قانون للمحليات في مصر يقيد المعارضة

تدرس الحكومة المصرية بالتنسيق مع البرلمان مسألة إصدار قانون جديد للمحليات، وسط توجه نحو تبني نظام القائمة المطلقة، وهو ما يشكل مصدر تحفظ للقوى المعارضة، حيث أن النظام يرجح فوز تكتلات أو قوى قريبة من السلطة في الانتخابات المحلية.
القاهرة - سرّعت الحكومة المصرية خطواتها لإنجاز قانون المحليات المعطّل منذ سنوات، وتثير ملامحه هواجس لدى المعارضة لجهة أنه رسم على مقاس محدد لا يمنح الأخيرة فرصة للسيطرة على المحليات في أي انتخابات مستقبلية.
ويميل الاتجاه نحو إجراء الانتخابات المحلية من خلال نظام القائمة المطلقة بنسبة 75 في المئة من المقاعد مقابل 25 في المئة للقائمة النسبية، بعد تأكيد لجنة المحليات في الحوار الوطني أن جميع القوى السياسية توافقت على تطبيق هذا النظام، لضمان تمثيل الفئات التي حددها الدستور، مثل النساء والشباب والعمال والمزارعين.
وهناك تنسيق كبير بين الحكومة والبرلمان الذي تهيمن عليه السلطة لسرعة إنجاز قانون الانتخابات المحلية بما يناسب التفاهم الذي حدث ضمن الحوار الوطني حوله أخيرا، وتوافق شريحة سياسية مهمة مع السلطة على وجود أقلية للمعارضة.
ويقول متابعون إن تمرير قانون المحليات بهذه الصيغة يعكس استمرار المخاوف لدى الحكومة من نجاح المعارضة ومرشحي الإخوان والسلفيين غير المعروفين والمتعاطفين معهم في انتخابات المجالس المحلية، والتحديات التي تواجه الحكومة تجعلها ترفض تبني خطوات تسبب لها إزعاجا سياسيا في المستقبل.
ولا توجد في مصر منذ عام 2011 مجالس محلية منتخبة بعدما تم حلها بحكم قضائي بسبب ارتكاب مخالفات، ومنذ ذلك الحين تعهدت حكومات متعاقبة أكثر من مرة بإجراء الانتخابات، لكن ذلك لم يحدث لأسباب سياسية وأمنية.
ونجح الحوار الوطني في جعل الانتخابات المحلية أولوية سياسية، ودفع الحكومة إلى التحرك بتبني إجراءات لإنجاز القانون، وتحديد شكل الانتخابات، لكن دوائر في السلطة تخوفت من استغلالها لتسلل عناصر مناوئة للحكومة إلى هذه المجالس، والتي تحتك مباشرة بهموم المواطنين.
ويوجد عدد من المحافظين (حكام الأقاليم في مصر) من أصحاب الخلفيات العسكرية، من الجيش والشرطة، لكن ذلك لا يضمن للحكومة أن يستمر التفاهم المطلوب مع أعضاء المجالس المحلية المنتخبين إذا لم يكن الاصطفاف الوطني خلفها متينا.
ويعوّل مصريون على انتخابات المحليات لوقف الفساد في الجهاز الإداري، من خلال مجالس شعبية قوية تستطيع التصدي للتجاوزات بصرامة، وهو ما يتفق مع رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أكد أن إنهاء الفساد يحتاج إلى محليات قوية.
ولا يستهدف نظام انتخابات المحليات الذي ترغب الحكومة في تمريره المعارضة المدنية بشكل مباشر، لكنه يركز على عدم وصول التيارات الإسلامية المتشددة إلى المجالس المحلية، وسد المنافذ أمام إمكانية التسلل إليها بالوكالة.
ولا يمانع النظام المصري وصول شخصيات معارضة له إلى المجالس المحلية عبر انتخابات تنافسية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في العناصر الذين يتعاملون مع السلطة تعاملا حادا ويمثلون خصوما سياسيين، وهؤلاء قد توضع أمامهم عراقيل لتقليص فرص انضمامهم إلى المحليات.
