تونس تواصل العمل بإجراءات تقسيط المياه صيفا لإنقاذ الموسم الفلاحي

تونس – تتواصل تحذيرات الحكومة التونسية من إهدار الماء الصالح للشرب، وسط إقرار من أن وضعية المياه في البلاد غير مطمئنة، ما سيضطرها إلى اللجوء إلى قطع الماء لتجاوز فترة الطلب خلال الصائفة المقبلة.
وقال رضا قبوج كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالمياه خلال مقابلة بالأستوديو التلفزي لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الخميس إن وضعية المياه في تونس تعد "غير مريحة، لكننا نأمل في تجاوز فترة ذروة الطلب على المياه بفضل آلية قطع المياه والتحسيس بأهمية ترشيد الاستهلاك".
وأضاف أنّ مهنيي القطاع الفلاحي بدأوا يتحسّسون نقص الأمطار وبالتالي الحاجة إلى ريّ الزراعات الكبرى وخاصة الحبوب، علما وأنّ مؤشرات الموسم تبدو واعدة.
وأكد أنّ هذه وضعية تأتي رغم أهمية الأمطار التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الأخيرة، وكان لها تأثير إيجابي على المراعي والزراعات البعلية وموسم الحبوب، لافتا إلى إنّ وزارة الفلاحة ستُعطي الأولوية لتوفير إمدادات مياه الشرب، غير أنّها لن تتخلي عن ريّ الحبوب.
ولفت إلى أن وزارة الفلاحة، أعطت الإذن للإدارات الجهوية للفلاحة في الانطلاق في ريّ محاصيل الحبوب بأغلب الجهات وأنه يتعين على الفلاحين والمجتمع المجتمعي والسلطات التصدي لظاهرة حفر الآبار العشوائية.
وأضاف ردا على سؤال متعلق بمخاوف بعض المزارعين من تضرّر المحاصيل بفعل نقص عمليات الريّ ونظام الحصص، ان السلطات تراهن على انتاج الحبوب محليا لتلافي التوريد بالعملة الصعبة.
ولاحظ أن الوزارة أذنت للمصالح الجهوية بجندوبة لتمكين مزارعي الحبوب من ريّ المنتوجات وقد تم اعلام الادارة الجهوية بباجة بالشروع الخميس في ريّ محاصيل الحبوب إلى جانب اعلام المندوبية الجهوية ببنزرت باتخاذ خطوة مماثلة.
وبين أن انتاج الحبوب خلال الموسم الماضي، كان " كارثيا" وقارب 5 ملايين قنطار مما دفع تونس الى توريد قرابة 25 مليون قنطار لتغطية الطلب وكلفت العملية اكثر من 3 مليارات دينار.
وكان ديوان الحبوب الحكومي أعلن نحو 75 ألف طن من القمح اللين، ونحو 50 ألف طن من القمح الصلد في مناقصة دولية الخميس بقيمة 40 مليون دولار" 130 مليون دينار".
وكان المرصد الوطني الفلاحي قد أعلن في مارس الماضي ان نسبة امتلاء السدود بلغت 37.3 بالمائة وهو يعتبر أفضل بكثير من المستويات التي سجلت السنة الماضية من نفس الفترة وهو ما جعل الدولة تقوم بخطوات للحد من الاستهلاك.
وأضاف في إشارة لتبعات تجاهل انتاج الحبوب على قطاع الفلاحة والاقتصاد ككل قائلا "نحن نبيع التمور وزيت الزيتون ومنتوجات الصيد البحري في مقابل توريد الحبوب بالعملة الصعبة لتغطية الطلب المحلي وهوما يثقل ميزانية الدولة سنويا".
وشدد على جهود وزارة الفلاحة لمكافحة ظاهرة الابار العشوائية التي استفحلت في السنوات الأخيرة بسبب نقص المياه ما يؤثر سلبا على المائدة المائية مشددا لوجود "وجود قرابة 40 الف بئر في تونس من بينها 30 الف بئر عشوائية، وتوجد 10 آلاف بئر عشوائية في ولاية قبلي."
وتُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.
وأكد المسؤول، أنّ الإيرادات الجُملية للسدود، في تونس أفضل من نفس الفترة من سنة 2023، بنحو 300 مليون متر مكعب وتقارب ضعف الكمية المتوفرة خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ولفت في سياق متصل بإيرادات المياه على مستوى السدود، إلى أنّ تونس سجلت مع حلول يوم 4 أبريل، تراجعا في المعدل السنوي للإيرادات بنسبة تقارب 30 بالمائة.
