام صفقة مع السعوديين، شركاء الولايات المتحدة، يعدّ أمرا صعبا سياسيا بالنسبة إلى الحوثيين

ولم يكن السعوديون متحمسين للتطبيع حتى لا يمنحوا مثل هذا النصر الدبلوماسي لبايدن. لكن الأمور التي كانوا يضغطون من أجل ضمانها قبل 7 أكتوبر لم تشمل دولة فلسطينية، واقتصرت المطالب على تنازلات لتحسن عيش الفلسطينيين: المزيد من الحكم الذاتي، وبعض التنازلات الاجتماعية والاقتصادية والمشاريع والمبادرات وأهداف إعادة الإعمار الخفيفة.

وكانت الأراضي الفلسطينية بالفعل في حاجة إلى إعادة الإعمار والاستثمارات قبل 7 أكتوبر. وتوفرت لذلك عناصر لإسعاد القيادة الفلسطينية، لأن الرياض كانت في حاجة إلى الضوء الأخضر الفلسطيني في نهاية المطاف. ولكن لم يكن يوجد دفع محدد لإقامة دولة فلسطينية. وتغير ذلك الآن بعد الغزو الإسرائيلي لغزة. ويعرف السعوديون الآن أنه من المستحيل سياسيا بالنسبة إليهم أن يتقدموا خطوة دون تنازلات مهمة للفلسطينيين.

وردا على سؤال إن كانت السعودية تناور في سياستها الخارجية ردا على التهديدات الإيرانية، قالت بيانكو إنه لا يجب تجاهل أحداث 2019 والصدمة الإستراتيجية التي سببتها للرياض عندما هاجم وكلاء إيران بالصواريخ والطائرات المسيّرة البنى التحتية النفطية الحيوية السعودية.

وتوقف بسبب ذلك أكثر من نصف الإنتاج السعودي لعدة أسابيع. وامتنعت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حينها عن الرد، على الرغم من اعتباره صديقا للسعوديين. وشكّلت هذه لحظة مهمة في انهيار مظلة الردع الأميركية. وأدرك السعوديون خلالها أنه لا يمكنهم الاعتماد على دعم الولايات المتحدة واستعدادها لردع إيران. وقرروا أنه ليس لديهم خيار سوى الاعتماد على الذات.

وبدلا من العداء مع إيران تحرّكت الرياض من أجل نزع فتيل التوتر واتخاذ نهج مختلف شمل عملية بطيئة أدت إلى توقيع اتفاقية مع إيران خلال مارس 2023 في بكين. وكان الاتفاق واضحا جدا. وطلب السعوديون من إيران احتواء جميع وكلائها والامتناع عن مهاجمة مصالحهم وأصولهم وأراضيهم.

في المقابل، كان السعوديون منفتحين على المساعدة حيثما أمكن في إطار العقوبات الحالية لإنهاء عزلة النظام الإيراني، سياسيا واقتصاديا. وأوقف الحوثيون بالفعل استهداف المصالح والأراضي والأصول السعودية. وحاولت المملكة تخفيف عزلة إيران من خلال إشراكها في بعض الاجتماعات المرتبطة بفلسطين، كاجتماع مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وبقي نهج التقارب مع إيران فعالا، حتى تحت الضغط الإضافي بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. وكان السعوديون والحوثيون يتفاوضون بشكل مكثف على اتفاق سلام أو اتفاق دائم لوقف إطلاق النار يمكّن من اتباع عملية سياسية داخل اليمن قادرة على حل الصراع السياسي محليا. ثم تجمد كل شيء إثر العملية الإسرائيلية في غزة وضربات الحوثيين في البحر الأحمر.

حاول السعوديون تسريع إغلاق القضايا المتبقية وتوقيع الاتفاقيات على الفور لأنهم رأوا أن مسار الأحداث كان سيجعل ذلك أمرا مستحيلا في مرحلة لاحقة. وهذا ما حدث. ولم يعد الحوثيون مهتمين بالفعل بإبرام الصفقة في الأسابيع الأولى من العملية الإسرائيلية في غزة لعدة أسباب، حيث منحتهم عملياتهم في البحر الأحمر مصداقية أكبر بكثير على الصعيدين الإقليمي والمحلي.