وتحاول السلطة من خلال جلسات الحوار الوطني الإيحاء بأنها لا ترفض وجود المعارضة في المشهد السياسي وتمارس دورها بالمزيد من الحرية، ما يفسر منح المعارضة ترضيات محدودة في عدد المقاعد بالمحليات وتسهيل نجاحها في القوائم النسبية.
والقائمة أشبه بنظام الكتلة الحزبية، ويتم تقسيم الإقليم أو الحي أو المحافظة إلى عدد من الدوائر الانتخابية وتضع القوى السياسية قوائمها الانتخابية، وتتنافس في كل دائرة أكثر من قائمة، ومَن تحصلْ على 50 في المئة + 1 من الأصوات الصحيحة تفزْ بثلثي مقاعد الدائرة وتخسر أمامها القوائم الأخرى.
هدف الحكومة من وراء غلبة القائمة المطلقة في الانتخابات المحلية هو أن يكون المرشحون في كل قائمة متوافقين معها
وهدف الحكومة من وراء غلبة القائمة المطلقة في الانتخابات المحلية هو أن تكون أسماء المرشحين في كل قائمة متوافقة في الرؤية والهدف والتوجه وتابعة لكيان حزبي بعينه أو تكتل حزبي متفاهم سياسيا، بما يحول دون حدوث صراعات محتدمة داخل المجالس ويمنع إمكانية أن تكون فيها شخصيات مشاغبة وخارجة عن السيطرة.
وتدرك دوائر مصرية خطورة ألا تكون المجالس المحلية، أو أغلبها على الأقل، تحت السيطرة الكاملة للحكومة، لأن الإدارات الشعبية في عموم الجمهورية تتعامل مع المصالح المباشرة للمصريين وفي كل الملفات، وأي هيمنة لخصوم السلطة السياسيين عليها قد تؤدي إلى إزعاج أمني وسياسي وتحمل تداعيات خطيرة.
وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن نظام القائمة المطلقة لا يفرز كوادر قادرة على إحداث الفارق في المجتمع المحلي، مع أن مجالسه عندما تكون قوية ترفع العبء عن البرلمان وجهات رقابية.
وأضاف هاشم ربيع في تصريحات لـ”العرب” أن غياب المرونة عند تطبيق نظام القوائم سوف يفضي إلى أن يكون اختيار المرشحين في كل قائمة بطريقة أشبه بالتعيين أو النجاح بالتزكية، وليس وفق معايير تضمن عدم تزوير إرادة الناخبين لاختيار من يستحق تمثيلهم شعبيا.
وقد ضاقت شريحة مهمة من المصريين ذرعا بوجود مجالس نيابية تهيمن عليها الأصوات المتصالحة مع الحكومة، مقابل ضعف في تمثيل التيارات المعارضة والمستقلة التي تمثل الشارع بشكل حقيقي، وتكون رقيبة على أداء المؤسسات، ومن المهم أن تعي الحكومة قيمة وجود ممثلين على خلاف سياسي معها بأعداد أكبر داخل المجالس المحلية لتعويض غيابهم في مجلسي النواب والشيوخ.
وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب” أن غلق منافذ تسلل الخصوم من الإسلاميين والمتعاطفين معهم إلى المجالس المحلية ضرورة أمنية، كي لا تتحول إلى بؤرة للثأر من كل قائد تنفيذي، لأن العصبية القبلية في بعض المناطق في جنوب مصر تحكم توجهات الناخبين أحيانا، ولذلك من الضروري إعداد قانون انتخابات المحليات بصورة جيدة قبل أن تجد الحكومة نفسها في ورطة سياسية.
وبغض النظر عن شكل الهندسة السياسية للقانون، فإن الأهم أن تُدرك الحكومة أن الشارع لن يتقبل محليات تتحدى رغباته وتفرض عليه قرارات وسياسات بالأمر الواقع، لأن المجالس المحلية هي البرلمان المعبر عن تطلعات المواطنين مباشرة، ومن الصعب أن تحيد عن مسارها أو تصبح نسخة من البرلمان في تناغمه الكبير مع الحكومة.