وبلغت مخزونات السُدود التونسية خلال هذه الفترة قرابة 860 مليون متر مكعب من المياه وتشكل هذه الموارد قرابة 37.2 بالمائة من طاقة الاستيعاب. وفق المصدر نفسه.
وأوضح أنّ مخزون سدّ سجنان يُعّدُ أفضل من العام الماضي في حين يُسجل سدّ سيدي سالم مخزونا يقارب 580 مليون متر مكعب من المياه، علما وأنّه استفاد من بقايا مياه تراكمت العام الماضي، وأبرز أنّ نقص الأمطار وسنوات الجفاف المتعاقبة منذ سنة 2016، أثرت على الموارد الجوفية من المياه التي تتغذي من التساقطات المطرية ممّا أدى إلى هبوط المائدة المائية.
وفي أبريل 2023، أصدرت وزارة الفلاحة التونسية قرارا يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، وباعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، وأعادت القرار إلى تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق.
وشدّد المسؤول على أنّ وزارة الفلاحة ستُعطي الأولوية لتوفير الإمدادات الكافية من مياه الشرب خلال صيف 2024، مُذكرا بأنّ الوضعية خلال الصائفة الماضية كانت صعبة للغاية.
ودعمت وزارة الفلاحة إمدادات المياه الصيف الماضي، من خلال استغلال بعض السُدُود لأوّل مرّة منذ 10 سنوات والاستفادة من الموارد المتوفرة لتوفير المياه.
ورفعت تونس الشهر الماضي أسعار مياه الشرب بنسبة تصل إلى 16 في المئة لمواجهة الشح المائي نتيجة الجفاف طيلة السنوات الخمس الماضية.
ولن يتغير سعر المياه بالنسبة لصغار المستهلكين، بينما سيدفع المستهلكون الكبار رسوما أكثر. ويواجه من يتجاوز استهلاكهم 40 مترا مكعبا زيادة بنحو 12 بالمئة إلى 1.040 دينار تونسي (0.333 دولار) للمتر المكعب. أما من يتراوح استهلاكهم بين 70 و100 متر مكعب سيدفعون زيادة 13.7 بالمئة إلى 1.490 دينار للمتر المكعب.
وأعلى زيادة هي لمن يتجاوز استهلاكهم 150 مترا مكعبا وللمنشآت السياحية حيث ارتفع سعر المتر المكعب 16 بالمئة إلى 2.310 دينار.
واعتبر قبوج أن إقرار تعريفات جديدة لاستهلاك مياه الشرب من قبل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه يأتي في إطار خطة خماسية لبلوغ الموازنة المالية للشركة وأن تعريفة مياه الشرب تعتبر منخفضة مقارنة بما هو متداول على الصعيد العالمي ما من شأنه أن يساهم في تبذير الماء.
وأضاف ردا على سؤال يتعلق بالأسباب الكامنة وراء زيادة تعريفة استهلاك مياه الشرب، أن هذه الخطوة تمت بعد تجميد الزيادة في التعريفة لدى الشركة لعدة سنوات متتالية مما انعكس سلبا على الوضعية المالية للشركة وعلى القيام بعمليات الصيانة الوقائية خصوصا.
وشدد على أن الزيادة لا تمس بأي حال من الأحوال الفئات الاجتماعية لأنها أبقت على تسعيره الاستهلاك للفئات الأقل استهلاكا عند مستوى 200 مليما للمتر المكعب .
وقال قبوج إن الماء ليس مكلفا في تونس وهو ما يفسر سلوك التبذير لدى بعض الأشخاص اذ تصل كلفة المتر المكعب الواحد بالجزائر إلى قرابة 3 دولار وتصل في المغرب الى 5 دولارات.
ودعا المسؤول إلى ضرورة ترشيد استهلاك المياه، خاصة وأن اقتصاد نسبة 10 بالمائة من المياه الموزعة من طرف الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه يمكن أن يكسب البلاد ما يضاهي سدا من الحجم الكبير، نتيجة تبذير وهدر المياه، إلى جانب ما يمكن اقتصاده من مياه الريّ.
وخلص إلى القول بأن تبني سلوك قائم على ترشيد استهلاك المياه في تونس يمكن أن يكسب البلاد العديد من الموارد التي قد تتيح لها تأجيل النظر في بعض المشاريع المتعلقة بتحلية المياه.