قيس سعيد يظهر مواقف منسجمة مع مطالب الصحافيين

لا تفويت في المؤسسات المصادرة وحرية التعبير مضمونة في تونس بالدستور.
السبت 2024/03/30
ملف معقد

تطرق الرئيس التونسي قيس سعيد إلى العديد من القضايا التي تشغل الصحافيين والرأي العام في تونس بخصوص المؤسسات المصادرة وحرية التعبير التي تواجه انتقادات عديدة في البلاد بسبب إحالة الصحافيين الى القضاء والتي يرفض الرئيس تسييسها.

تونس - فتح الرئيس التونسي قيس سعيد ملفات الإعلام المثيرة للجدل في البلاد في الفترة الأخيرة ومن أهمها المؤسسات الإعلامية المصادرة وقضايا حرية التعبير والإعلام التي شكلت مادة لانتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية.

والتقى الرئيس سعيد الخميس بالرئيس المدير العام للشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر شكري بن نصير، ومفوض دار الصباح الهاشمي بلوزة، حيث أعلن تأكيده على أنه لا مجال للتفريط في هاتين المؤسستين، مستعرضا محطات من تاريخ هاتين الصحيفتين والإجراءات التي تم اتخاذها لدمجهما.

كما تعرّض رئيس الجمهورية إلى الأملاك التي تمّت مصادرتها والتي هي ملك للشعب التونسي، مذكّرا بأن النية كانت تتجه إلى التفويت فيها حتى تُسيطر عليها مجددا شبكات الفساد التي جثمت على كل مقدّرات البلاد ومازالت تتوهّم أنها قادرة على طمس معالم التاريخ وارتهان مستقبل تونس.

ولا يزال ملف الأملاك المصادرة يثير الجدل منذ أكثر من عشر سنوات، نظرا لتداخل العديد من الأطراف فيه، سواء من حيث التسيير والتصرف، أو في ما يتعلق بعمليات خصخصة الممتلكات. وتتهم أطراف نقابية السلطات التونسية بالتخلي عن مسؤولياتها وعدم اكتراثها بمشاكل قطاع الصحافة والمؤسسات الإعلامية وحقوق الصحافيين بما فيها خلاص الأجور، علاوة على المستحقات الاجتماعية.

ويقول مراقبون إن الملف يعدّ من أبرز ملفات الفساد في البلاد بعد ثورة يناير 2011، حيث لا يزال يراوح مكانه دون نتائج. ويقصد بالأملاك المصادرة تلك التي حصلت عليها عائلة الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي بطرق وامتيازات غير قانونية ومن أهمّها المؤسسات الإعلامية راديو “شمس أف أم” وصحيفة “الصباح” اليومية ومؤسسة “كاكتوس برود” المتخصصة في إنتاج برامج الترفيه.

موقف الرئيس التونسي المتمسك بالمؤسسات المصادرة يضغط على الحكومة للتسريع بإيجاد حلول للأزمة

وتأسس راديو “شمس أف أم” عام 2010 من قبل سيرين بن علي، ابنة الرئيس الراحل زبن العابدين علي، قبل ثلاثة أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي قادت إلى الإطاحة بحكمه الذي استمر لمدة 23 عاما.

ووضعت الدولة هيئات متصرفة في هذه المؤسسات إلى حين تسوية وضعياتها القانونية ببيعها الى القطاع الخاص وإعادة هيكلتها، وهو ما لم يحصل على الرغم من مرور 12 عاما من المصادرة وإمضاء عدة اتفاقات مع الحكومة طيلة تلك الفترة، حيث فشلت جميع عروض البيع لأسباب مختلفة يعتقد الصحافيون أن بعضها متعمد.

ومع أن راديو “شمس أف أم” مثّل قصة نجاح مع جيل جديد من الصحافيين الشباب المتحمسين من خلال التحول من مجرد مشروع ترعاه السلطة إلى إذاعة ذات دور محوري في الانتقال الديمقراطي في تونس بعد 2011 مع توصيفها بالإذاعة “الأكثر حيادا” في انتخابات 2014، إلا أنها اليوم أصبحت من المشاريع المهددة بالاندثار على الرغم من استماتة صحافييها في خوض معركة بقاء.

ويبدو الوضع أقل سوء حتى كتابة التحقيق في جريدة “الصباح” لأنها تملك عقارات وموارد تسمح لها بمجاراة الأزمة الحالية، لكن ليس إلى ما لا نهاية، إذ تحتاج المؤسسة وفق شهادات الصحافيين العاملين فيها إلى برنامج تطوير عاجل يشمل خدمة الفيديو والقسم الرقمي لإنقاذها من خطر الإفلاس. وفي المقابل فإن الوضع في “كاكتوس برود” يعد كارثيا بالنسبة إلى صحافييها الذين حرموا من أجورهم لمدة تناهز 13 شهرا في ظل أفق منعدم لمصير المؤسسة المعطلة بالكامل اليوم.

