السيسي يؤدي اليمين الدستورية لولاية جديدة في مناخ اقتصادي وسياسي غير مستقر

تنتظر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في ولايته الجديدة، والتي يُفترض أن تكون الأخيرة، تحديات كبيرة لاسيما على المستوى الاقتصادي حيث تعاني البلاد من أزمة غير مسبوقة، تتطلب فعل المزيد في ظل ترجيحات من صندوق النقد الدولي تشير إلى استمرار موجة التضخم على المدى القريب.
القاهرة - يؤدي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء اليمين الدستورية ليبدأ ولاية جديدة مدّتها ستة أعوام، تترافق مع أزمة اقتصادية لم تنتهِ مفاعيلها رغم الإجراءات التي اتخذت في الآونة الأخيرة، ووضع حقوقي يصفه محللون بـ”الكارثي”.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في الثامن عشر من ديسمبر الماضي نيل السيسي 89.6 في المئة من الأصوات في السباق الرئاسي الذي خاضه مع ثلاثة مرشحين غير معروفين على نطاق واسع من المصريين. ووفق الدستور يُفترض أن تكون هذه الولاية الأخيرة للسيسي (69 عاما) الذي يتولى الرئاسة في مصر منذ عام 2014، بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين.
وقال البرلماني المقرّب من السلطات مصطفى بكري الأسبوع الماضي إن السيسي سيؤدي اليمين الدستورية صباح الثلاثاء أمام مجلس الشعب في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة.
ورجّح بكري أن تقدّم الحكومة برئاسة مصطفى مدبولي استقالتها عقب أداء السيسي اليمين على الرغم من أن “الدستور لا يلزم الرئيس بتغيير الوزارة، ولكن فيما أعتقد سنكون أمام وزارة جديدة”.
ويأتي أداء قسم اليمين فيما تواجه مصر، التي يناهز عدد سكانها 106 ملايين يعيش ثلثهم تحت خطّ الفقر، إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.
وسجّل معدّل التضخم مستوى قياسيا عند 36 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة الجنيه ونقص الاحتياط الأجنبي في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية.
وزادت الديون الخارجية أكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الأخير لتبلغ 164.7 مليار دولار. ورجح صندوق النقد الدولي الاثنين استمرار ارتفاع التضخم في مصر، على الرغم من دعم الصندوق والصفقات الدولارية التي أبرمتها القاهرة. وقالت إيفانا فلادكوفا هولار رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر إن التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاع التضخم في مصر على المدى القريب، إذ من المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم للسنة المالية المقبلة 25.5 في المئة.
وذكرت فلادكوفا أن المراجعة ربع السنوية القادمة لبرنامج قروض مصر ستكتمل بحلول نهاية يونيو المقبل ومن المتوقع أن تسمح بتقديم 820 مليون دولار، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى استبدال دعم الوقود غير المستهدف بالإنفاق الاجتماعي المستهدف.
وفي مارس الماضي توجه السيسي إلى المصريين خلال مؤتمر عام بالقول “لم أجد (عندما تولى الحكم) بلدا، ولكني وجدت أي حاجة وقالوا لي لتأخذ هذه”، في إشارة إلى مصر.
وأثار التصريح جدلا بين المصريين خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وجّه إليه الكثير من المتابعين انتقادات حادة، معتبرين سياساته سبب ما آلت إليه أوضاع البلاد.
وفي ظل المساعي الحكومية للخروج من الأزمة الاقتصادية، أعلن المصرف المركزي في مارس تحرير سعر صرف الجنيه، لتفقد العملة المحلية ثلث قيمتها أمام الدولار الأميركي.
وأتاحت هذه الخطوة للحكومة المصرية التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لزيادة حجم القرض الأخير من ثلاثة مليارات دولار إلى ثمانية، في محاولة لجمع حصيلة من النقد الأجنبي.
كذلك أعلنت الإمارات العربية المتحدة ضخّ “35 مليار دولار استثمارات مباشرة” في غضون شهرين في مصر، بموجب اتفاق وقع بين الحكومتين المصرية والإماراتية لـ”تنمية 170.8 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة” على البحر المتوسط بشمال غرب مصر.
في حين يعتبر العديد من مناصري السيسي أن الإجراءات المتخذة أتاحت إخراج البلاد من عمق الأزمة الاقتصادية، يخالف بعض المحللين هذا الرأي
وفي حين يعتبر العديد من مناصري السيسي أن الإجراءات المتخذة أتاحت إخراج البلاد من عمق الأزمة الاقتصادية ووضعتها على السكة الصحيحة للحلّ، يخالف بعض المحللين هذا الرأي.
ورأى المحلل الاقتصادي والبرلماني السابق محمد فؤاد أن الإجراءات تبقى قاصرة عن علاج الأزمة على المدى الطويل، إذ لم تشمل خطوات مثل “تهدئة وتيرة الإنفاق العام وتخارج الدولة من الاقتصاد واستهداف التضخم بدلا من سعر الصرف”. وقال فؤاد “الدولة ترغب في أن تتدخل بشكل أكبر لا أن تتخارج”.
وكتب وزير التعاون الدولي السابق والرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية المصرية زياد بهاء الدين مقالا في صحيفة “المصري اليوم” المستقلة أوضح فيه أن “الذي جرى حتى الآن هو عملية إنقاذ مالي، بدونها كان الوضع سيكون بالغ الحرج، ويكاد يدفع مصر إلى التعثر في التزاماتها الدولية”. وأضاف بهاء الدين أن ما ينتظره “المراقبون في الداخل والخارج ليس مزيدا من الصفقات ولا مزيدا من القروض، فهذه حلول مالية كانت مطلوبة وضرورية، وتم اتخاذها برغم كلفتها الاجتماعية”. وتابع “ما ننتظره هو الانتقال إلى برامج كفيلة بتنشيط الاقتصاد الحقيقي لكي يكون هناك أمل في عدم تكرار ذات السياسات والوقوع في ذات الأخطاء”.
وإضافة إلى ظروفها الاقتصادية تواجه مصر التبعات الجيوسياسية لصراعين مفتوحين على حدودها: الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، والنزاع في السودان.
وفي حين يثير الهجوم الإسرائيلي المحتمل على رفح بجنوب القطاع مخاوف من نزوح جماعي للفلسطينيين إلى سيناء، تستضيف مصر أكثر من 500 ألف سوداني فروا من بلادهم منذ اندلاع النزاع منتصف أبريل 2023.
وداخل مصر يثير الوضع الحقوقي القلق. وقال المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي لفرانس برس إن الوضع “مازال كارثيا”.
ورأى لطفي أن ما شهدته البلاد من “انفراجة على المستوى الحقوقي مع الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي، وكل الآمال التي كانت عند البعض، تحطما عقب انتهاء الأمر (الانتخابات الرئاسية). النظام كان يقوم بالدعاية لنفسه”.
وتشكّلت لجنة العفو الرئاسي في أبريل 2022 وأطلقت سراح العشرات من سجناء الرأي. وبحسب إحصاءات المفوضية المصرية للحقوق والحريات تمّ الإفراج عن حوالي 2400 شخص، بينما تمّ توقيف حوالي 5200 شخص.