وتتوقع بيانكو أن يعود الحوثيون إلى طاولة المفاوضات في مرحلة مّا ويطلبون أكثر ممّا كانوا سيخططون له وما تقرر تقديمه لهم في المفاوضات حتى الآن. وبالطبع، تعد السعودية شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة. ويصورها الحوثيون جزءا من المحور الغربي، إذا صح التعبير. ويعني هذا أن إبرام الصفقة مع السعوديين، الذين سيبقون شركاء إستراتيجيين للولايات المتحدة، يعدّ أمرا صعبا سياسيا بالنسبة إلى الحوثيين.

◙ الوضع يخدم المصالح السعودية أيضا، حيث يرى القادة السعوديون أن على إسرائيل أن تكون جزءا من صيغة ردع إيران المستقبلية

وكان الحوثيون واضحين في أن السعوديين سيدفعون الثمن إذا وقفوا مع المملكة المتحدة والأميركيين. ويعدّ هذا وضعا حساسا للسعودية التي تشهد الكثير من نقاط الضغط على صفقاتها الحالية مع الإيرانيين ومع الحوثيين. وعاد السعوديون إلى طهران، بعد بدء عمليات الحوثيين في البحر الأحمر. وأكدوا أنهم كانوا يتوقعون من صفقتهم أن طهران ستعمل على احتواء الحوثيين في سياق عملياتهم في البحر الأحمر. وقد فعلت ذلك حتى الآن، مقابل التزام السعوديين بعدم الاقتراب كثيرا من الولايات المتحدة، وعدم تقديم الكثير من الدعم الإستراتيجي والعسكري للعمليات الأميركية في المنطقة. وكان هذا توازنا جيدا.

وفي إجابتها عن سؤال يتعلق بالبرود بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قالت بيانكو إن العلاقات بين بايدن ومحمد بن سلمان لا تزال سيئة. ولم تسهم في تحسينها الأحداث التي تلت 7 أكتوبر والعمليات الإسرائيلية في غزة. وتشعر الولايات المتحدة بخيبة أمل كبيرة من السعوديين لأنهم لم يكونوا متعاونين وموثوقين، ولم يبدوا تفهما لموقفها وما تحتاج إلى القيام به لحماية مصالحها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. ويوجد عدم رضا عن الجانب السعودي حيث يعتقد السعوديون أن تعامل الأميركيين مع الوضع في غزة كان أمرا مؤسفا.

ولا تمارس الولايات المتحدة ضغطا كافيا على إسرائيل لوقف إطلاق النار، وتترك كل ما نراه على الأرض في فلسطين يتواصل، وتبدو غير قادرة على احتواء غرائز إسرائيل الأكثر مغامرة لتوسيع العمليات في رفح أو إلى لبنان، بينما تركز على إبقاء التطبيع مع الرياض على الطاولة، لدرجة أنها عملت على دفع السعوديين إلى الإعلان عن أن العملية لم تتعطل.

وترى بيانكو أن هذا الوضع يخدم المصالح السعودية أيضا، حيث يرى القادة السعوديون أن على إسرائيل أن تكون جزءا من صيغة ردع إيران المستقبلية. ووفرّت حرب غزة فرصة كبيرة للأمير محمد بن سلمان حتى يصبح واحدا من أكثر الأصوات تأثيرا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكانت القيادة السعودية في مستوى هذه الفرصة، وقررت اغتنامها. واختارت السعي وراء الفرص والمصالح قصيرة الأجل، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة ببعض تحركاتها ومشاريعها الإقليمية مثل التطبيع مع إسرائيل وردع إيران.

ويعدّ هذا تحوطا إستراتيجيا شديدا يتمثل في السعي لانتهاز الفرص المتاحة آنيا ومحاولة استغلالها إلى أقصى حد بأكبر قدر من المرونة. ويكمن الهدف النهائي في الحفاظ على نقاط القوة السعودية الداخلية والمحلية وتعزيزها، وهي تعتمد على أسواق النفط وصحة رؤية 2030 والاقتصاد المحلي والنمو في هذا الإطار. ويجب لذلك الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليميين.

وتخلص بيانكو إلى أنه إذا لم يكن ذلك ممكنا بسبب ما رأيناه بعد 7 أكتوبر والعمليات الإسرائيلية في غزة، فيمكن على الأقل التركيز جيّدا على الحفاظ على الاستقرار داخل السعودية وبذل كل ما يتطلبه الوضع لضمان حماية المملكة قدر الإمكان من تداعيات العنف المستشري الذي تشهده المنطقة اليوم.

3