ملف الأملاك المصادرة لا يزال يثير الجدل منذ أكثر من عشر سنوات، نظرا لتداخل العديد من الأطراف فيه

وباتت 51 في المئة من أسهم شركة “كاكتوس برود” ملكا للدولة في حين احتفظ سامي الفهري بـ49 في المئة من أسهمها، لتعرف الشركة بعد ذلك تقهقرا وتراكما في الديون بعد أن كانت من أولى شركات الإنتاج التلفزيوني، وهذا الملف أسال الكثير من الحبر دون إيجاد حل لوضع الصحافيين والعاملين في هذه المؤسسة التي باتت مهددة بالإغلاق والإفلاس.

وينسجم موقف الرئيس التونسي مع مطالب الصحافيين بالعمل على استمرارية المؤسسات المصادرة منذ 13 عاما، ويطالب هؤلاء بضمان مواطن شغل العاملين فيها وإمكانية إلحاقها بمؤسسات الإعلام العمومي وفق نفس الصيغ والإجراءات التي انسحبت على العاملين في إذاعة “شمس.أف.أم”.

وطالبوا رئاسة الحكومة ووزارة المالية ولجنة الأملاك المصادرة للتدخل الفوري لإيقاف النزيف الحاصل بشركة “كاكتوس برود” المصادرة مع التعجيل بتعيين شخص من ذوي الكفاءة على رأسها مع إعادة جدولة ديونها بما يضمن استمراريتها وديمومتها. ويضغط موقف الرئيس المتمسك بهذه المؤسسات على الحكومة للتسريع بإيجاد حلول لأزمة هذه المؤسسات.

وشدّد الرئيس التونسي على أن حرية التعبير مضمونة في تونس بالدستور وأن التاريخ لا يُمكن أن يعود إلى الوراء، وإن كان هناك من يبحث عن دليل فلينظر كل صباح في عناوين الصحف وليستمع ويعيد الاستماع للحوارات التي تتم في وسائل الإعلام. ومن يُروّج لعكس هذا يُكذّب نفسه بنفسه ويُكذّبه المشهد الإعلامي بوجه عام.

سعيد يرفض أن يجمع كل الحالات في سلة واحدة، معتبرا أن هناك الكثير من الأقلام المأجورة التي تساهم في زعزعة البلاد

ويأتي حديث سعيد بهذا الخصوص بعد انتقادات عديدة طالت تونس بشأن التضييق على حرية التعبير، إذ تمت إحالة العديد من الصحافيين إلى القضاء بتهم مختلفة، منها ما يتعلق بالإضرار بالأمن الوطني والإساءة لمسؤولين وتشويه الصورة.

غير أن سعيد يرفض أن يجمع كل الحالات في سلة واحدة، معتبرا أن هناك الكثير من الأقلام المأجورة التي تساهم في زعزعة البلاد، ويرى أن الصحافة الحرة المعبرة عن الفكر الوطني الحر ستقف حائلا وسدا منيعا أمام كل من ارتضى لنفسه أن يكون قلما مأجورا أو لسانا يتظاهر بالدفاع عن الحرية ولكنه في الواقع هو من ألد أعدائها لأنه ارتضى لنفسه أن يكون خادما مطيعا وناطقا متنكرا ولكنه مفضوح باسم شبكات الفساد في الداخل المرتبطة بمن يحرّكها كالدمى من الخارج

كما تطرّق إلى العديد من المحطات التاريخية التي عرفتها تونس في مجال الصحافة منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى اليوم والدور الذي قامت به الأقلام الحرة في الدفاع عن الوطن وفي نشر الفكر الحر وفي حق الشعب التونسي في أن يكون حرا هو وحده الذي يقرر مصيره واختياراته بنفسه.

وكانت تونس رفضت البيان الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والتي دعت خلاله السلطات التونسية إلى الكف عن “تقييد حرية الإعلام وتجريم الصحافة المستقلة”.

وذكرت وزارة الخارجية التونسية في بيان أنه كان حريا بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، باعتبارها جهة أممية محمول عليها واجب الحياد، تحري الدقة والموضوعية قبل إصدار مواقف مجافية للواقع. وجددت التأكيد على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة بنص الدستور ومكرسة في الواقع، وأن التتبعات القضائية والإيقافات التي يشير إليها البيان تمت استنادا إلى أفعال يجرّمها القانون التونسي ولا علاقة لها بممارسة حرية الرأي والتعبير، وجرت في إطار الاحترام الكامل للضمانات القانونية والإجراءات الجاري بها العمل في تونس.

وشددت الخارجية على أن التونسيين لا ينتظرون من أيّ جهة كانت تقييما لوضعهم الداخلي ولكيفية تطبيقهم لتشريعهم الوطني.

ودعت تونس شركاءها وكل الأطراف إلى احترام إرادة واختيارات الشعب التونسي، وتطلعاته للإصلاح والعدالة، والامتناع عن محاولات التدخل في شؤونها الداخلية، والتأثير على سير القضاء فيها.

5